الاختراق التاريخي لأمريكا توج بـ’الأيباك’

نعلم أن الولايات المتحدة عالم جديد بسكانها المهاجرين . وفيها عبارة Where did you come from حلت محل عبارة Where are you from . تسود العالم بقوتها المادية الى حد بعيد. وأصبح طبيعيا أن يكون التأثير في سياستها مفتوح للقوميات التي يحمل أبناؤها أوجالياتها مواطنية تلك الدولة ، وهو تأثير مرتبط بما تصنعه هذه الجاليات لنفسها من تكتل منظم ومؤطر من ناحيه ، وبارتباطها بقضية تحتاج تسخير الدعم الأمريكي لها من ناحية أخرى . فأصحاب القضايا معنيون بذلك ، الباطلة منها والعادلة على السواء . وقد كان اليهود سباقون في هذا ، بينما صحا العرب المجنسون هناك ومعهم المسلمون متأخرين . وقطعوا بحلول التسعينيات من القرن الفائت شوطا اقتربوا معه من بداية التأثير ، لكن ذلك انهدم مع انهدام الابراج . وتعزز الانهدام في اللوبي العربي على الارض الامريكية بالوسائل التي نعرفها ، كما تعزز على الأرض العربية لا سيما من خلال التضيق على مكتسبي الجنسيات الأجنبية الى حد حرمانهم من حقوقهم السياسية ومنها الأردن . وتم ربط قسم الجنسية باحتمالية الخيانة الوطنية ، ولم يربط يمين الاستيزار لدينا يوما بخيانة القسم . لكن علينا أن نعترف بأن نجاح اللوبي اليهودي قد ارتبط باستخدام سلاح لا نمتلكه وإن كنا نمتلك سلاح مقاومته وإفشاله . وهو اختراق العقيدة المسيحية . وأضيء في السطور التالية على شكل هذا الاختراق وأدواته .
ابتدأ تدفق يهود الخزر الذين انتشروا في اوروبا بعد اندثار امبراطوريتهم المتهودة في القرن الثالث عشر مع تدفق جماعات البروتستانت والانجليكان والبيوريتانت اليها في القرن السابع عشر الميلادي وهي الجماعات المتحدرة من البروتستانتية وما انبثق عنها فيما بعد من جمعيات أمريكية صهيونية رسخت مفاهيم توراتية في العقيدة المسيحية كان لها الأثر الأساسي في نصرة الغرب للمشروع الصهيوني في الوطن العربي ومنها أن التوراة هي المدخل لفهم المسيحية ، وأن عودة المسيح مرتبطة بقيام دولة صهيون في فلسطين وإعادة بناء الهيكل. وما أن جاء القرن الثامن عشر حتى انتشرت عقيدة الأصولية المسيحية المتشددة المتحالفة مع اليهود . وتعزز سيل الهجرة اليهودية لأمريكا من مختلف الدول الأوروبية في القرن التاسع عشر
وفي النصف الثاني منه وبداية القرن العشرين بدأت هجرة اليهود الروس الى الولايات المتحدة. حيث كانت روسيا القيصرية التي تضم حوالي خمسة ملايين من اليهود الخزريين في صراع معهم وكانت اقامتهم محصورة في مقاطعات روسيا الغربية البولندية وعرفت هذه المقاطعات التي امتدت من بحر البلطيق الى البحر الأسود ب Pale of Settlement أي “الفناء” . وعندما تكثفت الهجمات الشعبية الروسية التي عرفت بالبغروم Pogrom على الجاليات اليهودية فيها ، نشطت الهجرة الجماعية نحو الولايات المتحدة الأمريكية بدءا من عام 1890 وبلغ عددهم في الولايات المتحدة لغاية عام 1920 مليونين. ووصل في عام 1928 إلى أربعة ملايين . وقد تزامنت هذه الهجرة مع ملاحقة قياصرة الروس لليهود حين مارسوا الإرهاب في الدولة ورفضوا الإندماج بالمجتمع الروسي
تحول التعاطف الأمريكي مع اليهود في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الى دعم عملي ، وظهرت في أمريكا عدة مذاهب بروتستانتية نادت بعودة اليهود الى فلسطين، وتبنت كثير من الفرق البروتستانتية الدعوة الى أطماع اليهود التوراتية مثل المعمدانيين والسبتيين وغيرها ، وازدادت نشاطات جمعية بناي بريث Bnai Brith في مدينة نيويورك لتسهيل هجرة اليهود الى فلسطين. وبدأ اليهود بانشاء شبكة من المؤسسات ومن أنشطها جمعية شهود يهوة Jehovah Witnesses وذلك عام 1884، التي أخذت توفد المبشرين الى جميع أنحاء العالم لكسب التأييد لفكرة إعادة اليهود الى أرض فلسطين. كذلك المنظمة الصهيونية في أمريكا عام 1907، وحزب العمال الصهيوني المتحد 1920 اضافة الى امتدادات الجمعية الإشتراكية اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية اللتان تأسستا عام 1898 . ثم كرست لفظة اللاسامية Anti Semitism بمعنى المعادي لليهود تطلق على من ينتقد سياساتهم أو يختلف معهم بالرأي أو يرفض مساعدتهم . ونجحوا في اختلاق وفرض مصطلح Judeo Christian كأغرب خلطة بين شيئين متناقضين معتقديا .
أما في وقتنا المعاصر فقد تم تطوير لوبي صهيوني امريكي بدءا من مؤتمر بيلتمور الذي أسس تحت مسميات مختلفه وصولا الى إسم اللجنة الصهيونية الأمريكية للشئون العامة American Zionist Committee for Public Affairs وتحولها فيما بعد الى اسم اللجنة الأمريكية الاسرائيلية للشئون العامة American Israel Public Affairs Committee الأيباك . وضمت عشرات الجمعيات والمنظمات اليهودية وممثلي مجموعات أمريكيه عسكريه وسياسيه واستخباريه وكل أو معظم المسيحيين الانجيليين . وأصبحت هذه المنظمة صانعه للعديدين من أعضاء الكونغرس حيث يتم البحث عن مرشحين في مختلف المناطق في كل دوره وتشجيعهم على خوض الانتخابات وتغطية حملاتهم ماليا واعلاميا وسياسيا ليصلو للكونغرس ويشكلوا مجموعة مؤثرة داخله تسخرها الأيبااك لتبني وخدمة اسرائيل واليهود ، وتكون هذه االمجموعه قادرة على الضغط والتأثير على الادارة الامريكية ، ولتصبح هذه الادارة في وضع لا تتجاوز فيه استشارة المجلس وأخذ رأيه في مختلف المسائل وتلبية طلباته ، وأصبحت الاداره بالمقابل تستعين بهذا اللوبي الصهيوني في داخل الكونغرس لتمرير متطلباتها في اطار تبادل المصالح . حتى أصبح الأيباك أحد أهم صانعي السياسة الأمريكية ، حيث توصل في عهد ريغان الذي نجح بأصوات اليهود الى عقد التحالف الاستراتيجي الأمريكي مع اسرائيل ومن ثم ربط الأمن القومي الأمريكي بالأمن القومي الاسرائيلي. ولنصل هنا الى قول نتنياهو المشهور أمريكا شئ يمكن تحريكه بسهولة كبيره