أين كلمة الملك من اتفاقية الغاز ومفاهيمها العميقة؟.. وأين الأردنيون؟

يعلم الملك بأن هناك اتفاق أردني عام برفض اتفاقية الغاز على مستوى الشعب ومؤسساته وعلى مستوى المسئولين في النظام ومجلس النواب وعلى مستوى من لا يفهم الدولة ولا يُعَرِّفّها إلا بالملك، رفضٌ تجاوز بكثير اتفاقية وادي عربه، وإن ركاكة كلمات تَمَلُّص رئيس الحكومة من المسئولية تَحمل رسالة بأن الأمر ليس بيده ولا يستحي مما ينطوي عليه هذا من اعتراف بمأجورية وظيفته أمام هول معاني هذه الاتفاقية لدولة كالأردن، وكل المبررات والعقبات التافهه والساقطه التي نسمعها أمام إلغائها لا تصدر بصورة رسمية بل من قبيل رش كلام المشاغلة وتمويت الموضوع.
هذا لا يعني أقل من أن الموضوع هو عند الملك وحده. ولسنا بحاجة أصلا لأدلة فتاريخ الاتفاقية متاحا. ولسنا معنيين بالقول أن الاتفاقية هذه لم تعقد إلا بموافقة الملك بصرف النظر عن إدراكه لما تحمله من مفاهيم تتعارض مع ثوابته المعلنة وتتناقض مع فكرة وجود احتلال ومع الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ومع ما تنطوي عليه سياسياً للأردن ومستقبله. بينما الملك يسمع ويقرأ كل ما يدور على الساحة ويبقى صامتاً. نفهم ما يقف خلف خياره بالصمت ولا نتفهمه ولا نقبله. ونفهم صمت الحكومات ولا نتفهم مأجوريتها وعدم انتمائها للوطن وللقضية في الوقت الذي تحمل فيه الجنسية الأردنية العربية.
إلا أن مجلس النواب الرافض بأغلبيته اللامنتمية وأقليته الوطنية يتجلى صمته في عجزه وفشله الذي يغطيه بمخاطبته المستمرة للحكومة متجاهلا موقفها وقيمتها وقدرتها وديكوريتها ومأجوريتها ويُصِر على حلب الثور، فقد فشل هذا المجلس بمجرد التفكير بمواجهة الحقيقة بمخاطبة الملك أو بإصدار بيان للشعب بأن القضية أكبر منه. بل فشل في فرض نفسه على رئيسه الذي الذي يريد الصعود على ظهر ضبط الإيقاع داخل المجلس باتجاه تمويت إرادة المجلس المعلن عنها. هذا الصمت المبطن من المجلس والطرق التي تبدو إلتفافية من المفترض أن تسقط أمام جدية موقفه إن وجدت، وأمام جلل الحدث ومعاني الاتفاقية.
اتفاقية الغاز ليست فسادا ماليا ولا مسألة اقتصادية عندنا ولا مجرد تعميق للتطبيع. ولا مناقشتها على هذه الأسس مقبول. فطُزات الأرض كلها بالاقتصاد والمال عندما ينطوي الأمر على تكريس احتلال وطن وتصفية قضية شعب وأمه. إنه هنا فساد سياسي متقدم جداً يأتي في سياق ترجمة مخرجات صفقة التصفية التي تطورت في عهد ترمب، والتي يبدو أنها تُعْلِن عن نفسها بنفسها ترجمة على الأرض ، والأردن وشعبه في صُلبها. واستيراد مصر التاريخ لغاز الاحتلال مجرد تعاون بينما للأردن هو احتلال، فالاتفاقية طبيعتها سياسية بلفورية إخضاعية.
اتفاقية الغاز والتعنت في الاستجابة لشعب بأكمله في إلغائها فيه ما ينطوي على أن كل ما يجري في الأردن من مشاريع على الصعد المالية والاقتصادية والادارية سواء بدى لنا إيجابيا أو سلبيا وعلى رأسها اللامركزية والاقاليم هي في سياق احتياجات تنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين والأردن، وأن كل فساد إداري أو مالي أو اقتصادي في هذا البلد هو في خدمة الفساد السياسي المتمثل بتطويع الأردن للمشروع الصهيوني كضحية تموت طُعْماً للإطباق على فلسطين.
يا صاحب القرار إن الاستهانة بشعب كامل سلوك يخلو من الحكمة ، وإن النظام بأجهزته المدنية والعسكرية وعلى رأسها النواب لن يصمدوا معك وبمجاراتك مهما تغيروا للأسوأ. وأنت لن تصمد أمام عدو ابن كلب يأخذ دور المسعور. فالمسألة أكبر منا جميعا وأكبر من التعايش مع لعبتها فكيف عندما تصبح مكشوفة. هذا العدو مدجج أمامك وأعزل أمام شعب يقول لا. ولاءات الشعب طبيعتها مختلفة. شعب عاش مع النظام الهاشمي مسرحية صهيونية استمرت قرناً من الزمان العاثر بمشاهد ليس منها ما يشبه ويضاهي المشهد الحالي. مشاهد كانت فيها الوحوش الكاسرة تلعب دور الثعالب واليوم خلعت ثوبها. وتعرَّت، شعب عاش اللعبة بفلسطين ولن يقبل بأقل من دفنها في الاردن.
يا صاحب القرار لا شك بأنك لا تفضل الإحراج ولا الهروب من وجه استحقاق شعبي غير منقوص، ولا تفسير لتجاهلك صوت الشعب بكل أطيافه واصطفافاته لمطلب إلغاء الاتفاقية سوى أن الأمر ليس في ملئ يديك. فالإرادة التي عَقَدَت الاتفاقية لا تلغيها ولا تكسرها إلا ارادة مثلها. فلتكن إرادتك قبل أن تكون ارادة الشعب. نحن نعلم بأنها عمل أمريكي اسرائيلي، وإلغاؤها لن يكون من مكارمهم، فمكارمهم يقدمونها خدمة لأنفسهم ويحجبونها خدمة لأنفسهم. ولا مكارم تُقَدَّمُ في السياسة إلا من حساب صاحبها شنقاً للحقوق.
يا صاحب القرار، تمرير الإتفاقية محصلتها نهاية الأردن واستعباد شعبه وتكريس احتلال فلسطين واعتراف صارخ به منّا، وإلغاؤها فيه رسالة لأمريكا ودولة الاحتلال برفض وبإيقاف صفقة التصفية. دعني أكفر وأنسلخ عن جلدي وأتوب إلى الله وأقول لك، دعك من فلسطين ومن نار الإتفاقية عليها، واعتبرنا موافقين نحن الاردنيين على أننا غرباء عن فلسطين ومتآمرين عليها. فهل تريدنا أيضا غرباء عن الأردن وخونة له، قل كلمتك لأمريكا باسم ارادة الشعب، وإلا ليَخرُج هذا الشعب كله بقطاطه وجرائه الى قصرك مرتدين أكفانهم وهاتفين ، إن كان لنا ملك ليخرج الينا كي نراه. عاشت فلسطين ومقدساتها حرة عربية، وعاش الأردن حراُ عربيا وشعبه حراُ كريماً وأبيا. والله هو الأكبر.