أنطلق في حدبثي عن جزأي عنوان المقال من قناعتي بمسلمتين، الأولى، هي أن أمريكا مستعمرة صهيونية من نوع خاص، وليس العكس واقصد بالنوع الخاص، شراكة ضلعي مثلث صنع القرار الأمريكي الاقتصادية (بزنس ) مع قاعدته الصهيونية ولا يمكن على المدى الذي تستمر فيه هذه الحالة أن يستقر في أمريكا نظام أو حكم إلا وتكون المصالح الاسرائيلية السياسية أولوية على المصلحة الأمريكية نفسها، وإن مثلث صنع القرار هذا، هو العقل الذي يحمي القيادة الاسرائيلية من نفسها ومن أخطائها ومن هنا فقط نرى أحيانا تمرد القرار الأمريكي على القرار الاسرائيلي عندما يكون أهوجا وبالتالي فإن زعامة أمريكا للعالم وتفوقها العسكري خط أحمر للصهيونية العالمية والنظام الأمريكي معا.
أما الثانية، أن الإدارة الأمريكية متفقة مع صانع القرار الأمريكي أن الأولوية العليا لأمريكا في هذه المرحلة هي تنفيذ صفقة القرن على المقاس الاسرائيلي المدروس أمريكيا، وإن الظرف الدولي والعربي والفلسطيني القائم كاف ليشكل فرصه تاريخيه تنقل إسرائيل لوضع جديد في مشروعها تتموضع فيه لتبدأ من عنده مرحلة متقدمة على طريق حل تاريخي لها وأن كل ما جرى ويجري من ارهاب تدميري في سورية وغيرها وإرهاب سياسي وأمني في باقي الدول العربية هو على خلفية الوصول للحظة تصفية القضية الفلسطينية وما معاهدات السلام العربية الاسرائيلية واستهداف العراق إلا بدفع صهيوني في سياق سيرورة تصب في قناة التمهيد لتلك اللحظة على طريق تنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقه انطلاقا للإقليم وللعالمية.
ولو تفحصنا الأرضية السياسية التي تقف عليها اسرائيل الأن لوجدنا أن القضية الفلسطينية بالنسبة لها انكمشت الى مسألتين جاهزتين للتصفية الأولى، مسألة اللاجئين ببعدها السياسي الدولي المقنن في الأمم المتحدة والثابت في القانون الدولي، والذي يترتب عليه حق العودة للوطن والثانية، هي ممارسة الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير على تراب وطنه وتشكل هاتان المسألتان البعدين السكاني والسياسي للقضية الفلسطينية وهما المكونان اللذان ليسا تحت سلطة الإحتلال أو قراره ويمثلان حاليا مضمون ما يسمى بصفقة القرن.
حيث أن بقية مكونات القضية بما فيه القدس والمستوطنات وهضم الأراضي المحتله وحرمان عرب فلسطين من حقوقهم الوطنية السياسية وغيرها مسائل تخضع بحكم الواقع العربي والدولي لارادة الاحتلال وقانونه وقد قطعت اسرائيل فيها مرحلة متقدمة جدا في اطار الفرصة التاريخية، ومررت قراراتها الأخيرة وابتلعها العالم والأنظة العربية بماء ذل الشجب والإستنكار، ودفع الفلسطينيون ضريبة الدم بمئات الشهداء لينضموا لعشرات بل لمئات الألاف من الشهداء وانتهى الأمر بنجاحها في تجميد المقاومة الفلسطينية في غزة والمحاصرة منذ ولادتها.
إن كون مسألتي اللَّاجئين وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني كركيزتين لصفقة القرن لا تخضعان لسلطان الاحتلال وأمريكا المباشر لا يعني أن هاتين المسألتين هما وحدهما ما تبقى لتعلن أمريكا صفقتها، بل هناك مستلزمات لسلامة تنفيذها على الأرض تتعلق بتأثير الدول الإقليمية في المنطقه وفي سوريا بالذات وأقصد تركيا وايران وعليه فإن الصففقة وإعلانها وتنفيذها رهن بتصفية المسألتين المشار اليهما والمستلزمات الإقليمية فأمريكا الان أمام مهمة تصفية المسألتين من ناحية، وتصفية المعيقات الاقليمية المتركزة في تحجيم سياسة وتوجه تركيا أردوغان، والتخلص من الوجود الإيراني في وتبعاته في سوريا كشرط أساسي في ترتيب الوضع المريح الخالي من التهديد لإسرائيل.
بالنسبة لمسألتي اللاجئين وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني فهو أمر متعلقة تسويته بالأردن، وأصبح بالنسبة لأمريكا في متناول اليد مع وقف التنفيذ فمن أجله أنشئت الدولة وفُصِلتْ عن وعد بلفور ولست وغيري في صدام مع مواقف الملك المعلنة فيما يتعلق بتطورات القضية الفلسطينية وصفقة القرن بالذات ولكني في صدام مع مصداقيتها طالما أنها مواقف وثوابت تفتقد الى مقومات الثبات عليها ولا يسندها فعل أو تغيير في النهج ً، ولا مؤشرات على أية ردة فعل أردنية سياسية عملية على الإجراءت العملية التي اتخذتها ومررتها اسرائيل مؤخرا بحق تلك الثوابت، وإشرافها على مهمة تنفيذ التصفية النهائية للقضية.
بمعنى أن عملية تفريغ المسألتين في فلسطين الشرقيه التي ستكون محمية أمريكية صهيونية منزوعة السلاح تسير بسلاسة دون موقف رسمي عملي أردني وهذا بالتأكيد لن ينهي المشكله أمام اسرائيل لأن الأردنيين والفلسطينيين لن يرضخوا ولن تنتهي القضية عند الشعب العربي حيث عندها ستكون اسرائيل في المرحلة الصهيونية الجديدة التي ذكرتها اعلاه، والتي ستتموضع فيها لمواجهة جديدة على طريق التصفية التاريخية، وستكون المواجهة طبقا للمجريات على الأرض.
ولا وجود في الواقع حاليا لتأثير عربي في منع تنفيذ الصفقة أو منع تصفية تلك المسألتين لغير الأردن فهو مربط الفرس، فسلطة عباس (صفر حافظ منزله) أما غزة ومقاومتها، فقد وجدوا لها طريقا، وقد ترى حماس بالهدنة أن الإبقاء على مقاومتها نائمة على ارض فلسطين خير من دفنها، وترى اسرائيل بالمقابل أنها مسألة وقت وكسب وقت، لتعود في مواجهة المقاومة بعد استكمال أساسيات الصفقة، ناهيك عن أن العراق وسوريا معزولتان عسكريا وسياسيا بحكم واقعهما، ولم تعد فلسطين أولوية لهما وصُنِعت لهما هموم أخرى، والدولتان العربيتان الكبرتان متعاونتان بل السعودية تضغط وتدفع المستحقات المالية أما الشعب فغير معبئ سياسيا وسيأتي دوره في المرحلة التالية التي يكون فيها صاحب الموقف وسيده.
وبالتالي فإن المتبقي أمام امريكا لاعلان الصفقة وسلامة تنفيذها بوضع مريح هي تأمين جانبي تركيا أردوغان نظريا، وايران عمليا فليس المطلوب أمريكيا من تركيا على هذا الصعيد أكثر من الإبقاء على مستوى علاقاتها مع اسرائيل دون تطور ووسيلة امريكا هي استمرار الضغط على تركيا بهدف أسمى هو التخلص من نظام اردوغان، والحديث بهذا مبكر جدا وتأثيره حاليا لا يُذكر على تنفيذ الصفقه.
أما عمليا فإن ايران هي العقده الصهيو – أمريكيه وليس المطلوب من ايران مجرد إبعاد قواتها الى مسافة معينة عن الخط المعين، فهذا لا يكفي بل المطلوب والمقصود هو خروج ايران عسكريا وسياسيا من سوريه للتخلص من تأثيرها على بقاء القيادة السورية وعلى طبيعة التسوية المطلوبة في سورية لتأمين المصالح الاسرائيلية في قطع التواصل الجغرافي مع حزب الله، وفي تمهيد سياسة اسرائيل في المرحلة الجديدة بعد تنفيذ الصفقة.
أمريكا التي يشكل إنجاح وسلاسة تنفيذ صفقة القرن محور سياستها في المنطقه حاليا، ليس من صالحها مواجهة ايران عسكريا ولا تخطط لذلك بل ربما ايران هي من تحاول استدرجها لذلك في هذه الظروف الصعبة عليها بالذات ولذلك ليس أمامم أمريكا غير الضغط على روسيا لابتزازها من أجل اقناع ايران بالخروج من سوريا أو الطلب من القيادة السورية القيام بالمهمة الصعبة والضغط الأمريكي في هذا هو بتنشيط ارهابها وتنظيماته من جديد وتعقيد الجهود الروسية العسكرية والسياسية في سورية وإن تهديدها لسوريا بذرائع تفترضها، وحشدها الاعلامي واللوجستي بالمنطقة هو في هذا السياق.
وهذا كله بمثابة رمي امريكا للكرة بالملعب الروسي في وقت حرج وبوتين روسيا لاعب سياسي بارع والأوراق بيده كثيرة وكبيرة ولكنها مكلفة لا شك أنه بصدد وضعها بالميزان.
كاتب وباحث عربي