كنت أكتب في الهم الأردني وجاء زخم الحديث عن إسقاط الطائرة الروسية بعيدا عما أعتقده، وبداية فإن الأطراف الدولية التي تتعامل مع الأزمة السورية عسكريا لها دساتير تحكمها وشعوب تحاسبها وعليها مراقبة داخلية ممأسسة، ولا يمكن لأي منها أن تتبرع بالمجان بفلس أو بقطرة دم أو بموقف سياسي لحساب دولة أخرى أو شعب أو قضية أخرى إلا حين يكون ضروريا لمصالحها أو لدرء خطر عن تلك المصالح، ويدخل في هذا عنصري الاستخدام والأطماع وهما ليسا من شيم الدول المحترمة. وبقدر ما يتعلق الأمر بسورية فإذا استثنينا اسرائيل فلا طرف له عداوة أو مشكلة مع سوريا ولا حقا له عندها ليسترده. وتدخلها بالأزمة هو من واقع مسئولياتها الوطنية وواجباتها السياسية التي أقسمت عليها دون ربط القسم بضوابط من أخلاق أو مبادئ لتتطور المصالح أحيانا الى أطماع.
سوريا اليوم كمركز للحدث السياسي والعسكري، هي الخروف. وتفتقد قيادتها للسيادة على قرارها السياسي والعسكري، وروسيا فوق ذلك تحرمها من التسليح النوعي الذي وفرته لدول أخرى في المنطقه، وهذا الحرمان جزء من التفاهمات الروسية – الاسرائيلية التي يُسمح فيها لاسرائيل باستهداف الجيش والمواقع السورية في تواطؤ واضح. ومع أن ما يجري من استهداف لسوريا وللدول العربية هو من صنع الصهيونية الأمريكية وعملائها العرب – لتحقيق وتأمين المشروع الصهيوني، إلا أن الأنظمة العربية المشاركة في تنفيذ المؤامرة لا تنطلق من نفس منطلقات الدول الأجنبية المشاركه في الأزمة، بل من كونها انظمة تحت النفوذ الصهيو- أمريكي. وبقية أنظمتنا أصبح همها حماية رأسها فقط تحت ضغط أولوية كرسي الحكم
وأمام مشهد تنافس الأطراف الدولية المشاركة في حلقات مسلسل المؤامرة على خلفية تحقيق مصالحها أو حمايتها أو تحقيق أطماعها، ومشهد انقسام الأنظمة العربية ما بين مشارك في المشروع الصهيوني ومحايد أو صامت. فإن الشعوب العربية بصفتها صاحبة القضية ومرجعيتها ومحلا للمؤامرة والذبح والتشريد والإذلال عليها أن لا تكون جزءا من اللعبة في أي من المشهدين، بل صانعة للمشهد الثالث. وهو مشهد صاحب القضية الذي يصطف مع قضيته، ويربط بل يرهن كل قول له أو فعل بمردوده على القضية المركزية.
وفي هذا علينا أن نلاحظ وندرك بأن فلسطين غائبة سياسيا واعلاميا وعسكريا عن كل الأطراف الدولية المشاركة في الأزمة السورية ومعها منظمات الأرهاب والأنظمة العربية. وإن اسرائيل خطا أحمر لها جميعها ولروسيا خاصة. مما يفرض علينا أن لا نكون جزءا من نسيج سياسات أية دولة منها أوطرف. فجميعها أطراف تستفيد في تنفيذ أهدافها من توزيع كلمة الشعب العربي وانتماءاته عليها، ونحن لا نريد العودة الى غساسنة ومناذرة، ولا أن نصبح طعما للأمم أو ذيلا لها. فالدول كلها ولا سيما الصديقة تتعامل مع معطيات قضيتنا وحلقاتها بالقطعة تهربا من المفهوم الشامل لهذا التعاطي concept `وذلك من منطلق أنها لن تُقَدم مصلحتنا على مصالحها، وعلينا أن نتعامل معها بالقطعة كذلك، ونشعرها بمصلحتنا الحقيقية.
لقد تكلمت كثيرا عن السلوك الروسي السلبي في سوريا وبأن ايجابياته لا تتعدى تقاطع بعض المصالح مع القيادة السورية. وأعود في ضوء اسقاط الطائرة وموت طاقمها لأبين وجهة نظري في استقراء ما ينطوي على ذلك من تطورات هي في غاية الخطورة تترتب على عزم اسرائيل في تغيير أو تطوير التفاهمات الروسية الاسرائيلية رغم أنها تفاهمات جاءت على حساب سلامة سوريا وطنا ومقدرات وشعبا.
وأقول أن سعي اسرائيل لتطوير التفاهمات نستشفه من فهمنا لتكثيف وتطوير هجماتها على سوريا بما يخل بقواعد التفاهمات، وإعلانها عن التصعيد كرسائل لفتح الحوار من جديد مع روسيا. أما التطوير المطلوب في تلك التفاهمات، هو أن اسرائيل وبموافقة أمريكيه تريد أن تكون طرفا مباشرا في الأزمة أو شريكا في الكعكة السورية أسوة بتركيا وايران. وهذه المعادلة الجديدة إن تمت فستربك الروس وربما تقلب الطاوله عليهم،وكذلك ايران الى حد كبير. وستخلط أوراق اللعبة من أساسها.
فإذا فرضت اسرائيل نفسها كمشارك مباشر بالأزمة السورية سواء بإذعان روسي أو بالأمر الواقع، فسيكون أمام روسيا خياران. فإما أن تدخل في صراع مع ايران والشعب السوري والعربي وتفقد شرعيتها بالتواجد في سوريا وتخسر كل ما تتطلع اليه من تسوية سلمية، وإما أن تدخل في صراع مع اسرائيل تضطلع به اسرائيل بالأصالة عن نفسها وبالوكالة عن أمريكا وهو ما لا تريده روسيا أيضا. ولذلك فإن روسيا التي سبق وأن صعدت مع تركيا على خلفية طائرة وطيار واحد واجبرتها على الاعتذار لن تُصعد مع اسرائيل للنهاية. ونخشى أن تضطر لتفاهمات جديدة مع اسرائيل ولن تكون مادتها الأساسية الا صفقة سرية مع روسيا للإعتراف بضمها للجولان السوري. والجولان هذا حيويته الاستراتيجية لاسرائيل مائيا واقتصاديا وعسكريا كبيرة جدا ومن ثوابتها.
فلسطين قد تكون عكازة لكل دولة صديقه ولكنها لن تكون قضيتها. والشعوب العربية وحدها اليوم التي لها مصلحة بحماية الوطن العربي وبرفع سوية العروبة وتحرير فلسطين.. وباعتقادي أن ايران وتركيا لن تخسرا فلسا ولا تسفكان قطرة دم لتحرير فلسطين كدول قومية في نظام دولي،. وهذه مهمة العرب ولن تبدأ الا بوحدة الشعب الفلسطيني على مشروع المقاومه.
ونحن كشعب عربي يحترم نفسه لا نقبل أن يحررنا أحد ولا أن يحرر بلدنا عنا. ولكنا نقبل المساعده البريئة بأنواعها. إلا أننا نطلب من أي دولة في العالم أن لا تتاجر بحقوقنا الأصيلة وبمقدراتنا وقضيتنا وتستخدمها لمشروعها، ولا تستخدم وتجند مغفلينا وفقرائنا وخونتنا وجهلتنا وتصنع منهم منظمات لهدم سوريا واحتلال اراضيها تحقيقا لمصالحها.
ونقول لروسيا، أن سورية اليوم أمانة تاريخية بيدك. فقد استغليت طلب قيادتها للمعونة ورحبت بذلك بدافع الحفاظ على مصالحك ولا ضير في ذلك، إلا أنك تمكنت من أن تقفزي عن سيادتها وتحتلين قرارها السياسي والعسكري، ونحن لم نعهدك إلا دولة صديقة تقفين ضد الهجمة الامبريالية على الدول العربية وتناصرين القضية الفلسطينية. أنت اليوم تفاوضين على الأراضي السورية وعلى بسط سيطرة جيشها على كامل أراضيها. وشجعت اسرائيل على الدخول في لعبتك المحرمة أخلاقيا وقانونيا. واعلمي أن الحكام زائلون والشعوب باقية. وأن ما ينقل الدولة المحترمة وصاحبة التاريخ الى الدولة الشيطانية هو انتقالها من مرحلة الحفاظ على مصالحها الى مرحلة تحقيق أطماع على حساب الشعوب وأصدقائها من الشعوب..