يوجد أسباب عديده تدعو للتشكيك بل ولرفض أسباب وقوع جريمة السفارة الصهيونية وخلفيتها كما ترويها الادعاءات والتحقيقات لتاريخه . فهناك الكثير من الملاحظات التي يُفترض بالمحقق أن يُخضعها للربط والتحليل والاستنتاجات المنطقيه، ويُفترض بالمحقق أن ينعتق من الصورة والحيثيات التي وضعت أو توضع أمامه لتوصله لنتيجة مرسومه ، وأن يذهب بجدية وحنكة وحرفية إلى تصورات أخرى تتفق مع منطق أخر وتوصله لنتائج أخرى قد تكون هي الصحيحه او الأكثر منطقية.
. فالمطلوب اولا هو الوصول الى الأسباب الأكثر معقوليه لارتكاب الجريمة والوقوف على طبيعة وهدف تلك الجريمة المؤكدتين لكي تكون القضية قائمة على أساسها الصحيح والرد الصحيح عليها . فلسنا ملزمين أن ننساق وراء السيناريو الغريب والمفجع لمجرى الجريمه والذي يتماشى مع هدف إثارة العواطف وإلهاء الناس باسطوانة الدفع باتجاه منحى ردود الفعل السريعه والتركيز كالعادة على استغلال الحدث لمهاجمة العدو اعلاميا بفضح غطرسته وعدم اقامته وزنا للقوانين . فهذه الجريمه أصابت الدوله ككل من قبل دوله أخرى وهناك من الوقائع والموجبات ما يكفي لكي نعطيها بعدا يتجاوز البعدين الجنائي والقضائي.
لماذا لا نفترض أن حرس السفارة منضبطين ومسئولين ومدربين على القيام بواجبهم بدبلوماسية تتفق مع بناء علاقات وديه مع دوله كالأردن تحتاجها اسرائيل، ولماذا نفترض أن ذاك الحارس أهوجا ومستهترا لهذه الدرجه ، ولماذا لا نفترض أن استقبال رئيس وزراء دولته له وإعطائه كل هذه الأهمية كان على خلفية معرفته المسبقه به وعلمه المسبق بالتخطيط للجريمة وأنه يعرف الجاني وظروفه الاجتماعية مسبقا ، ولا اربط هذا مباشرة بحديثه الودي وبسؤاله المجرم عن صديقته.
ولماذا لا نفترض أيضا أن استقبال رئيس الوزراء له كبطل هي حقيقة اتخذت شكل احتفال عنوانه “لقد نجحت في عمل وطني وحمدا لله على سلامتك “وليس غباء ولا منظرة دعائية سياسية قد تجر عليه احتجاجات سياسيه داخليه وخارجيه وتخريب علاقته مع دوله صديقه ومهمه لاسرائيل. ولماذا لا نفترض أن اصطحاب وسفر السفيرة للمجرم ليس مجرد حماية له ولا فزعه بل من قبيل المعرفه المسبقة، وأن مواصلتها السفر بصحبة الجاني مع الطاقم الى تل ابيب هي للمشاركة باحتفال النصر جماعيا، وألا يمكن تفسير هذا الاهتمام الرسمي الكبير بتأمين عودة الجاني والاستعانة بأمريكا وابلاغها بأهمية سرعةعودته، بأنه لقطع الطريق على امكانية اخضاعه للتحقيق وكشف مستور أكبر؟.
من ناحية أخرى أهم من كل ذلك ،أقول إذا ابتلعنا ركاكة وسذاجة قصة قتل االصبي الأردني النجار بسبب خلاف على تركيب او موعد تركيب غرفة نوم، فإنه من الصعب جدا فهم وتصديق وابتلاع رواية قتل مواطن اردني ثانِ بالخطأ ،مع التأكيد على أن حضوره كان بحكم معرفتهم المسبقه به وبحكم ترتيب معه بحجة ما، المهم المستجد هنا هو ثبوت كذب رواية قتله عن طريق الخطأ بالدليل الحاسم، حيث أنه تبين لدى استلام أهله للجثمان بأنه قد تلقى رصاصتين ولا يعقل أن تطلق النار عليه بالخطأ مرتين بل لغايات التأكد من موته، ولا أريد أن أقول او اقفز لنتيجة أنه هو من كان مستهدفا، ولكن لأسلط الضوء على أن الجربمة ليست ابنة ساعتها وأنها مقصودة وليست عرضية وأن هناك احتمال بأن تكون تنفيذا لخطة وراءها سبب أخر غير مطروح.
وطالما أن من قام بهذا الجرم الجنائي على نحو من الملاحظات المار ذكرها وأخرى لا نعلمها هي جهة رسميه تشكل الخصم الاساسي لقضايانا ، وأننا نشكل محور سياساتها ، فإنه من المفروض أن تكون الجهة الأردنية التي تتولى التحقيق جهة استخبارية سياسية أمنية محترفه كجهاز المخابرات الذي ولا شك بأنه يمتلك بنكا من المعلومات والخبرات والتجارب ، ولا تخفى عليه تلك الملاحظات وأكثر منها بكثير، فعندما يُكتفى بالشرطة الجنائية وضباط الأمن العام فربما يأخذ التحقيق مجرى لقضية جنائية فحسب ، ويكون في ذلك عندها تضليلا على الحقيقة وعائقا للوصول اليها فيما اذا كانت الجريمه قد ارتكبت على خلفية أخرى قد تكون سياسية.
إن كنا جادين في التعامل مع القضية علينا الاعتراف بأن التأييد والدعم الواضح للمجرم من قبل حكومة اسرائيل يوحي بأن المجرم كان مجرد أداة للجريمه وأن الجريمة هي جريمة حكومة العدو، وأن الاعتداء مهما كانت طبيعته وأسبابه هو اعتداء ارهابي فاضح وسافر على دولة تربطها معها معاهدة سلام، وبالتالي فإن الرد الأردني عليها يجب أن يكون مكاقئا ورادعا وضاغطا، يبدا بقلع السفارة أداة ووكر الجريمه من جذورها، ووقف اي تنسيق مع حكومة الاحتلال ومقاضاتها نفسها دوليا، وضمان التحقيق الحر مع المجرم بمشاركه اردنيه.
كاتب اردني