أليس التغيير استحقاق تاريخي للأوبئة؟ وهل تكون الديمقراطيات الامبريالية الضحية الكبرى لوباء كوفيد 19.. أم أنها التي لا تبقي ولا تذر؟

سيرحل وباء كوفيد 19، ولكن حتمية أثاره السياسية والإقتصادية الجذرية على العالم قد لا يكون مناص منها. فقد عرَّى الزائر الكريم الكثير من هشاشة صمود الطغيان والإستكبار والضوضاء الأخلاقية على الأرض ولكل شيء أجل. إلّا أن حدة التغييرات مرتبطة بأمد زيارنه. فالشعوب لا تحتمل ما لا طاقة لها عليه والأنظمة لا تقوى على المقاومة مع سقوط أسلحتها المادية. وفي ظل فقدان التضامن والتعاون الدولي لمواجهة الوباء واستبدال استراتيجية الهجوم العلمي الجماعي عليه باستراتيجية الهروب والنأي بالنفس تحت تأثير الوباء الأخلاقي على الارض، فإن جندي كوفيد 19 مرشح لاستكمال مهمته والنيل من صمت الشعوب بما يكفي لكي تنهض بوجه مجرميها وفاسديها ولصوصها ومستكبريها وإرهابهم العسكري والإقتصادي ووضعهم مع وبائهم الأخلاقي في قفص نظامهم الدولي بداخل محرقة التاريخ دون فرصة محاكمة. فهل يكون كوفيد 19 هو المعارض السياسي الذي يفهمون لغته، أم الذي لا يُيبقي ولا يذر؟
إن طال هذا الوباء فسيطحن الضعفاء بصمتهم قبل الأقوياء بظلمهم، ويطحن الأنظمة الهشة والوظيفية قبل السليمة ويطيح بمسار الأنظمة الديمقراطية الامبريالية ليخلفه مسار الإنسانية وعدالة السماء والناموس، وعندها تتوفر شروط التعاون البشري الانساني السليم بين الدول على أنقاض التعاون الدولي المسيس.
الديمقراطية رهان الشعوب للحرية والعدالة الاجتماعية ولسلطتها على نفسها ودولها، إنها جزء مستوحى من نداء العقائد، ركبته أنظمة الغرب الاستعمارية التقليدية لتخدع شعوبها وتحمي نفسها منها. إنها أنظمة تخلو من الخلق الإنساني كأعظم عامل توازن لسلامة البشرية، ولا يمكن أن تؤمن بالديمقراطية التي هي من نتاج كفاح شعوبها ومفكري شعوبها ضد طغيانها بالأساس. ومن الطبيعي أن تُزيفَها في بلادها وتُحَرِّمها على فرائسها . فهذه الديمقراطيات الغربية الرأسمالية لا تتحالف إلا على الشر والعدوان واقتسام مقدرات الشعوب، وليس عند كورنا من هذا شيء. إنها الأنظمة الأستعمارية نفسها بدلت شكلها الخارجي بثوب الديمقراطية لتمرر نفسها في خداعها وحربها على الشعوب. تماماً كما يطور الفايروس نفسه وشكله لتستعصي مواجهته. وهذا الفايروس وكل أوبئة العالم لم تقتل من البشر بقدر ما قتلته تلك الأنظمة الأستعمارية.
فالنظام الدولي الذي يحكم عالم اليوم هو تحالف الأنظمة الاستعمارية القديمة معززاً بحماية أنفسها بتحريم وقوع حرب بينها. وجاء هذا التطور في نظام الأمم المتحدة ونظام مجلس أمنها المتهالك. وعليه فلن يستقر العالم ولن يستطيع الأقوياء من حماية أنفسهم على المدى الطويل ما لم يُسحق النهج الإستعماري في عقر داره وعلى يد شعوبه. فنحن نتطلع لشعوب الغرب أن تواجه أنظمتها وتكشف قناعها الديمقراطي المزيف. فهذه الأنظمة تنفق على وسائل الإعلام التجهيلية ومراكزاها ومختبراتها المضللة لشعوبها وشعوبنا ما يفوق بكثير ما تنفقه على مختبرات ومراكز الأبحاث العلمية التي تفيد وتنفع البشرية.
نحن العرب لأسباب جغرافية واقتصادية وتاريخية وعقدية، وفوق كل ذلك لأسباب صهيونية، نحظى بالأولوية في الهجمة الاستعمارية التي لم تتوقف يوما علينا حتى أحالت دولنا إلى فاشله ثم مستعمرة فمستباحة بعد أن وصل فيها الصهيوني الى سدة الحكم والقرار والتوجيه في عواصمنا بأثواب عربية.إنها أشباه دول وليس من مكوناتها حر ولا مصان. وهذا من مقتضيات احتلال واستقرار احتلال فلسطين والقدس والمقدسات فعلى ماذا نأسف؟ إن أي تغيير دولي تحت الضغط هو في المحصلة لصالح الشعوب المستضعفة.
إن انتشار كوفيد 19 بهذه السرعة والسعة على مساحة القارات وفرضه لزومية تجاوب الشعوب بالخضوع لاجراءات تقييد الحريات الشخصية وتقييد السعي للرزق على نسق لم يطبق في الحروب على أمل إيجاد اللقاح أو العلاج هو خيار الصفر أمام العجز قد وَلِّد الذعر، وإن هذا الذعر سيتعاظم في نفوس الناس في كل دولة مع مرور كل يوم لا يُطل عليهم ببشرى إيجاد العلاج رغم قصر المدة لتاريخه. وستتمدد المعاناة النفسية والجسدية مع امتداد أمد الوباء ويصبح المواطن في خوف على حياته وأمنه الشخصي، وفي خوف من جوع وانغلاق الأفق، وسيترافق ذعر هذه الشعوب عندها مع الإستحقاق العفوي بفقدان الثقة بالأنظمة والكفر بالقانون والمؤسسه.
وسيكون عندها اندلاع عدم الإستقرار والفوضى السياسية والإجتماعية والأمنية في الدول في سباق مع جهود وقدرة الانظمة المتوحشة على إيجاد الكابح الطبي للوباء. ولا يمكن لهذه الفوضى مع فشل الأنظمة إلا أن تكون عنيفة ومجنونة في دول الغرب الديمقراطية أولاً، لأن شعوبها ستصحو على استغفال بلعته من أنظمتها يفوق استغفال الشعوب الأخرى التي لم تبتلعه بل رضخت اليه. ولن تنجو تلك الأنظمة من التغيير العميق الذي يذهب بزيفها ونهجها. فكما لا ديمقراطية ولا حرية ولا خيار شعبي مع الشيوعية، فلا ديمقراطية ولا حرية ولا خيار شعبي مع الامبريالية والرأسمالية.
أما في حالة انتهاء الوباء سواء بتمكن الانظمة الاستعمارية الغربية منه، أو برحيل الوباء من نفسه، فأيضاً لن تنجو هذه الأنظمة من شعوبها التي عايشت المشهد الذي تساوت فيه شعوب الدول الفقيرة والمقموعة وأنظمتها المهترئة مع شعوب الديمقراطيات والمال والرخاء أمام العجز والموت، وستكون الصحوة الحقيقية هي صحوة تلك الشعوب المخدوعة بديمقراطية أنظمتها وستكون بداية التغيير من أرضها، وستسقط تلك الديمقراطيات المزيفة بسقوط أخلاقها واقتصادها ومالها وأوراقها فهو كورونها. والتاريخ البشري يزخر بالأمثلة التي غيرت فيها الكوارث الطبيعية ناموس الفوضى واللّا أخلاقية وأصحابها على الأرض بدءاً بمثال الطوفان وسفينة نوح، إنها الحكمة من الكوارث الطبيعية.