أربعة سيناريوهات لسورية

إن الحديث عن مستقبل سوريا السياسي في ضوء واقعها وما نشهده من محاولات دولية للوصول لحل او تسوية تفاوضيه ، يستلزم وقوفنا عند مدى اعتماد النهج الديمقراطي أو الدكتاتورية في التسوية . فالأمن والاستقرار والمحافظة على سلامة ووحدة اراضي الدول يتحقق في النهج الديمقراطي ، وفي حالة غياب هذا النهج في الدول العربية فإن الدكتاتورية من شأنها تحقيقه . فالديمقراطية طريق النهوض والاستقرار ، والدكتاتورية عندنا ثقافه . فهل يمكن أن تستند عملية التسوية المرعية دوليا في سورية الى إحداهما ليكون هناك استقرار في سوريا موحده؟
أما الديمقراطية ، فلا تصلح ولا تنجح في الدول العربية في ظروفها الحالية حكاما وشعوبا ، كما أن الدول الراعيه لن تعتمدها كأساس في أية تسوية للأزمة السورية لأسباب كثيرة أهمها اثنين ، الأول هو تعارض النظام الديمقراطي في البلدان العربية ومنها سوريا مع تحقيق المصالح والمطامع الاستراتيجية للدول الاقليمية الرئيسية وللدول الفاعله والراعيه وعلى رأسها امريكا الصهيونية وروسيا . حيث لنا بذمتهم قضية وطن ولهم عندنا قضية مغانم اقتصادية وجغرافية مجانية ومحل سطو. ولا توازن بين القضيتين في غياب الديمقراطيه كتوازن مطلوب .
اما السبب الثاني فهو عدم تقبل شعوب العرب للديمقراطية ،فهي ليست جزءا من الثقافة العربية أو الاسلامية ، وتحقيقها يحتاج لشعب واع على حقوقه وواجباته والى إرادة سياسية وزمن وجهد كافيين لتوفير مستلزمات البناء الديمقراطي في نفوس وعقول الناس لتوليد القناعة والقبول بهذه الثقافة وبالدولة الوطنية المدنية التي يشكل شعبها أمه بالمعنى السياسي الحديث . أي خلق القناعة والرضا والإيمان عند كل مواطن بأن الدولة هي دولته والملجأ الوحيد له ومن تحميه وتحمي كرامته وتؤمن حقوقه ، وتغنيه عن الاعتماد والولاء لهويات اخرى كالقبيلة او الطائفه مثلا كموروث متأصل ،
أما الدكتاتورية فهي النظام الذي يدخل في الثقافة العربية . فالدكتاتور المقنع ، وطنيا كان او غير وطني ، به وحده يشعر ناسنا بالأمان حتى مع الاخلال بالأمن . وما يلزمه هو فرض الإحساس بسلطة الدولة ممثلة بشخصه وبسلطته المطلقه ولا ضير في هذا عند الناس أن تقبع اولوية العدالة والحرية وحتى المعيشية في مؤخرة السلم . فسيقبلون به ويتمسكون. إلا أنه في الحالة السورية فإن الإبقاء على الدكتاتورية او فرضها أو العودة اليها لم يعد ممكنا إطلاقا . فطول الأزمة وتداعياتها وتطوراتها جعلت من سوريا بلدا يحكم الأن بالسلاح المدول والطائفي بأغلبية شعبية سنية ، كما جعل منها نقطة تجاذب دولي وإقليمي .

بمعنى أن نهجي الديمقراطية والدكتاتورية مستبعدان من أية تسوية قادمه وأن هذا سيؤدي الى استبعاد الاستقرار والأمان لسوريا على المدى المنظور .
نحن الآن أمام توافق امريكي روسي على السلوك السياسي في الأزمة السورية ، ومتوافقا مع المصالح الايرانية كأبرز ذراع اقليمي في الازمة سياسيا وعسكريا . وما يمكن أن نتوقعه في المحصلة هو في حدود اربعة سيناريوهات وجميعها ستضمن الحقوق الروسية المكتسبة ودور أمريكا في حفظ مصالحها ومصالح اسرائيل . وليس منها ما يحقق الأمن والاستقرار لسوريا ،
فاسرائيل هي بيضة قبان السياسة الدولية في الوطن العربي والشرق الأوسط . وليس هناك من دولة في العالم قادرة أو راغبة في مواجهتها أو تجاوز مصالحها مهما بلغت من القوة . وما تفضله اسرائيل في ضوء غموض القادم هو الحفاظ على السياسة السورية السابقه والتقليديه . وهذا مضمون في اطار نظام الأسد الذي يصعب استمراره . وما كان لروسيا أن تستلم زمام الأمور بالأزمة السورية بموافقة امريكية لولا الرضا والقبول الاسرائيلي . ومن هنا فإن أمريكا وروسيا وتبعهما الأوروبيون قد وحدوا خيارهم الأول بعدم تجاوز الاسد كحل او كجزء من الحل . فجاء بيان فينا مطالبا بحكومة وحدة وطنية ومغايرا لبيان جينيف 1 القاضي بهيئة حكم انتقاليه . ومع أن كليهما لم يستثن وجود الأسد نصا الا أن بيان فينا الذي جاء في ضوء التدخل الروسي تخلى عن فكرة التغيير بالتخلي عن آلية الهيئة الانتقالية
أما السيناريوهات الممكن تصورها فهي
السيناريو الأول ويترتب على نجاح المفاوضات او فرض التسوية ،افتراضا ، هو اسقاط للنموذج العراقي على سوريا مع تغيير الأدوار وهذا يشمل وجود دور تركي في سوريا مشابه للدور الايراني في العراق كما يشمل الاعتراف بالحقوق الروسية المكتسبه من حيث وجود قاعدتها مع تقديمها ضمانات لإيران . وسييضمن هذا السيناريو أيضا هيمنه امريكيه سياسية مع تقديم ضمانات لاسرائيل . وفي هذا السيناريو لن يختفي السلاح من الساحه ولا التدخل الخارجي . وستكون هناك عمليات تصفيه لأشخاص النظام السابق وحرب أطراف . وتبدأ سلسلة من الحوارات الفاشله التي نشهدها في العراق هدفها تكريس الأمر الواقع لحين فرض هيكله جديده لكامل المنطقه
السيناريو الثاني / هو اسقاط للنموذج اليمني أو تطور التسويه لذلك . بحيث يصار الى اختيار رئيس سني مع بقاء مؤسسة الجيش كوحده واحده خارج سلطته أو مع وجود دوله عميقه من شخصيات علوية . ويستمر الحال كما في السيناريو الأول
السيناريو الثالث وهو في حالة عدم نجاح المفاوضات او التوصل لاتفاق حول السناريوهين السابقين ، ويتمثل في الدفع باتجاه التقسيم في اطار فدرالي مزعوم .وهو ما تفضله روسيا وتهيئ له الأن كخيار الصفر وتتوقعه . وقد استكملت احتلال الساحل السوري بكامله ومرتفعاته .وهذا السيناريو يتفق مع الرغبة العلوية والمصالح الايرانيه لعلم ايران بأن حكم الأقلية العلوية لم يعد مقبولا محليا ولا مقدورا عليه دوليا . كما يتوافق مع المخطط الامريكي المحافظ ومع المصالح الاسرائيلية كخيار جيد لها . وسيؤدي هذا السيناريو إلى تفتيت سوريا وعدم استقرارها . ومما يرجح هذا السيناريو هو التصريحات التي يطلقها النظامان الايراني والسوري جزافا واضحا وفي كل مناسبه عن حرصهم على وحدة سوريه وهم يعلمون بأن ذلك لن يعطيهم السلطة ثانية ،مما يعني انها تصريحات وقائية حتى لا يسجل بأنهما وراء التقسيم
السيناريو الرابع هو النموذج الليبي وما آل إليه بمعنى صوملة سوريا .وسيشهد هذا السيناريو تعبئة معظم القادرين على حمل السلاح من الشعب السوري ، وإحجاما اوروبيا عن التدخل بنفس تدخلها في ليبيا . وتبقى روسيا في قاعدتها وإسرائيل في مأمنها وتبدأ الحوارات من جديد لغاية اعادة هيكلة المنطقه
والمحصله ان حلا نهائيا لسوريا سيكون على الأغلب ضمن اعادة هيكلة المنطقه كلها وهذا لا يكون الا عند التدخل الأمريكي المباشر والذي ستضطلع به الادارة الامريكية القادمه . وما التدخل والدور الروسي الحالي المكلف والمتوافق مرحليا مع ادارة اوباما واسرائيل إلا استباقا لتك المرحلة .أما داعش فليست هي القضية ولا المعجزه بل الوسيلة . فستبقى موجودة كشماعة تعلق عليها الدول تدخلاتها العسكرية وقراراتها السياسية حين تزعم بعدم إمكانية التسوية السياسية قبل القضاء عليها . لكن ذلك لن يتم الا عند انتهاء دورها بتحقيق المخطط أو تحقيق الدول الكبرى والاقليمية لمصالحها الى الحد الذي تستطيعه .