الحالة التي يعيشها الاردن نادرة بل مثالها شبه معدوم، حيث ساقت فيها الظروف الى الانقلاب على مقولة “أنا الدولة والدولة أنا ” لتصبح أنا الدولة وليست الدولة أنا، في آن واحد.. وكأننا نتعامل مع ضمير غائب محل فاعل في دولة غير ممأسسه وبلا راع ولا وكيل يمتلك صلاحية القرار الراشد. ويستوي فيهم العلاَّمة والرويبضه، والمدعي مع المدعى عليه، منتسبوا الحكومات ووزاراتها واجهزتها المدنيه من الرئيس والمدير الى الفراش يعيشون حالة اللامسئولية واللا إنتماء، يسرحون في مراعيها، والحيتان في محيطها، ولا تحالف بينهم ولا تعاون الا على نهب وفساد
وإن انشغال الملك عن الشارع الأردني وهمومه المعيشية والوطنية الى جانب عجز الحكومات وتفرغها لفرمانات الجباية وتكميم الأفواه قد صنع فراغا كبيرا في الدولة امتلاء بالعملة الرديئه وجعل منها ساحة يعيش الشعب فيها على الهامش المتاح غارقا في حالة من عدم اليقين والحيرة وفقدان المرجعية والدفاع الفاشل عن النفس، وبالتالي الى التساؤل عن جدوى الانتماء في بلد تحول فيه الى مجرد كرة في ملعب لا ينالها سوى الركل مع انها وسيلة الربح والخساره، وبات الكثيرون من الشعب يبحثون عن .القبائلية بديلا لحماية أنفسهم ويسوغون الفساد لأنفسهم لتأمين احتياجاتهم بعيدا عن قيم الدولة والمصلحة العامة، واقتصر أمل الشعب ككل على انتظار مخلِّص او “فرج” يهبط عليه، ولا يهبط عليه الا “فرج” المعروف في الطرفة الشعبية.
لمن يوجه الشعب خطابه بعد أن استنفذ كل جهة اردنية، وسكنت ريح العروبة في المحيط العربي، وكيف يعبر عن نفسه أو عن تأثيره؟. فهل المطلوب أن ينخرط الشعب في الفساد لحماية نفسه على مذبح سلب ارادته وانتمائه؟، ومن يملأ اليوم ساحة فارغة من أهلها ومن يلعب فيها .ولماذا هجرها أهلها .إنها الساحة التي يلجأ اليها الشعب ليرى فيها نفسه وقوته وتأثيره ورفضه، ويسمع الأخرون فيها صوته، انها ساحة الشرعية في كل زمان.
يُشغل الساحة الاردنية اليوم فئتان متطفلتان ليس منهما الأحزاب فالأحزاب التي انتجها الفكر السياسي البشري الحر لتكون رافعة للدول ونهضتها وبوتقة تنتظم فيها الشعوب لتعبر من خلالها عن نفسها ومصالحها وتناضل وتحتكم وتحكم باسم الشعب، هي في الاردن مخزاة وعار على فكرة الأحزاب، انها آلية حكام لا شعوب، ووجودها يمثل قوة شد عكسي للشعب ورافعة للأنظمة الشمولية وديكورا فاسدا للعالم الحر . إن حل أحزابنا نفسها بنفسها أكرم لها ورحمة للشعب وهو المطلوب منها شعبيا . فكل مشايخها يعلمون بأنه لا بيئة سياسية ولا قانونية موجودة لفكرة الأحزاب وجدية تشكيلها وفلسفة وجودها ويعلمون بصفريتهم الشعبيه وبديكوريتهم الحكوميه وبأنهم جزءا من اللعبة السياسية الواطيه، فمن واقع النهج السياسي الذي لا سلطة للشعب فيه ولا شراكة معه، تمضي العقود ولا يقتنع اصحاب القرار بوجود معارضه ولا بمنظمات مجتمع مدني ولا أحزاب ولا مجالس نواب حره .
اما الجهتان المتطفلتان على الشارع فهما المتاجرون بشهرتهم التي صنعها النظام نفسه، ولولاه لعاشوا نكرات، ولما نقل الاعلام تفاهاتهم، وهم اليوم يعيشون بمسمى متقاعدين سياسيين فهؤلاء لم يبق لهم أية مصلحة مع النظام ويحاولون غسل ماضيهم باجتراره وتنظيفه، لكن كلامهم غير مقنع ومهمتهم صعبه، إنهم يمسكون العصى من ربعها الأخير، أما الفئة الثانية فيمثلها المتاجرون للوصول للشهرة وحماية مصالحهم وهؤلاء طارئون على العمل الوطني والشعبي ويضعون أنفسهم رهن البيع، انها الفئة التي تحارب باسم الشعب بثقافة سطحية واسلوب فج تهكمي بلا علم ولا أسس علمية ولا نية صادقه، ليصبحوا بالتالي عبئا على الشعب وحريته من خلال توكؤ الحكومات غلى سلوكهم لاصدار قوانين قتل العمل الوطني الواعي واصدار قوانين تكميم الأفواه استباقا لاصدار الفرمانات الضريبية والمشاريع السياسية بسلاسه .
الشعب معزول عن القيادة ومستهدف من الحكومات وسحيجتها ولا ينتمي هو او مصالحه لأي من الفئتين اللتين تلعبان في الشارع على حساب غيابه عنه، صوته لم يصل رغم انسيابه بكل بوسائل الاتصال . لكنه ومع تطوير قانون الجرائم الالكترونية ومطاطيته والذي يستهدف الاجهاز الاستباقي على صوت المواطن وأنفاسه لعظم ما سيليه من تنفيذ سياسات، فإن هذا الشعب مطالب بالتناغم دستوريا مع حركة الحكومة في كتم صوته بأن ينتقل من الكلام غير المباح الى الفعل المباح دستوريا، فلا أرى أملا لهذا الشعب الا بالخروج السلمي الى الشارع والاعتصام، إنها الوسيلة الوحيده التي تعيد للشعب ثقته بنفسه وبقدرته وبتأثيره، والتي تراه من خلالها القيادة وتسمع صوته.
ليس المطلوب تغيير النظام في اي دولة عربية ولا في الاردن بالذات، فهذا وبال وفيه تدمير للذات والدولة، ووقوع مؤكد في فخ الصهيونية، لأن البديل الوطني المؤهل للحكم غير موجود فيها جميعها، وهذا كان من أساسيات وأولويات عمل تلك الأنظمه . لكن المطلوب لنا من الأنظمة ومن نظامنا هو تغيير نهجه السياسي خارجيا وداخليا، ليصبح نهجا قائما على بناء مؤسسات الدولة ودستورها على أساس من الاعتراف بسلطة الشعب واقعا، والتجاوب مع الارادة الشعبية، فلا يمكن أن تبقى الدولة مزرعة تَستنبت الفساد السياسي والاداري والمالي . ولا أن تُهدم على بطون مواطنيها، ولا أن يقرر مصيرها غير شعبها، إنها تسير بقوة تسارع الفساد على كل المستويات دون رحمة ولا وازع من مصطلح في القواميس، ولا أدري كيف يحسبها نظامنا .فمصلحته الاساسية هي في التحالف مع الشعب وسماع صوته لا في اضطهاده وكتم صوته .فنظام لا يحميه شعبه هش ومستضعف والى زوال.
كاتب اردني