ربطاً وعطفاً على مقالي السابق، ولافتقاد قيم الدولة ووهمية المؤسسات، ولانسداد الأفق أمام حالة اليتم السياسي للأردنيين التي صنعها النظام وطَبَقَته، وكرستها الحركة الوطنية بفشلها وتحولها إلى عبء على الوطن، أطرح رؤيتي لركائز من شأنها بناء هيكل عظمي سليم لخارطة طريق شعبية يتشارك برسمها نخبة من مثقفي ومفكري سواد الاردنيين المغمورين والمهمشين. إنها مطروحة على عامة الشعب ومثقفيه ورواده، لا على خاصته ومخاتيره ولا مؤدلَجية وفلاسفته والمنقِبين عن عظمة في اللسان، ولا على أي متعاون مع النظام أو طامع أو مستفيد. فعامة الشارع هو الكتلة الحرجة وصاحب المصلحة الحقيقية والحس الصادق. وهم الأكثرية الطاغية والقادرة لو خرج منها واحد بالمئة للشارع لفرضوا التغيير المقنع للجميع والذي نصبو اليه من هذا الطرح، وربما يكون ذلك فرصة لثورة بيضاء يقودها الملك.
أبدأ برؤيتي لمبررات هذه الركائز وبالحقائق التي تقوم عليها وتنطلق منها كما أرها:
أ — إن ما يجري في الأردن ليس عابرا ولا معزولا، بل مصطنعاً وهادفاً لغايات المشروع الصهيوني الذي من مقتضياته تنفيذ وعد بلفور الذي يشمل الأراضي الأردنية، فالإمارة التي قامت عام 1921 بنظامها وأرضها وشعبها وتطورت لمملكة فإنما كان ذلك لاستخدامها بمكوناتها هذه أولاً، ثم استهدافها بمكوناتها أخيرا، وذلك كجزء من فلسطين التي عُرِّفت صهيونيا توراتيا بالأراضي المقدسة، وحُددت جفرافيتها على هذا المفهوم في وعد بلفور من البحرغربا عبر النهر لعمق الصحراء شرقا. هكذا هو مفهوم عدونا ومشروعه. وبصرف النظر عن مفهومنا واتفاقنا أو اختلافنا مع ذلك فهو المشروع الذي نواجهة واقعا نحن الشعب على ضفتي النهر، ونواجهة حاليا في الاردن. فنحن كأردن وأردنيين في مرحلة “الإستهداف”.
ب – رغم التطورات السياسية الخطيرة المستجدة الهاجمة على الأردن على خلفية تكاملية الاستهداف لفلسطين والأردن، والتي من المفترض أن تسمو بنا كمواطنين على كل الجراحات، إلا أن حالة عدم الإنسجام والتلاقي السياسي بين قواعد المكونين الأكبرين ما زالت قائمه. ونخطئ إن لم نقل بأن لذلك أسباباً موجودة فعلا تتعلق بهواجس مشروعة وتساؤلات حول الرؤية المستقبلية المنشودة من التغيير وأسسها وطبيعة المصلحة المشتركة فيها. وما لم تعالج بما يُقنع الناس فلن نصبح بمواصفات الشعب الواحد أو المتصالح، ولن نصنع أي مشروع سياسي ناجح أو حراك جماهيري للتغيير بوجه الهجمة الحالية على الأردن والتي ستطيح بمرحلة استخدامية عشناها لتبدأ مرحلة نسير اليوم اليها سيفقد فيها الشرق أردنيين إن لم ننتبه كل ما فقده الغرب اردنيين في فلسطين. فلا نريد لأي مكون أن يجد نفسه وحيدا ولا للأردن أن يسقط على مذبح عظمة رماها العدو علينا، مكتوب عليها أردني – فلسطيني.
ج – الصراع وهميٌ جداً بين الحركة الوطنية الشعبية في الأردن بكل أجسامها السياسية والحزبية والنقابية، وبين النظام. وساقها عجزها وعدم قدرتها على استقطاب الجمهور إلى أن تبحث عن مكاسب شخصية من النظام واقتناص الفرص لذلك. ولم تحركها التطورات السلبية الهائلة في الاردن والمنطقة الى تغيير وتطوير عملها بل جنحت بذات حالتها للإختباء وراء بعضها من خلال التكلات لحماية بقائها. فالصراع يجب أن تتهيأ له الظروف التنظيمية ليكون بين عامة الشعب وبين النظام المرئي والعميق وطبقته السياسية والرأسمالية والإدارية الفاسدة.
أما ركائز الخارطة كما اعتقدها بناء على ما تقدم فهي،
1 – إسقاط ودفن لَغَط ” من هو الاردني ” في هذا القطر وزبل كذبة وبدعة “المنابت والأصول” الاستعمارية الاختراقية، باعتبار أن كلَّ من يحمل الرقم الوطني، هو الأردني بكل ما له وما عليه.، وأن يكون هذا مقترناً بقاعدة انتماء الجميع للدولة، وأن يكون الهمُّ والشأن الأردني هماً وشأناً للجميع بنفس الدرجة وبتوحيد خطابنا وخُلوِّه من كل ما يُحَجم قضيتنا ويشخصنها ويَحرِفنا عن مسارها السياسي، وأن تكون القضية الفلسطينية قضية اردنية وطنية لا مجرد قوميه لأنها هي كذلك، وبوصلة سياستنا الخارجية، وأن نكون السند للفلسطينيين في معاناتهم في فلسطين وأينما كانوا.
وهذه الركيزة تستلزم رفض أية طروحات للعودة عن قرار فك الإرتباط بعد أن قضى وطره بتسليم الضفة لإسرائيل وهي محتلة، ويصبح التوجه لتقنينه أو دسترته مطلوبا للمحافظة على القضية وفلسطين وفلسطينية شعبها كدولة من البحر إلى النهر، ولترسيخ الأردن كدوله في حدودها القائمه دوليا لحين تجاوز مرحلة القطرنة العربيه، وكذلك رفض التجنيس والوقوف الحازم بوجه مخطط توطين اللاجئين وكل التفاف على حق العودة قد يطلب من الأردن وغير الأردن.. وعلى أن يكون مفهوما بأن تحرير فلسطين يعطي الحرية لإعادة التموضع السكاني جغرافيا حسب الرغبة الشخصية أو الجماعيه..
2 – حيث أن نظامنا الدكتاتوري أو الأوتوقراطي (حكم الفرد) تقتضي طبيعته أن يتحكم نهجه السياسي بنهوج كل قطاعات الدوله وإداراتها. وحتى لو كان يعمل بالوكالة، فإن أي اصلاح قانوني أو إداري أو تغيير في الأشخاص والحكومات يضطلع به هذا النظام لن يكون الا لمصلحته، أو لا يتعارض مع تعزيز سلطويته ومصالح حماتها ورعاتها وشركائها. فالمطالبة بالاصلاح الحقيقي جهد عبثي للشعب لأنه يفتقد لأسسه ومنطقيته، وبنفس الوقت لعبة منتجة للنظام. وعليه فإن المتهم في فشل الدولة في الأردن هو النهج السياسي،. وأن المطلوب منا هو تغيير هذا النهج الشمولي الى ديمقراطي، واختيار الشكل المطلوب لهذا النظام الديمقراطي ووسيلة الوصول اليه.
3 – المَلَكية ضرورة في دولة بمواصفات وخصوصيات الأردن ونسيجه وثقافته، وإن كنا لا نتفق على ذلك (افتراضا )، فإننا بالتأكيد نتفق على الأقل بأن تغيير الملكية بدلا من دمقرطتها لا معنى له سوى التعقيد. حيث لا فرق بالمضمون بين ديمقراطية وأخرى سواء كانت في جمهورية أو مملكه. فالمطلوب إذاً هو دمقرطة النظام الملكي الهاشمي أو الدوله بالتحول الى الملكية الدستوريه كمشروع تتحقق فيه الديمقراطيه وسلطة الشعب ودولة المواطنه التي تعالج كل التفاصيل والاختلالات القائمة بأجهزة الدوله.ولا داعي للتذكير بأن مقومات هذا الملكية الدستورية موجوده أصلا في نصوص الدستور وتم التلاعب ببعضها وتجاهُل البعض الأخر.
بعض الأردنيين يتحسسون من ( الملكية الدستوريه ) أقول لهم بأن الدولة الديمقراطية، هي الأقوى والأقدر والأكفأ من العشيرة في حماية ولدها وحقوقه وكرامته وأمنه وتأمين حاجاته، وفيها تتحقق العدالة الاجتماعية وحماية الضعفاء والمستضعفين. ومن لديه هواجس انتخابية فلا أساس لها عمليا، والتحدي أصبح هو الوطن والكرامة والحياة الكريمة. دور العشيرة في الدول الحديثة انتهى بحكم التطور البشري والتاريخي ومعايير المواطنة وحقوق الإنسان. واليوم تتآكل بفعل وعي افرادها وانفتاحهم الواسع على العلم والمعرفه والعالم المتقدم ومفهوم الوطن، وكلما تجاوزناها يعيدها لنا المستعمر. وثقوا بأن تحالف النظام مع العشائر كان استخداما وانتهى ( بح ). لنتسلح بالديمقراطية والمؤاخاة في الله والوطن كي نحافظ على وجودنا وأمننا وما لنا وعلى عزتنا وكرامتنا وكرامة وطننا.
4 – حيث من المؤمل أن الاطلاع على هذه المرتكزات المقترحة مع مبرراتها قد يفتح المجال أمام تلاقي نخبة واسعة من مثقفي ضلع الشعب لمناقشتها وبلورتها باتجاه صنع خارطة طريق وتشكيل تيار شعبي أردني جماهيري ومنظم وقادر على تشكيل ضغط سياسي ودبلوماسي وإعلامي محلي للتغيير المطلوب، فإنه ينبغي وعلى رأس الأوليات لسلامة العمل المشترك ونجاحه وتحقيق أهدافه، استبعاد طرح أو اقحام أية مسألة ايدولوجيه أوخِلافيه أو اصطفافيه سياسيه من خارج النص الوطني الأردني. فمشروعنا محلي باتجاه سلطة الشعب ودستوره وهو الذي يحسم التفصيلات وكل أمر.