إن للوطن رباً يحميه، عبارة عدنا نتجرعها

انتقلت الدوله في اختيار لرجالها ، من خريجي الجامعه الامريكية ورعيل مدرسة السلط الي رجال وادي عربه ومنطقة العقبة الاقتصادية . وهو انتقال من الاعتماد على الكفاءات الى الاعتماد على التوجهات السياسية التي تخدم التصور الدولي الفاعل لتسوية القضية ، وتخدم دور الاردن المركزي في هذا التصور كمتلقي ومنفذ لا كصانع قرار ،لافتقاد الأسس .. فالاعتماد في السنوات الاخيرة على شخصيات معينه مرتبطه بوادي عربه دون اعتبار لهويتها الانتمائية والثقافية والمهنية يعني أن اولوية الدولة ليسىت من اولويات الشعب بل متعارضه معها
وإن استمرار استجلاب تلك العينة من رجال ، هو استمرار لدورهم . وما تطعيمهم بشخصيات أخرى معنوية الدور في قفزات هوائية الى المنصب ، واستبعاد كل معارض على أسس غير وطنية لاتفاقية وادي عربه ، اواعتباره خارجا عن الدولة بسلطاتها الثلاث ومحروما من المنصب العام ، إلا مؤشرا على أننا نقترب من مواجهة الحقيقه .
إن توقيع اتفاقية وادي عربة لم يكن يوما نهاية المطاف بالنسبة للكيان الصهيوني وللأردن . وهذا ما يفسر لنا سبب خرق اسرائيل الدائم والخطير في انتقائيته لبنودها كجدار العزل ، مقابل التزام الأردن الدائم بها وعدم مواجهة تلك الخروقات عمليا وقانونيا ، والاكتفاء بالجعجعة الاعلامية الرسمية . كما أن عدم معارضة الاسرائيليين من اقصى اليمين لاقصى اليسار للاتفاقية، مقابل المعارضه الشعبية الاردنية الواسعه لها يفسر لنا الخلل فيها ،وخصوصيتها لدولة الاحتلال مع ان ليس كل معارض للاتفاقية هو ضد النظام الهاشمي . ونحن بالطبع لم نطلع على بنودها السرية ولكننا نشهد ترجمات لها على الارض في تهميش صارخ للإرادة الشعبية وللرأي العام الاردني .
ومن هنا نجد تفسيرا لتعظيم الضغوطات الخارجية الاقتصادية والمالية على الدوله ، ونرى الدولة بدورها تستكمل الحلقة آليا في تعظيم ضغوطاتها الاقتصادية والمعيشية والسكانية على رقاب الشعب الاردني دون توقف ، ونرى تلاعبها في أهم مكونات ثقافته وفي نسيجه الاجتمماعي ، وإلهائه بصغائر وكبائر الاحداث وخلق حالة الياس والعجز عنده ، وحرف أولوياته وخطابه الوطني ، وتغييب الرأي العام السياسي لما يجري بشأن مصير ومستقبل الاردن . وكل ذلك وصولا لتأمين المناخ الشعبي العام لتقبل الاردنيين لأي قادم يفرض عليهم يخرجهم من واقعهم ، ليفروا من قدر الله الى قدر الله .
إن حكومات وبرلمانات ومؤسسات دولتنا عادت كلها ديكورات لا تُبث الروح فيها إلا باتجاه تحويل الوطن الى سلعة والشعب الى لعبة هو فيها فاقد للفعل والمبادرة . ولا نعرف الجهة التي تَبث هذه الروح . فازدواجية التوجه الرسمي السياسي ، والسلوك ، والتناقض بين التصريحات والممارسات يُغطي على هوية تلك الجهة التي جعلت الدولة تعيش حالة شوزوفرينيا اضطر المواطن للتماهى معها دفاعا عن النفس , متهالكا على تأمين مصالحه بصرف النظر عن الوسيلة تاركا الوطن في الخلف ، ولسان حال الشعب العاجز يقول، إن للوطن رباً يحميه . .
يجدر بأي مسئول أردني أن يتذكر قبل إصداره لقرار ما بأننا دولة راسخة بشعبها وكيانها السياسي وليس مجرد حكومة، وبأننا شعب وليس فئة من الناس، وبأن لنا حقوقا غير قابلة للتصرف . وأن الوطن لا يقرر مصيره شخص ولا حكومة معينة ولا برلمان مُفصل ، فهؤلاء قد لا يحاسبون غلى افتراسهم مقدرات الشعب والتصرف بها ولكنهم سيحاسبون على التصرف بالوطن . دولة مؤسسات يقولون ، وليس فيها على سبيل المثال مسئول واحد قادر على السؤال عن ماهية الهيكلة المطلوبة للجيش وسببها وجدواها
ولا شك بأن الهيكلة والمأسسة مطلوبة في الجهاز السياسي كجهاز مقعد لا يتحرك الا بقصد التنفيذ بزر التوجيه . أما مؤسسة الجيش فهي الرصيد الوطني والمِرآة التي يرى فيها الاردنيون انفسهم وبرون الوطن والاستقرار ، وأداؤها مشهود له وتطورها لم يتوقف ، ولا نعرف ما المقصود باعادة هيكلتها وماذا سيشمل ذلك . وهل ستتلوه خطوة باعادة هيكلة الجهاز الأمني حافظ مسعى الاردنيين السياسي وأمنهم . إن احترام القانون والشعوب يا مؤتمنين يقضي بأن تكون القرارات الكبيرة مُسَببة بشفافية .
لقد جَعلت القرارات الارتجالية من الاردن ، البلد (رقم واحد ) في العالم من حيث العدد المطلق والنسبي في استقبال اللاجئين لغاية عام 2015 وهو ما ذكَرَته صحيفة الاندبندت نقلا عن الأمنستي بالارقام . إن متخذ القرار في هذا يعرف ابعاده ومراميه الخطيرة ، ويعرف أن هذه السياسة لم يقررها الشعب الاردني وبأنها سياسسة منافيه للمنطق السياسي والاقتصادي والامني في الاردن ومنافيه للعدالة ، ويعرف بأن هذه الملايين من اللاجئين لن يقيموا في الديوان الملكي ولا في رئاسة الوزراء ولا على حسابهما ، ولن تنتقص من مكتسياتهما ، بل على حساب الشعب الاردني وقضيته حاضرا ومستقبلا ، اقتصاديا وسياسيا . لقد أصبحت الدولة لا تنظر الى اصلاح نفسها وأصبح الشعب لا ينتظر الأمل إلا من أخطاء الأخرين .