الإخوان والانفجار العظيم

عندما نتكلم عن أحزاب الإخوان المسلمين ونهتم بشأنها فذلك لسببين ، الأول ان معظم بل ربما كل الاحزاب الأخرى في الوطن العربي وخاصة في مشرقه ، هي احزاب غير مؤهله برامجيا وجماهيريا لكي تشكل معارضه بالمفهوم السياسي واستحقاقاته في الوصول للحكم أو التناوب عليه . ولا تشكل بالتالي وسيلة على طريق الاصلاح والتغيير وبناء النظام الديمقراطي .وعندها لا يصبح لوجودها أي مبرر سياسي او وطني ولا حتى أدبيا ، حيث يتجاوز وجودها هنا العبث الساسي ليصبح دورا تستغله الدول الدكتاتورية في توفير الديكور الديمقراطي أو التعددي كغطاء . أما السبب الثاني ، فلأن الأحزاب الإسلامية استطاعت — بصرف النظر عن الأسباب — أن تشكل خميرة ما زالت قائمه لمشروع معارضة سياسية إيجابيه وبنفس الوقت تشكل ايضا عامل تحفيز ومساعده على تشكيل حزب او حزبين أخرين فيما لو استطاعت تطوير نفسها لأحزب وطنية لا عالمية ، وبرامجية لا ايدولوجية وتشاركية لا احتكارية للحقيقة وللعمل ، ومدنية لا دينية ، لتكون عندها أولويتها خدمة الوطن والناس في حياتهم واحتياجاتهم وليس خدمة فكرة معينة ، وفي هذا سمو وارتقاء بالفكره الدينية .
وفي هذا المقال أطرح ناقلا ، خطابا جديدا لمفكرين وسياسيين بارزين من داخل الاحزاب الإسلامية فيه انقلاب راديكالي في الفكر والنهج والسلوك ، وفيه ما يسمو بالدين وبالأوطان والشعوب ، . إنه نموذج سياسي متقدم يحمل دعوة واعيه وجريئه الى قيادات الاحزاب الاسلامية من وسطها ، لمراجعة الذات والمسيرة وخاصة في المشرق العربي. إنه خطاب يأتي في ظروف مخاض سياسيى تعيشه الحركة الاسلامية مشوب بالتشظي كشظايا الانفجار ،والأمل معقود على أن يكون انفجارا منتجا كالانفجار العظيم يتمخض عنه ولادة نهج جديد مضيئ فيه حياة ومفيد . وإني أتطلع الى قراءة وتدبر بعض ما جاء بهذا الخطاب من قبل قيادات حزب الاخوان التاريخية في الاردن مع أني أعتقد بأن بعضهم قد اطلع عليه وتدبره .
إن تخلف العالم الاسلامي هو أكبر من ترك الصلاة وإقامة الحدود وتطبيق القانون والحجاب وإطالة اللحى وتقصير الثياب ، وإن الخلل ليس بالدين بل بعدم القدرة على نفع الناس ، وإن هذا التخلف يعود الى عدم القدرة على الحفاظ على القيم الاخلاقية التي تحمي حقوق الناس وكراماتهم . انتهى . هذا القول ليس لي ، ولا أقدم على التبرع بقول أكثره في جو عام يشوبه الشك وعدم الثقة والتطرف لحد التكفير ونظرية المؤامره ، وفي جو أعم يسوده الجهل بالدين والتطاول عليه ، إنما هو قول لمفكر اسلامي ونائب زعيم الإخوان في تونس الشيخ عبد الفتاح مورو .
وتعقيبي هنا هو أن القارئ الحر بتفكيره يدرك عمق هذا القول . فتخلف العالم الاسلامي عن بقية العوالم يعطي رساله خاطئه عن رسالة السماء الاسلامية ومعاكسة لها وطعنة مسمومة فيها ومثالا منفرا ،ويفرغها من مضمونها ، فإعمار الارض وحماية الأوطان ورفاه الانسان وأمنهم وحريتهم وصلاحهم وتأمين حقوقهم وتقدمهم هي الغايه . ورسالة الاسلام لا تحجم الى قضية جعة وغطاء شعر ولا لتكريس الحياة في المساجد . إلا أن احزاب الاسلام كرائدة واستاذة في علم الدين أغفلت الحكمة والمهمة وتوقفت عند المقدمه واستمرت مفصومة عن الواقع وعن المطلوب ،فعجزت بلداننا مع تقدم غيرها ، عن العودة لمكانة الجاهلية
ويقول الشيخ مورو ، إن الخلل ليس مع الدين بل بعدم القدرة على نفع الناس ، وقضيتنا انسانيه مرتبطه بالنضال للتحرر الاقتصادي والسياسي من قيود الاستعمار والامبريالية ويجب ان يكون هذا النضال مشتركا مع غير الاسلاميين ومع غير المسلمين . انتهى .
وتعقيبي أن ذلك هو كنه الفكره فالدين كفكر فيه عبادات ومعاملات لا يشكل نظريا قضية جدلية عند المسلمين وغير المسلمين ، ولم يعد هذا هو ينقص ناسنا ودولنا . فمن غير المنتج أن يتحجم عمل أي حزب او حركة بمسألة محلولة في الوقت التي فيه أدوات الكفر والجريمة من جوع وظلم وفساد واستعباد واستعمار وهدر للكرامات شائعة في بلداننا , فمن هنا تكون المهمه الأساسية وطنية وانسانية ومن يخدمها يخدم دينه مهما كان هذه الدين . وإنها مهمة مجتمعية لا يجوز فيها إلا التشاركية بين كل اطياف المجتمع الحزبية والسياسية والدينية . وهذه اول الطريق لبناء الدولة الوطنية
وبهذا فلعل من أقوى ما قاله المفكر الاسلامي نفسه في أطار نقد ذاتي للحركة الاسلاميه ، إن الكيان الوطني وبناء دولة العدالة ودولة المواطنين مقدم على تطبيق الشريعه وأن هناك شرعيات لا شرعية واحده واهمها شرعية الانجاز وتوفير الخدمات والوظائف للناس التي تصوت لنا . وان المجتمعات لا تتغير بالحكم بل تدار بالحكم ومن يقدم منتوجا يرضي الناس يختاروه . فنحن لم نستوعب النظام الديمقراطي الذي يعني مما يعنيه المغادرة بعد الدخول ، وأنه لا يجب ان تكون دائما في صدارة الحكم ، وان النظام الديمقراطي يعني المغادرة بعد الدخول وليس بالضرورة البقاء بالحكم . انتهى
ويأتي الاكاديمي والمفكر الاسلامي د منذر عبد اللطيف ليعضد ذلك منطلقا من سلوكيات اخوانية ادت لفشل الحركة بالقول ، إن الاخوان بحاجة الى مراجعات جادة ونشرها لتصبح ثقافة عامة داخل الحركة ، فتثقيف الكوادر فيها ما زال يقوم على الفوقية في المعرفة وافتقاد الاخرين لها والاعتماد على ثقافة التبرير الذي يقوم بالطعن في الاخر وهو ما حال دون رؤية الخير في الاخرين فرادى وجماعات وورسخ سدود الحقد والكراهية بدلا من جسور التعاون والمشاركه . وخلق كتلة كبيرة من الاعداء يتفقون على عدم وصول الاسلاميين للحكم ، وإن الاعتماد على صناديق الانتخاب بمعزل عن مكونات البيئة الداخلية والخارجية يجعل السقوط والفشل محتما فليست الصناديق معيارا كافيا وحيدا يؤهل للحكم وان القرار الذي لا يتخذ نتيجة صناعة لجان متخصصة يكون تسلطيا . انتهى
وفي الختام يقول الشيخ عصام تليمه احد رموز الاخوان ليس عيبا ان نخطئ لكن العيب ان لا نعترف بخطئنا ونعتذر عنه ونعمل على معالجة ما ترتب عليه .انتهى ، وتعقيبي أن هذا القول الذي يتفق مع المنطق والعدل الوطنيين يفترض أن يكون ما جا بكلام مفكري واقطاب الاخوان محل دراسة ومراجعة على مستوى القيادات المتشظيه قيد إعادة الهيكلة على أسس مضمونها جديد . ولكن في كل الحالات يجب أن تطلع عليه القواعد.