صفقة القرن أو ساعة الصفر لتصفية مكونات القضية الفلسطينية الواحد تلو الأخر ستستأنفها أمريكا قريبا مع بلورة الشريك السعودي سواء كان ابن سلمان أو بديله، هذه التصفية لا تكون ولا تتم عمليا إلا في الأردن بعد أن أرست اسرائيل أرضيتها في داخل فلسطين بفضل ملعوب المفاوضات المقبورة وسياسة السلطة وخدماتها، والعرّابون العرب جاهزيتهم قائمة سياسيا وإعلاميا وماليا، وبالتأكيد عسكريا إذا اقتضى الأمر، بل إن حكام السعودية والإمارات جعلوا من القضية الفلسطينية قضية صهيونية تبنوها، وتماهى خطابهم وفعلهم مع الهدف الاسرائيلي ، ويشنون الحملات ضد الحق العربي في فلسطين والقدس في إفك تخطى إفك الصهيونية نفسها.
الزعيمان العربيان المعنيان مباشرة باستحقاقات وتداعيات التصفية وسلاسة تمريرها هما الملك عبدالله الثاني ورئيس السلطة الفلسطينية، فمهمة معسكر التصفية هي ، الفعل في الأردن، ومنع ردة الفعل في فلسطين والزعيمان يعلمان بأن أمريكا واسرائيل ماضيتان بتنفيذ الصفقة ولا تنتظران من الملك أو عباس أن يقولا نعم لها، إلا أنهما لم يتغيران ولم يُغيِّران للأن، وهذا كاف منهما لأمريكا وإسرائيل وربما المطلوب، فالفعل الأمريكي الصهيوني يبدو سالكا في الأردن، وغياب ردة فعل السلطة بتصفية أعمالها قائم في فلسطين.
المهمة الأساسية لمعسكر التصفيه حاليا هي مع الأردن، وقد دخل هذا المعسكر في سياسة “الرخي والشد” مع الملك، يقدم فيها الحلف الأمريكي شيئا من المعونات والإطراءات والوعود، يتقبلها الملك بينما يبقي بنفس الوقت يتّبع سياسة الرفض الناعم غير المباشر وغير الممأسس ودون الخروج من الحلف أو عليه، ودون ردة فعل تحاكي حجم التغيير الأمريكي والتصعيد الإسرائيلي، ولا جديد في تصريحاته وقراراته، بل أن تكرارها وتكرار التمسك بالثوابت بعد أن أسقطها العدو يُفقدها المصداقية، وإخطار اسرائيل بوقف العمل بملحق الباقورة رغم أنه ليس أكثر من تنفيذ استحقاق في اتفاقية وادي عربه، وأن العبرة بالتزام اسرائيل بانسحابها منهما ، إلا أن تعظيم هالة قرار إجرائي يشير الى أنه في سياق عملية الشد غير الهادفه.
فهل الملك بثباته على نفس نهجه في السياستين الخارجية والداخلية يراهن على تراجع امريكا وإسرائيل عن الصفقه وما أنجز منها؟ إن كان كذلك فالأمر غريب جدا، إذ ليس الملك ساذجا، أم أنه يراهن على مواجهة معسكر التصفية سياسيا ودبلوماسيا عن طريق دول أوروبا؟ أيضا لا أعتقد أنه غافلا، فالديبلوماسية والسياسة لا تُفلح بحشد حلفاء مضحين لحماية حقوق الأخرين بالمجان ودون أسباب تمس مصالحهم.. بل أن بعضها من الداعمين لتصفية القضية.
إذاً، هل يراهن الملك على المواجهة الخشنة بجبهة داخلية مفككة ومواطن منهك وخزينة سائبة ودولة مفلسة وفساد مستشري وحلفاء هم نفسهم المتربصين بنا ، وجيش لا يمتلك امكانيات مواجهة جيش العدو بل أن سلاحه وتشكيلته وهيكلته يدخل فيها العدو حتى عدنا لا نعرف لمن ندخره، ما الذي يجري عندنا وبنا؟ ونحن نعلم أن تنفيذ الصفقة أو فكرة الوطن البديل لا يتم باستخدام القوة العسكرية ، بل بتفكيك مكونات القضية وأدواتها وأطرها القانونية وجعل ذلك أمرا واقعا يتم فرضه وتقنينه باستخدام الضغوطات السياسية والأمنية والاقتصادية والإبتزازية، ولا نستبعد توريطنا بحرب عسكرية وأمنية بالوكالة من دولة متبرعة كالسعودية المنشارية وغيره.
نحن لا نعرف على وجه التحديد بماذا يفكر الملك على الصعيدين الخارجي والداخلي. الهوة أمام نظره تتعاظم ما بين الكلام الحلو والواقع المر، وبين عدم الوضوح في تفسير مسار التدهور وكيف سيتوقف، الإيضاح بات لا يُقنع البسطاء، والدولة تأكل نفسها والشعب يفقد الثقة بالمؤسسة، إنها القناعة باتت تترسخ بأن ما يجري على الصعيد الداخي من استهداف اقتصاد الدولة وإفلاسها وطحن مواطنية المواطن وإعدام الأمل بعيش كريم هو في سياق التهيئة لمتطلبات تركيع الأردن والأردنيين لتنفيذ التصفية، وهذا كله مدعاة لقلق نوعي في الشارع ومنازل الأردنيين، ومدعاة لحراكات سياسية بلا هدى ، وفوضى إعلامية وأخلاقية وتخوفات شعبيه تُلقي بظلالها على امن الشعب ومصير الدولة.
لا شك بأن الملك لا يمثل لأمريكا واسرائيل إلا دور، ولا يمثل لدول الخيانة العربية سوى عدو منافس أو صديق لدود، وأن حكم العائلات في الوطن العربي التي اقتضتها السياسة الإستعمارية في ظروف اجتماعية لتثبيت حكم الفرد المتعاون قد انتهى اليوم حتى لا تكون هناك معيقات أمام تنفيذ ما يُملى عليه . فالحاكم العربي يقف وحده اليوم في التعامل مع قوى غاشمه بشعب كُسرت ارادته لتمرير المشروع الصهيوني، وأوطان جزئت نهباً للإمبريالية.
الملك اليوم أمام استحقاقين، فهو كحليف لأمريكا ومعسكر التصفية أمام استحقاق تحمل مسئولية تنفيذ مخططهم الأسود، نتائجه هي الأخطر، وبنفس الوقت فإنه بالنسبة للشعب العربي والشعبين الأردني والفلسطيني بالذات أمام استحقاقات تحيطها القدسية من كل جوانبها، وعليه أن يتخذ قراره من المستحقين الإثنين، فالمسألة لا تحتمل المغمغة، وليست فتات مال قذر ولا مساعدات أقذر، بل مسألة أوطان وشعوب وحقوق وأقصى . والأردن مستهدف بالتركيع وأمام هجمة من الضغوطات ستكون كبيرة وعدوانية ويُستخدم فيها غلمان أعراب بأيديهم إمكانيات الصهيونية، ولا هدف لهم سوى أن يرتدّوا سدنة لهيكل مزعوم في جر القضية والأردن للهاوية، أما الإنحناء للهجمة فله عواقب وخيمة على المجمل تبدأ ولا تنتهي، تضع حكمة الملك ووعي الشعب في هذا البلد على محك مفصلي.
إن كان الملك جادا في رفضه وبتمسكه بالثوابت ،وفكرة الاستسلام غير واردة عنده، فالمنطق أن تكون لديه استراتيجية قادرة على التعامل مع كل الاحتمالات، وأن يتحث للشعب في هذا ويشاركه في مصيره ومصير بلده وقضيته، ويطمئنه عن الأوراق التي يمتلكها والتي سيصنعها ويمكن الإعتماد عليها للمواجهة، فالرفض وحده غير كاف والشجب والاستنكار أصبح استفزازا للمواطنين ، والمراهنات فاسده، الثمن لن ينجو من دفعه أحد . نريد أفعالا في الأردن من صنعنا وثوابت مصدرها الإيمان بها لا ترتبط إلا بالإرادة الشعبية، نريد ذات الإنتفاضة في فلسطين لتسحق أوسلو كما جاءت بها، نحذر من حالة الإنتظار حتى يستكمل معسكر التصفية فرض مخططه.
كاتب وباحث عربي