أين مؤسسة العرش مما يجري في الأردن.. وأين ترى المستقبل؟ هل من أجل موقف سياسي يُدَمر وطن ودولة وشعب؟

من حق كل إنسان أن يكون مطمئناً على غده كما يومه. ومن حق كل أردني أن يكون قلقاً على مستقبله في دولة يبدو أنه خُدع بها كثيراً. حتى عاد اليوم لا يجد نفسه فيها ولا يجدها حاضنة آمنة له ولأبنائه، ولا سيداً فيها. وهي التي قامت على أكتافه وأرضه. وأصبح الوطن مع هذا في خطر . ولن يكون هذا المواطن قادراً على الإستمرار مع كلام يتناقض مع ما يتبعه على الأرض ، فالمناعة تتشكل ضد اسطوانة التخدير. ولو كان لدينا كأردنيين وعيٌ سياسي مبكر لما سكتنا وتعاونا مع كثير من سلوكيات النظام ولا مع مؤشرات تمس رمزية الدولة الوطنية ورموز ارتباط هوية شعبها بأرضها . ولما دأبنا على مقارنة وضع الأردن والأردنيين بقطر عربي أخر غير فلسطين وشعبها، فما خُطط ويخطَّطُ لنا أعمق بكثير ويتعدى الأسباب التي من أجلها عاد واجتهد المستعمر البريطاني بإقامة دولتنا..
فلم يصمد الإجتهاد ولا الأسباب ولم يقتصر الأمر على تأمين نجاح احتلال كل فلسطين. فالوكالة اليهودية الصهيونية التي تمثلت فيما بعد “باسرائيل” كانت تصر على بقاء شرق الأردن في صميم غربه ضمن وعد بلفور ضمن خطة واحدة، وكانت تشتري الأراضي وتحضّر لإقامة المستوطنات على أراضيه. ولم تقتنع الوكالة بإقامة الإمارة وتفسيرات بريطانيا. وتولدت لديها ضرورة التحول التحالفي الإستراتيجي من بريطانيا الى أمريكا. وبدأت بالتعامل مع الأمر الواقع الذي فرضته بريطانيا متخذة مسارين على الأرض، ونحن الأردنيين نعيش نتائجهما اليوم، الأول كان تعميق تعاونها وتنسيقها الخادع مع القيادة الهاشمية الذي استمر واستؤنف بقيام “اسرائيل “. والثاني هو مسارعة الوكالة مبكراً وفي حينه لتوظيف نفوذها العقدي لجعل أمريكا حليفها الإستراتيجي والمتفهم لامتداد المشروع الصهيوني واستهداف الأردن كجزء من وعد بلفور . وإن كان تعاون الأردن استمر مع بريطانيا فإن تعاون الصهيونية استمر مع أمريكا إلى أن أصبحت بريطانيا ذنباً لأمريكا والصهيونية.
لست قارئ فنجان لنوايا القيادة الهاشمية المتمثلة في أربعة ملوك رغم اختلاف سلوكهم وقراراتهم باختلاف فروقهم الفردية. لكن المعطيات على الأرض وبعض الوثائق تؤكد أن المُلك هاجسها، وأن أهمية الوطن هو من أهمية المُلك ومرتبط به وأنها قيادة خُدعت في كل مرة وخَدعت . ولهذا السبب فإن فكرة مشاركة الفلسطينيين أو الأردنيين بالسلطة والقرار من المحرمات، لكن فكرة التعاون مع الأردنيين موجودة وطالت الكثير من الحقول واستثنت ثلاث مسائل. الأولى هي السياسة الخارجية، لارتباطها وارتباط ممارستها بمعادلة المشروع الصهيوني والمُلك وحمايته. والثانية تحريم تشكل شخصية وهوية سياسية وطنية لسكان الدولة لتَعارُض ذلك مع المشروع الصهيوني الإحتلالي للأردن، ولتعارضه مع احتكار القيادة الهاشمية للسلطة والحفاظ عليها، وهذا ما تطلب ربط هوية الوطن والشعب السياسيتين والتمثيليتين بهوية الملك أو الأدق بمؤسسة العرش. وثالثاً تحريم ولاء الجيش لغير الملك والتحكم بعقيدته القتالية في سياق حمايته وحماية سلطته المطلقة وتنفيذ إرادته. وهذه بالمناسبة أصبحت عقيدة معظم الجيوش العربية، وليس منها ما بقي باتجاه الحدود أو تحرير فلسطين.
لقد اتبعت القيادة الهاشمية مع الأردنيين سياسة واحدة وثابتة في تمرير سياستها ومواقفها التي تبدو غير قومية وما زالت تتبعها. وأعَرِّفها بسياسة صنع الجدلية الشعبية حول ما تتخذه من قرارات ومواقف. وهي سياسة تمارسها القيادة من خلال الصمت وعدم التعليق أو من خلال تصريحاتها المقتضبة الإيجابية إزاء الحدث المعني دون تفصيل أو توضيح شافي مما يؤدي إلى صنع حالة من التفسيرات المختلفة والإنقسام لدى الشعب، وحيث يوجد تباين في مستويات الشعب الفكرية والثقافية ويوجد شريحة من الملكيين أكثر من الملك والمنتفعين، وأخرى من المسحجين، مع امتلاك السلطة للإعلام ،فإنه يتشكل كمٌ شعبي من المؤيدين والداعمين والمتفهمين وتفسيراتهم الإيجابية على اختلافها، وهؤلاء هم من يُغطي بهم الملك نفسه ويضفي شرعية على موقفه أو قراره والسير قدما.
بالمحصلة، في الأردن اليوم ملايين المواطنين بما فيهم السكان الأصليين في شرق الأردن علاقتهم بالنظام لم تعد كما هي في أية فترة منذ إنشاء الإمارة. الكل سواء في المعاناة المعيشية والتهميش والتغريب والظلم السياسي والإداري والإجتماعي، وعلاقة جميع المواطنين بالدولة علاقة من طرف واحد. والبطاقة الشخصية التي يحملونها هي بطاقة أمنية \ ضريبية. وكل مؤسساتها الرسمية وشبه الرسمية بأشخاصها وأنظمتها وقوانينها تسنيناً وتشريعا وتطبيقاً مفروضة فرضاً على المواطن. وكل تصريح رسمي إيجابي لا مكان له على أرض الواقع، والدولة لم تحل أية مشكلة لهم بل هي المسؤولة عن صنع مشاكلهم وعن تفاقمها. ويبدو أن بعضها كمشكلة المتعثرين يجري توسيعها وتعميقها لتشمل القطاع الخاص الذي يقوم عليه اقتصاد الدولة وفُرص العمل للشعب بفئاته المتفاوتة ثقافياً واجتماعياً ومهنياً. إنه يُدَمّر. وبدأ تدميره بقانون الضريبة الجديد وليس بأزمة كورونا التي بدأ معها الإجهاز على هذا القطاع الخاص وأصوله ورأس ماله. فكل الإستثمارات المحلية والقطاعات المختلفة والمشاريع تبحث اليوم عن هروب من البلد أو معروضة للبيع بأية خسارة كي لا تخسر أصولها. وليس منها قادر على إعلان افلاسه بحكم القانون كي يحافظ على شيء من رأس ماله أو أصوله.
إدارة الظهر للحالة المعيشية والاجتماعية والاقتصادية المتراجعة لمواطني الدولة وسياسة تعميق أزمة القطاعات الخاصة على اختلافها سيشكل مع الضغوطات الأمريكية الابتزازية على الأردن من حليفته أمريكا الخطر الإقتصادي الإجتماعي الأمني التدميري الكبير الذي سيواجه الأردن عندما تصل هذه الضغوطات والإستهداف إلى القطاع العام واجهزة الدولة لتكتمل الكماشة على هذه الدولة وشعبها وسيكون ثمن هذا الابتزاز الأمريكي هو الوطن ومستقبل شعبه إذا لم يتوقف بموقف أردني وطني شجاع وحكيم . والذرائع التي تسوقها الدولة بأهمية المساعدات الأمريكية كلها فاسدة وليست أكثر من تبرير فاسد للخضوع للأوامر الأمريكية. فبالأمس سمعنا سفيرة أمريكا في عمان تعلن بأن المساعدات الأمريكية للأردن مرتبطة بتعزيز المصالح الأمريكية في الأردن، بينما أن ما تقدمه للأردن لا يساوي ربع خسائرنا المالية من حرماننا من فتح الحدود وإقامة علاقات طبيعية مع دولة شقيقة واحده هي سورية، ناهيك عن غيرها من الدول.
أتساءل أمام صاحب القرار الوطني الأردني رغم اعترافي بالتباس الأمر علي وأقول، إذا اعتبرنا اسرائيل دولة، وإذا كانت هي الوحيدة في التاريخ التي تقام بموجب قرار باسم الأمم المتحدة، فإنها كذلك الدولة الوحيدة بالتاريخ أيضاً التي لم تستطع أن تكون أمنة ولا مستقرة لحظة واحدة من الزمن منذ إنشائها ؟ ولا عمل لها أو هاجس سوى الحفاظ على احتلالها على مدار الساعة. فهل هذه الدولة هي المثال لحكامنا وأنظمتنا العربية ليرتموا بحضنها ويعتمدوا عليها ؟، بالتأكيد لا. وبالتأكيد أن كل هذه الأنظمة بسلوكها هذا أصبحت تعيش نفس الحالة الإسرائيلية ونفس هاجسها الأمني على نفسها. منطق لا يلجأ اليه إلا من في نفسه مرض أو خيانة مجبولتين بماء الجهل والعماء وضحيته أوطان وشعوب ستنهض في لحظة مواجهة مع الحقيقة.
ليس من حظ الملك عبدالله الثاني أن تَكشف أمريكا و”إسرائيل” في عهده عن حقيقتيهما العدوانية على الأردن بعد قرن من التحالف وعقدين من الضغوطات والحرب الصامتة على الدولة حتى عادت مبيوعة مقدراتها ومرهونة بالقروض والعقوبات وقيمة الدينار ومبتزة في ملفات الفساد، ولتصبح قيادتها أسيرة ومكبلة وهي تمتلك المفاتيح وتخشى استخدامها. ولا من حظ الأردنيين ووطنهم أن لا يستطيع الملك عبدالله الثاني أن يبدأ من المرحلة السياسية التي انتهى اليها والده رحمه الله قبل وفاته ، ولا أن يكمل مشواره ويحافظ على انجازاته، فقد كان الحسين عبقرياً إذ استلم الحكم يافعاً ومكبلاً وتحول من متعامل مع الخابرات الأمريكية يقبض مرتباً حسب الوثائق المنشورة، إلى باني دولة من ومرسخها على الخارطة، وند مهاب الجانب لدى قادة أمريكا وأوروبا ويتخذ أجرأ القرارات الوطنية العروبية، ومعبود للشعب الأردني، ولم يسعفه الوقت.
الشعب الأردني وصل لمرحلة متقدمة من رفض واقعه وسلوك الدولة ولم يصل إلى اللحظة التي سيعيشها ويتصرف بموجبها مُنتفضا أو متمرداً، بينما الدولة استنفذت وسائل جمع المال الهدامة من الخارج والداخل لمواجهة الضغوطات المالية الخارجية والداخلية على الخزينة والمواطن. وابتدأت اليوم بتحصيل أموال من فساد من بعض كبار الفاسدين بانتقائية. لا لشيء سوى ضمان استمرار قدرة الخزينة على إبقاء سيرورة الدولة أو لمآرب أخرى بعيداً عن بناء اقتصاد وطني في بيئة صالحة ونظيفة ، وإلا لكانت ملاحقة الفاسدين بشمولية من خلال خطة سياسة مبرمجة عنوانها إرادة سياسية بوقف الفساد ونهجه وتجريم أصحابه جميعهم بدءا بالصف الأول بأثر رجعي دون أية رحمة أو محاباة أو استثناء. واسترداد كل الأموال التي نهبت للخزينة، فما من نهب صار في بلدنا إلّا بأختام وتواقيع المسئولين الكبار. ولدى دائرة المخابرات توثيق لأي فساد أو سوء تصرف لأي مسئول حتى لو كان نائباً للملك أو ولي عهد. وحينها تُسترد حقوق الشعب لخزينته وتحصل القناعة الشعبية التي تمنع تدخل الأسر والعشائر لحماية فاسديهم، ويمكن حينا فقط تطبيق القول بأن (لا عشيرة لفاسد). ومع ذلك فإن هذا لا يمنعنا من القول تباً للعشائرية التي تنتفض لحماية فاسد ولا تهتز لها شعرة على وطن أو أقصى.
لصاحب القرار الوطني أقول مضيفاً على ما سبق، إن العبث اليوم ابتدأ بالقطاع العام بنوع جديد لا سابقة له في دولة ما . فالاتجاه السائر في جهاز الدولة هو تنظيفه من كل صاحب نفحة وطنية أو رأي ناقد أو غير متفق مع ابقاء الحال على حاله، ومِن كل لا يدفع بعجلة التدهور ويسحج لأمريكا والصهيونية، والزج في هذا الجهاز بالمقابل بكل مجهولي الهوية والإنتماء وكل جاهل أو خوان بالفطرة، وكلوب يتناسخ اليوم بمفاصل الدولة وعظامها بأثواب أمريكية وصهيونية. وهذا لا يعني أقل من خصخصة جهاز الدولة الرسمي وبيع القرار الأردني وتسليم الأردن. أين مؤسسة العرش مما يجري في الأردن، وأين ترى مستقبلها. أتساءل بمكنون كل مواطن في الدولة، هل الملك معنا أم علينا. وهل الملك وسلطته بخير. فالسعير في الأردن لن يكون كأي سعير.