أين تصنف دولنا في هذا العصر

عندما ينظر المهتم عن قرب او من الداخل الى كيفية عمل جهاز الدولة في الدول العربية ومنها الاردن ، يدرك انه ليس امام دولة من نتاج التطور الطبيعي للتاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي للشعوب ، ولا من نتاج تطور المجتمعات . بل وليس أمام دولة من صنع انسان اليوم وثقافته وحضارته . إن مكونات الدولة من أرض وسكان وسلطه موجودة في كل الدول العربية ، لكن طبيعة تكوينها وآلية عملها والروابط والارتباط بينها لا يشكل ولا ينتج مفهوما حديثا للدولة المعاصرة القابلة للنماء والبقاء ، ولا يحقق فلسفة وجودها . حيث لا بد لتحقيق هذا الهدف ، من أن تصاغ وتترابط هذه المكونات الثلاث ومستلزماتها على نمط ونحو يؤدي الى اقامة مثل هذه الدوله ، والتي هي أيضا دولة الأمه التي يشعر فيها المواطن بأن تحقيق حاجاته وحقوقه ومصالحه الخاصة والعامه رهنا بوجود هذه الدوله ومنعتها .وعلى أساسه يكون انتماؤه ولجوءه اليها لا الى غيرها

فإذا ما تحققت سلامة عنصر الارض مثلا من قبل المكونين الأخرين فلا بد عندها من استكمال فكرة تحقيق الدولة الحديثة على مكوني السلطة والسكان من خلال العلاقة بينهما . حيث من المفترض أن تستمد السلطة شرعيتها من الشعب ليصبح الحكم وظيفة غير قابلة للاحتكار ، وتكون ايضا قائمة على الرضا والقبول الشعبي ، وبناؤها قائم على فكرة المواطنة على أسس من الفكر والحوار والقانون على خلفية احترام التنوع الثقافي والديني والعرقي . وتمارس هذه السلطة عملها من خلال االمؤسسات والانظمة والقواعد الدستورية التي يتوافق حولها السكان كسلطة قادرة على فرض سلطان القانون على الكافة دون استثناء وإحقاق الحقوق الانسانية والعدالة الاجتماعية وحسن توزيع الثروة وبالتالي الحماية والأمن والرخاء ،

وعودة للنظر إلى دولنا ، فليس من مكوناتها ما يؤخذ على محمل الجد ، وكلها موجودة شكلا . فالارض غير مصانة ولا يتوفر ما يؤمن حمايتها ، ولا هي خط احمر للسلطة ، والسكان فاقدين لاعتباراتهم النفسية والمعنوية والقانونية والسياسية ، وحقوقهم الانسانية ومشاركتهم السياسية ليست مصانة بالقوانين المحلية نصا او تطبيقا كما جاءت بالقانون الدولي الممثل في الاتفاقيات والمعاهدات والصكوك الدولية . أما السلطة فيها ، فإنها تعاني من ازمة في الشرعية وعاجزة عن الالتزام بخيارات الامة وتطلعاتها ، وليس هناك من توافق فيما تضعه للتداول بين الناس ولحكمهم . الحقوق الطبيعية فيها وحقوق الدولة والحكمة فيها والفكرة والخطة والمنهج جميعها ليست من نتاج حوار الناس والمعتقدات العامة والجهد العام ، بل إنها مجرد تاملات وافكار رجال مسيسين ومسوسين ، او هي قرار فردي او من عبقرية شخص . وبالمحصلة لدينا مشهد مسرحي نادر في ربط علاقة السلطة بالسكان في الوطن العربي ، نرى فيه انظمة من العبيد او الرعيان بالمولد او الاستئجار ، وشعبا حرا بالولادة والتوجه ، ليصبح الصراع بينه وبين الاحرار من اسياد الانظمة خارج الأوطان ، لان الصراع لا يكون الا مباشرا بين الاحرار

إن المعايش للدول العربية منذ بدايتها يلحظ انها اخذت تشيخ قبل بلوغ شبابها ، وتتدحرج على منحنى الى الهاويه . تسير سير الدمى والاتجاه لا يهم ، حتى عاد الواحد لا يلحظ القوة المسيرة لها او لجهازها ويقول انها تسير بقدرة قادر . فمراسلات من هنا وهناك باوراق مروسه ، وقرارات مزاجية تتخذ بعزل عن جدواها ، وتعيينات بمعاير ……دون استحياء . اقطاع سياسي وحضور ارتجالي لمؤتمرات دولية بمضمون عشائري ، وتهميش للفئات الاجتماعية . اجهزة الدولة موجودة كغنائم و ركائب ينعدم بشخوصها الحس بالمصلحة العامة ، وديون خارجية لن يكون سدادها إلا بثمن سياسي ، قضاء مسير من الهة الارض . صحافة موجهة أو مرشية وأخرى مكبوتة . جيش عرمرم نفقاته متعاظمة بلا عدو خارجي ، سياسة خارجية هلامية ، صانعها مجهول ويعجز عن تحديدها متخذ قرارها ومنفذها ويجهلها الناس . أمن هش ، وجبهة داخلية أكثر هشاشة ، ونحن في الاردن إن كنا الدولة الوحيدة التي تنعم بالأمن في المنطقه فنحن ايضا الدولة الوحيدة المستهدف شعبها وهويته الوطنية السياسية المتلازمة مع الأرض الاردنية ، تماما كاشعب الفلسطيني ، ليصبح أمننا مصطنعا أيضا . دول مؤهلة للإستباحة والهلاك وقابلة للبقاء بإرادات خارجية .

في ضوء ذلك ، فإني ان كنت لا أفترض بأن على كل موظف في اجهزة الدولة والقطاع الخاص أن يعي ويدرك فلسفة ومفهوم الدولة الحديثة وتزاوج مكوناتها ، إلا أني أفترض بأن يكون هذا المفهوم مدركا تماما من قبل رموز أنظمتنا وقمة هرم السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية فيها ، ومن المشرعين والمنفذين ، ومن النخب في الدولة التي تقع عليها المسئولية في نشر خطورة تجاهل هذا المفهوم المغيب ، وفي عدم فعلها شيئا . فالأمل معقود عليها في نشر هذا الوعي في صفوف كل الفعاليات والفئات الشبابية بما فيهم تلامذة المدارس وطلاب الجامعات وكذلك الاجتماعية المؤثرة من خارج جهاز الدولة . لأن في ذلك الأساس والركيزة لخلق مجتمع واع لحقوقه وواجباته ولمسؤولياته في تصحيح الحاضر وتأمين المستقبل السليم.