أنفاق حماس تتحول إلى جسور

انتهت في منطقتنا، المرتكزات السياسية والقانونية التي توافق عليها المجتمع الدولي كمرجع تسترشد به الدول لدى تشكيلها لسياساتها الخارجية ، وهي المرتكزات التي توجه التحالفات وتمنع الصدامات الدولية المفترض نشؤئها من تعارض المصالح واختلاف استراتيجيات سياسات الدول الخارجية ، دمرها وأنهاها عجز الأمم المتحدة المسيس والسكوت الأمريكي المبرمج عن فعل داعش في استباحة القانون الدولي وإشاعة ثقافة سياسية بديلة عزلت منطقتنا عن النظام الدولي القائم . فكان أن تشكلت القناعة لدى قادة دول المنطقة بأن ما يجري هو علامة فارقه على عهد جديد بتصور جديد للمنطقة . وتوجب على دولها أن تعيد النظر في سياساتها الخارجية وتحالفاتها ، والتعامل مع الواقع الجديد بموجب مواقف واستراتيجيات وتحالفات جديده على سبيل الحماية والمكاسب ..

كانت حماس إلى ما قبل ظهور داعش في المنطقه ، مركز تسليط الأضواء ، ومصنع الحدث والحديث لكل المهتمين الدوليين والاقليميين .. وعندما باغت تنظيم داعش المنطقة بدولها وبشعوبها وانظمتها ، تمكن هذا التنظيم من فرض نفسه كمركز للحدث العالمي وصنعه ، ومن إجبار دول المنطقة على إعادة ترتيب أولوياتها وخلق أولويات جديدة ، ودفن أخرى كانت قائمة ، وعلى خلط اوراق التحالفات السياسية والمصالح السياسية فيها . وحماس ليست استثناء ، فقد وجدت نفسها في ظروف سياسية وميدانية جديدة ليست في صالحها وتفرض عليها التغيير . ولا ننسى أن اسرائيل هي الأكثر اطلاعا بما يجري في المنطقه أو يخطط لها ،وتعلم بأن ما يجري فيها هو لصالح رؤيتها السياسية في طوي الملف الفلسطيني

ومن هنا فإن التحالفات والصداقات والشراكات التي كانت قائمة في دول الاقليم لم تعد كما كانت .وهو ما انطبق أو انعكس على حماس . فلم يعد شركاؤها كما كانوا ، ولم يعد خصومها بالضرورة كما كانوا . وباتت في وضع ضعيف أمام اسرائيل ، سياسيا وعسكريا . وتبخر كل ما كانت تتوقعه من مكاسب على خلفية حرب ال 51 يوما ، كما تبخر الدعم الايراني ودعم الاخوان في مصر والاردن وانكفأ حزب الله ، وتركيا قد ضعف دورها ، ومصر أحكمت الحصار على القطاع في حينه . وأصبحت حماس بلا دور عسكري وبلا اوراق توظفها . وهذا ما جعلها تعيد حساباتها . ووقفت بين خيارين ، هل تتجه نحو الاتفاق الفلسطيني الفلسطيني وتضع طموحاتها بيد عباس أم تبحث عن دور سياسي يؤمن لها بياتا شتويا أمنا لحماية نفسها .

إن اسرائيل وبعض دول المنطقه يدركون وضع حماس الضعيف ، ومن مصلحتهم استغلاله .ولدينا مؤشرات بأن حماس قررت أن لا تنتحر ولا تسلم نفسها لسلطة بلا مجلس تشريعي ولا مجلس وطني ولا منظمة تحرير . وفضلت البقاء حية بالثمن المتاح . فالهدنة الطويلة مدار التفاوض في الغرف المغلقة بمغرياتها وشروطها تمنحها الحياه واستقرار الحكم في إمارة تشكل مقتلا للقضيه ، وتمنح بنفس الوقت اسرائيل نصرا على طريق مخططها المنتهي في الأردن . فإسرائيل عندما انسحبت من غزه ، كان انسحابها من واقع قرار سياسي استراتيجي بتحويل القطاع غير المرتبط جغرافيا مع الاردن إلى ما يشبه دولة في قالب حكم ذاتي واسع وتنتظر رضوخ حماس لهذا التصور تحت وطأة الحصار والمذابح ، وما يقابله من مغريات الحصول على مطار وميناء وحصة من غاز المتوسط . وهو الأمر الذي كان يصطدم بقوة حماس المستمدة من سلاح ايران وحزب الله والأنفاق والاخوان . وكله لم يعد متاحا اليوم . والضفة لم تكن يوما بعد اوسلو هما لاسرائيل. لقد كانت اسرائيل دوما تعتبر تلاقى حماس القطاع — مع سلطة الضفة خطا أحمر يتعارض مع مخطط التصفيه

تدل المؤشرات على أن الشخصيات القيادية في حماس ،توافق على صفقة الهدنة الطويلة التي طاف بها المبعوث الدولي سيريس مسوق شعار غزة اولا ، بدعم اوروبي عربي ، والتي تعني اتفاقا ينطوي على محاذير سياسية خطيرة على مستقبل القضية . وهو اتفاق لا يخرج عن مشروع إيجورا ايلند الذي يقوم على انشاء دولة في القطاع مضافا اليها بعض الاراضي بشروط مقابله . لكن هذه الشخصيات التي تعلم عمق هذا الجرم من نتائجه المنطقية ، تختلف من حيث عملية الاخراج والتي عادة ما تذلل صعوباتها بالوعود والاجتماعات . فهذا هنيه يوافق على الفكرة ولكنه يشترط شروطا تنم عن ادراكه للملعوب ، ولكنها شروط وهمية وخيالية بالنسبة لاسرائيل ومقدور على تجاوزها وهي أن لا تنفرد اسرائيل بالضفة وأن لا تفصلها عن القطاع . وبصرف النظر عن تراشق التهم بين حماس والسلطة التي تعارض المشروع كدور ، فإنها ستلحق بمحورها وسيكون الاتفاق تحت مظلتها ، فمصر التي بدأت تخفف حصارها على غزة وتتعاون مع حماس في الملف الأمني تبدو في قلب الحدث ، مع دول عربية أخرى .

.إن من غير العبثي أن تمنح اسرائيل الاستقلالية لحماس غزة ، وتمنحها السيادة على سكانها ومطارا وميناء ومعابر مفتوحة ورعاية اقليمية ودولية ، وتحرم بنفس الوقت السلطة من ذلك ومن حرية الحركة ومن الولاية القانونية على الضفة ومواطنيها . وإذا ما زاوجنا بين السلوكين أو زوجناهما فسيكون المولود لقيطا يجسد رؤية اسرائيل للتسوية التي تريدها من خلال الخيار الأردني، والتي تمنع الجغرافيا من ضم غزة اليه . ليبقى القطاع جيبا فلسطينيا بنظام خاص تحت السيادة الاسرائيلية .

لا نريد لهذا الاتفاق الذي يأتي متزامنا مع انفراط العقد العربي وفي خضم التهيئة لخارطة ديمغرافية جديدة أن يكون طبخة تنضج في الأردن . إنه يصيب ملف القضية الفلسطينية علانية ، ويصيب عندها بالضرورة الأردن وإعادة هيكلتة كدوله ، نظاما وأجهزة وسكانا وحدودا . فهل يكون هذا على يد حماس التي كانت دوما أحد أهم كوابح الوطن البديل الذي تسوقه اسرائيل كوطن أصيل؟. إن العامل الحاسم في كل ما يجري في المنطقه هو القرار السياسي الأمريكي المستند دائما الى استخدام القوة الغاشمه أو التهديد بها ، وهي القوة المسخرة لاسرائيل كما هي لأمريكا ، والتي لا يمتلكها الاوروبيون ولا روسيا .