الأردن بين الحرب الوقائية والمنطقه الآمنة

نعلم بأن مشاركة الأردن في حرب التحالف على الارهاب للآن تقوم بشكل رئيسي على تقديم الخدمات اللوجستية والتنسيقية، ومشاركة ميدانية استطلاعية وقتالية رمزية في مناطق بعيدة عن حدود الاردن. وخلال هذه السنوات كان هناك تسللا وزحفا بطيئا للمنظمات الارهابية وبالذات داعش باتجاه اطراف الحدود الاردنية. ولم يبادر الاردن لابعادها عن الحدود حتى لا يفتح حربا مفتوحة على حدوده وعلى الارض السورية التي لا تطئمن لمثل هذا الدخول. وربما كان ذلك ايضا بناء على دراسة ونصائح من الحلفاء.
ولذلك اختار الأردن لتاريخه سياسة تقوم على مراقبة الحدود ورصد تحركات وتجمعات داعش، وتطورت هذه الاجراءات مع تطور وجود الارهاب قرب الحدود لبناء الحواجز الترابية وتحصين مواقع دفاعية، اضافة لانشاء أو تدريب ما يسمى جيش االعشائر. ولست عسكريا لأفتي بأن هذه السياسة لم تكن كافية، ولكني عندما أضع في حسابي بأن هناك تناميا لوجود داعش أقول بأنها اجراءات غير مفهومة. فهؤلاء على حدودنا ليسوا لاجئين ولامهربي مواد تموينية. ولكن لنترك هذا الماضي فقد طغى عليه الحاضر.
لقد أصبحنا اليوم في الاردن أمام مستجدين خطيرين تبلور أحدهما على حدودنا في المنطقة الجنوبية الغربية لسوريا وامتد خطه شرقا باتجاه بادية الشام. والأخر هو موضوع الساعة قد يتبلور بشكل غير سوي. فإذا سارعنا مسبقا لحساب تداعيات تفاعلهما كحدثين وحالفنا الحظ في الخيار الاسلم نكون قد وفرنا على انفسنا الكثير.
الأول، هو الوضع الداعشي الذي تعاظم واخذ صفة المعاقل الثابته في تلك المنطقة على الحدود الاردنية وفي مرماها، لا سيما في الاسابيع الاخيرة. فالمصادر تؤكد بأن داعش قد احتل كل القرى السورية على حدود الاردن وهي من 11 – 13 قرية، وأن الصحراء الجنوبية الشرقية لسوريا على حدودنا اصبحت مسرحا لموجات نزوح داعش من العراق وسوريا واحتلت بلدات فيها في جوار بلدة (الموحسن) وجعلتها معاقل رئيسية لها ناهيك عن تدمر. وهذا يضعنا أمام حيثيات لاختراق زخمي محتمل لحدودنا يضعنا بدوره في مواجهة مباشره كبيرة يختار وقتها ومكانها الارهاب.
الثاني، هو عزم ترمب على اقامة منطقه امنه أفترض بأنها ستكون بادارة امريكا في تلك المنطقه على حدودنا التي تضم تواجدا ثابتا لحزب الله والحرس الثوري وداعش وللاحتلال في الجولان. حيث أن فرض هذه المنطقه الآمنة يعني فتح حرب لتنظيف هذه التنظيمات منها، وهذا الكلام لا بد وان يكون في حسابات داعش التي لا تقبل الانتظار لحصرها وتصفيتها في منطقة مغلقة. وأيضا في حسابات ايران السياسية. وإن أسكتت ايران على سبيل الافتراض، فإن داعش لن تكون إلا أمام خيار استباق الحدث واختراق الحدود الاردنية لفتح طريق وجبهة لها تعتبرها واعده، وليصبح المحتمل وشيكا ومؤكدا. وإذا بالغت في التحليل على خلفية نظرية المؤامرة فقد يكون دخول داعش للأردن مطلبا امريكيا أو لغيرها.
لقد كان تواجد داعش وحزب الله والحرس الثوري في تلك المنطقة مدخلا ملزما للاردن بالتنسيق مع الروس، لكن الحديث عن المنطقة الامنة على حدودنا برعاية وادارة امريكا سيجعل التنسيق الاردني مع امريكا اكثر والتفاهم أعمق. وأعتقد بأن أي طبخة على خلفية الوضع في سوريا وجاراتها ستكون بتفاهم امريكي روسي مما يحدد لنا كيفية تعاملنا مع من يرعى المنطقة.
ومن السذاجة بمكان أن نعتقد بأن هاجس الدبلوماسية الاردنية المكوكية التي يقوم بها الملك بين موسكو وواشنطن اقتصاديا او اجتماعيا على خلفية نقل مخيمات اللجوء الى الداخل السوري. فلماذا لا نفترض بأن هناك نية بأن تشمل المنطقة الأمنة المخيمات داخل اراضينا، فنحن لا نتكلم عن قانون دولي ولا عن قواعد الأمم التحدة في المناطق الأمنة بل نتكلم عن مؤامرة أو فرض ارادات.
فالهدف المفترض للدبلوماسية الاردنية التي يقودها الملك بنفسه هذه الأيام هو حماية الأردن أرضا وحدودا وأمنيا في اتجاهين. الأول في ضوء تداعيات طبيعة المنطقة الامنة التي ستفرض سواء كانت ملاصقة لحدودنا أو شاملة لجزء منها. وعليه فإني أفترض بأن الملك يعمل على أبعاد محذور امتداد المنطقة الأمنة لأراضينا وهو بالتأكيد يعلم بأن هذا الاحتمال غيرالقانوني إن تم سيحمل في ثناياه تداعيات جغرافية – سياسية موجودة في التفاهم الروسي الامريكي.
أما الثاني فهو في ضوء عبثية وخطورة صمت الاردن على تعاظم الحشد الداعشي على حدوده دون أن يلقى الدعم السياسي والعسكري لمواجهته قبل أن يصبح الوقت متأخرا. حيث المناطق الأمنة لن تكون خطتها جاهزة قبل 3 – 4 أشهر وهي فترة كافية لداعش وغيرها في تسريع تحركها مما يفرض على الاردن المسارعة في تهيئة خطة وقائيه محترفه.