الأردن والكورونا وما يجري المعارضون والسلطة والسحيجة

ارشادات دولتنا في مواجهة الوباء هي وقائية الطبيعة كغيرها من الدول. وسرعة انتشار الوباء المذهلة والعجز العلمي يجعل من الارشادات الوقائية وسلامتها سلاحنا الوحيد وذات أهميه عالية جداً. الأجهزة الأردنية تقوم بواجبها بقدر طاقتها المحدودة نوعياً. والأخطاء بالتنفيذ لها خطورة بالغة تجعل من أثار القرارات والجهود عكسية. والشيء المطَمئن في هذه الجزئيه أن ينطق الناطق الرسمي بما ينسجم مع الشفافية. نعم، قيام السلطات بواجبها بسرعة هو المطلوب، إلا أن التسرع في اتخاذ القرارات قاتل. والتسرع هنا هو أن تُصنع القرارات من غير رجالها، أو تُصنع وتُتخذ دون التزامن مع صنع طريقة وآلية تطبيقها والتأكد من القدرة والإمكانية على تنفيذها بطريقة صحيحة وآمنة وبما يحقق الغرض وليس عكسه، وإللّا سيحضر المثل الأردني القائل (إجا يكحلها عماها).
فالظرف لا يتحمل فقدان المواطن لثقته بالدولة ولا للمنظرة والشعبويات ولا لأي رويضة، ولا لانفلات شعب فقير وجائع، إنه شعب مؤهل لثورة الجياع ـ يجدر بالسلطة التصرف بحكمة، وأن تتأكد من حكمة واختصاصية المسئولين عن إدارة هذه الحرب وإدارة نتائجها. فلكل ظرف سياسته ومتطلباته ورجاله.
لسنا في ظرف اتهامات فالإناء ينضح بما فيه، وبارك الله في كل جهد صادق، ولكني أقول أن الضمير الصادق الحي لا يقبل الإنتقائية في المواقف، ولا الشرافة والنظافة والإنسانية والوطنية تتجزأ، والنهج السياسي السليم بصدقه ومصداقيته لا يتعامل مع المسائل الوطنية والشعبية بمعيارين وبموسمية، ولا يمكن أن يكون الشعب ووطنه وقضاياه أمراً مهماً وغير مهم بنفس الوقت، موجودا وغير موجود بنفس الوقت. هذا النهج القائم في الأردن والذي لا يتفق مع حق الوطن ولا مع حقوق الشعب وقضاياه يتعرض اليوم لظرف قاهر. وما نشهده من جهد واهتمام للسلطة في مكافحة الوباء ليس أكثر من منتوج لتقاطع المصالح بين السلطة والشعب أمام خطب جلل وعلى الجهتين أن تكونا على قدر المسئولية.
فالمعارضون والسلطة اليوم حليفان، ومن هنا على هذا الشعب أن يرتقي بمهمته لأعلى درجة في التعاون مع ترتيبات الحكومة لأنها بالتأكيد صادقة في نواياها ومسعاها، ولكن عليها أن تكون مؤهلة وتقوم بواجبها بعيدا عن أية حسابات ليس الوقت وقتها. فمسألة تقاطع المصالح بين الضحية والمفترس وربما بين الأمين والخائن ليست بلا قواعد سلوك،
المسؤولون الأردنيون وأصحاب القرار هم في بحبوحة من العيش والأرصدة، وحياتهم ثمنها عندهم كبير جدا، بينما هناك من المهمشين والمقموعين والفقراء من الشعب من لا يرى فرقاً كبيرأ بين حياته وموته. المسئولون في الصف الأول من أصحاب القرار الداخلي معظمهم فاسدون ومستفيدون، والوباء حاصرهم بمرارة أكبر وأقسى، فليس أمامهم امكانية الهروب من البلد بحياتهم وأموالهم، ولا إيجاد الرعاية المطلوبة لهم متاحة لهم خارج البلد كما هي في داخله كأصحاب سلطة أو جاه، ولا مُرَحباً بهم أصلاً في الخارج في هذا الظرف ولا يجدون مرَحِّباً بهم. فكل دولة بالعالم تعطي الأولوية لمواطنها، وقوانينها تحابي مواطنيها دون غيرهم. فهرم المسئولية في الأردن من رأسه لقاعدته محبوس اليوم في الأردن، وهذا الأردن وِحْدَة واحدة كمساحة أمام الوباء وأي انتشار فيه هو انتشار على الجميع، وهؤلاء المسئولون جزءا من الجميع. فسلامة القطيع في الظروف العادية حيوية لأصحابه، إيَّاها يحلبون ومنها يأكلون، ومنها يكنزون. ولكن في ظروف الغزو الكوروني يتحول القطيع لشعب سلامتهم من سلامته، ولا بد من التغيير السريع جداً لقيادة الحرب بحكمة.
وكلمة للمسحجين، عليهم في هذا الظرف التوقف عن ممارستهم لمهنتهم في الاتجاهين معاً، في التطبيل والتزمير للسلطة عن جهل وتضليل وتكسب، من ناحية، وفي التشكيك والطخ على وطنيي الأمة وأشراف الكلمة في كل ظرف وفي كل مكان. وعليهم أن يدركوا بأن السلطة وأجهزتها أصدق منهم ومن غيرهم وأحرص على البلد وعلى الهدوء والاستقرار العام في هذا الظرف الذي لا معارضة فيه فالكل أمام مصلحة واحدة. وخدماتهم لا تريدها السلطة في هذا الظرف. نعلم بأن المسحجين يعتاشون كمهنة في الإصطياد بالمياه الآسنة لمرض في نفوسهم وعقولهم ولا يخرج من أفواههم إلا سموم الأفاعي والدس الرخيص، لكن الظرف لا يَصلح لبضاعتهم ولا الدولة تريدهم عبئاً عليها في هذا الظرف، وعليهم أن يتراجعوا للصفوف الخلفية ويعيرونا سكوتهم إعارة. فالهدنة أصبحت معهم. لأن الشعب والسلطة الآن في معركة واحدة هم خارجها. فإن لم يفهموا من هم وماذا يعملون أقول لهم أنتم طابور العدو المرئي في الوطن، سواء كان هذا العدو كورونا أو الصهيونية.
ورجاء أخير، أعلم بأن خزينة الدولة منهكة وأن المسئولين يعملون بطاقتها كلها، ويجهدون للإستدانة ولتبرعات المقتدرين من الشعب، ولكن عليهم أن يضعوا الله بين أعينهم ويعطوا للضمير حقنة. وعندها سيكون السيف صارما على كل محتكر لبضاعة أو مستغل أو متلاعب، وسيكون سيف العدل والرحمة أيضاً ممدودا ليحظى كل مقيم عربي وأجنبي على ارضنا بنفس الرعاية والدعم، وتحظى بها تجمعات أبناء الوطن الفقيرة في الأماكن الأقل حظاً والأقل حيلة وواسطة، على السواء مع غيرهم، فالأكثر والأقل هو خطأ استراتيجي في الحرب ضد الوباء، وقد يولد الاضطرابات والانفجار السريع، والثورة في هذا الظرف مميته.