شعبنا مظلوم ومكلوم والتآمر عليه من كل جهة وناحيه. قضيته حجمها تتسع له صدور أمة بأكملها، تباع من نُخَب تحالف الحكام مع المال والسياسة والعمالة بقطع من لحوم جسد الأمة يُلَوح بها السجان. شعب بلوه بكل فسادهم. الساحة النخبوية في بلادنا يلوثها عبيد المال وسماسرة الحكام وباعة الاوطان والمتاجرين بقضيتها. إنهم لا يشبعون. سلاحهم الغدر والخيانة التي تجري في دمائهم، بينما يعز ويستعصي على شعبنا توحد النخب المضحية والصادقة لتقوده وترشد حركته وتضبط نتائجها ليصبح حرا وسيد نفسه.
لا نلوم عدوا ولا حليفا له في حربهم على دولنا وشعوبها بل نواجههم. إنهم يخوضون معركة اليأس والتيئيس وسنبقى نواجهها بمعركة الأمل، والإيمان هو السلاح الذي نحمله، ويفتقدونه. وظيفتهم أن يُخرِجوا الإحباط القاتل من صلب ذات الأمل. إنهم يهاجمون وحدة الشعب وثقته بنفسه. وينشدون استسلامه قربانا للصهيونية ومصالحهم.
ما حدث على الساحة الاردنية مؤخرا ليس بالحدث الخارج عن المألوف بشكله ومضمونه لكن خطورته في خلفيته وسنأتي عليها. وتعريفه المبسط هو باختصار ومن وجهة نظري الخاصة، تدخل من النظام الخفي في اللحظة الأخيرة لاجهاض مبكر لعمل وطني غريب في تكوينه عليهم ولا أعتقد بأن المصالح في رام الله بعيدة عن ذلك. وما كان لتدخل النظام في هذه المرة وغيرها أن يكون لولا معرفته برجاله وبأهدافهم الحقيقية وبمطرح وجعهم وشكواهم ولما يطمحون. فالنظام يَزبل رجاله لأسباب تتعلق بأولويات المرحلة ومتطلباتها لا أكثر. فمنهم من يبتلع ويطويه النسيان، ومنهم من يُصر على التعاون لحماية مصالحه حين تكون كبيرة ويختلط فيها المال بالسياسة. فيبدأ بالتحرش بالنظام، ولا يجد أمامه وسيلة أفضل من العمل الوطني يركبه ليستخدمه من أجل عودة ذليلة لا أكثر.
الصعيد الوطني يعرفهم ولكنه أيضا ربما يستقطبهم ليستخدمهم لصالحه ولصالح قضية الوطن والشعب. ليس الخطأ في هذا بل الخطأ في أن يضعونهم في نواة العمل المؤثر بدلا من وضعهم في فلك العمل يسبحون ولا يؤثرون. سيما وأن هذا الشرك نفسه قد استخدم ومُرِّر أكثر من مرة. لكن عِظم الأخطار التي تهاجم البلد والقضية في هذه المرة ربما جعلت أصحاب التجربة يتناسون أملا بالتفهم، ولم يُدركوا أن الجائزة مع هذا العِظم وهذا الظرف السياسي تكون أكبر وأكثر إغراء وأسهل حصولا.
أما خطورة لعبة النظام ووسائله هذه المرة فهي ليست على العمل الوطني. فهذا لا يستطيع وقفه أحد، بل إنه يزيد الشعب إصرارا. إنما خطورتها تكمن في السياق الذي جاءت به في هذه المرحلة وبالتالي في الهدف المختلف. فما حدث بحركة شيطانية رشيقة يسوق الى مشروع فتنة أهلية وإحداث شرخ في الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية لصالح تمرير مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية. لقد ارعبهم مجرد التوجه لبناء وحدتنا الوطنية التي عملوا على تفتيتها في كل مفاصل الدولة طوال عمرها وعمر النكبة. وارعبهم أن يجد الشعب له طريقا، وهالهم التوجه لبناء وتماسك جبهتنا الداخلية. وبهذا لن يفلحوا
ففي الأزمات الوطنية والهجمات الصهيونية على الاردن او فلسطين او القضية، لا يكون في الأردن إلا مكون واحد بموقف واحد. يضم جميع أطيافه في وجه العدو المشترك وكل متآمر. موقف تسقط فيه كل الاعتبارات المصطنعة والهويات الفرعية وتسقط معه صفقة التصفية تحت أقدام الاردنيين والفلسطينيين. لقد سمعنا كلاما خطيرا ينطوي على مساعي أخطر، لننتبه، لا حماية لأردني ولا لفلسطيني إلا بوحدتهما، ولا دمار لطرف إلا بعزل نفسه عن الأخر. لا مكان في الاردن لمتفرج على ذبحه، فاستهداف الأردن وشعبه وكيانه السياسي لا يكون إلا لحساب استهداف فلسطين والفلسطينيين، وفلسطين الوطن. ماذا يهذي الهاذون؟. نموذج رام الله – غزه لن تستوحى فكرته ولن يتكرر في الأردن بأي شكل. فالوضع دقيق وحساس ونحن خط الدفاع الثاني وربما الأخير. الوحدة الاردنية الفلسطينية الشعبية والنضالية وجوبية على أية بقعة وليست خيارا
الخطر الصهيوني الخارجي الداهم لا يَبني نجاحه في الإجهاز على هذا البلد وارادة شعبه وقضيته إلا على الإبقاء على الأخطار الداخلية التي صنعها ويُعظمها لتنخر بالدولة وبالشعب حتى الركوع، ولم يعد هذا العدو يغامر بنقطة دم تسيح منه، بل على دمائنا واستسلامنا يراهن. البداية والأولوية في مواجهته لا تكون الا في الإصرار على وحدتنا أولا ومعالجة الوضع الداخلي ثانيا، ولا بقاء لمن لا يتغير. وإن أولوية الشأن الداخلي هذه حقيقة يعلمها المواطن البسيط ومن غير المعقول أن لا يدركها رجال دولة، وتفسير تجاهلها لا يكون إلا تأبط للجل تأبطاً، وتلاعب بالمنطق وتمرير الرسالة بأن المهمة أنجزت والإنبطاح تم. يا لها من رسالة قامت على بجاحة كلها ذل لا يزينها إلا خلوها من المصداقية ومن المنطق السياسي. والمفاجأة كانت بسرعتها وليس بها. وحيث أن قرارها كان موجودا فإن توقيتها كان مرسوما. إنهم الخاسئون فالعمل الوطني الجمعي التشاركي غاية ستستمر
الشعوب يمثلها ويتكلم باسمها أحرارها. أما عملاؤها فأنفسهم يمثلون، والى بئس المصير يسيرون. والشعب الفلسطيني اليوم خارج معادلة العشائرية والقبلية والمشايخ. لقد طلقها من زمن. فالقضية هي عشيرته وحماتها قادته. أما الاردنيون فهم اليوم أمام تحديات وطنيه وجودية، العشائرية والقبائلية وكل هوية فرعية يجب التبرع بها للأردن الوطن، لشعب واحد بهوية جامعة واحده وقضية واحدة. وبغير ذلك نخون أنفسنا ونخذل وطننا من حيث لا ندري. حراكه واحد وخطابه سياسي واحد وقيادته الواعية الواحدة يجب أن تتشكل ويضيق الرابع برجاله ونسائه ويتمدد لا أن يبقى محدودا ولا حبيسا ولا أعرجا.
نحن في الأردن بكل أطيافنا العربية والاسلامية شعب بعدو واحد ومصير واحد وقضية واحده، بدأت هكذا وستنتهي هكذا رغم أنف من يفتدون مصالحهم وأموالهم بالوطن، بالأردن وبفلسطين معا. لا توطين ولا وطن بديل، ولا تطبيع ولا وجود للصهيونية في الأردن ولا تعايش مع أي خائن وهذه ارادة شعبية. ليَحذر كل اردني وكل وفلسطيني وطيف على هذه الأرض من الانجرار لمسوقي الانهزامية والتفرقة. لا حياد أمام الخطر الصهيوني ولا حياد أمام الخطر الداخلي ولا حياد أمام صفقة التصفية بكل أشكالها.. ومن لا ينتمي لشعبه ولبلده ووطنه فانتماؤه للبيع في المزاد. الأفاكون المتاجرون بالدم الاردني والفلسطيني وتراب الوطن لا مكان لهم بيننا.