إن الوضع السياسي والامني المقبل للأردن مرتبط بشكل كبير بتطورات الازمة السوريه القتالية والسياسية . فكلما اقترب الحل في سوريا يقترب معه السيناريو الميداني المرسوم للأردن او فرضه عليه . .فالتغيرات في سوريا إن لم تكن مرتبطة بالمنطقة من خلال سياسة الدوله العالمية العميقه ، فقد أصبحت الأن هكذا بحكم الواقع الميداني واتجاهاته على الارض ، فالأردن هو المرشح لاستيعاب الهدف السياسي الأساس بمرحلتيه . لا بحكم موقعه الجغرافي من سوريا والعراق واسرائيل فقط بل بحكم ديمغرافيته الجديدة والمنطق الصهيوني ونجاحهم عبر السنين على جعله الحلقة الاضعف والأسهل في المنطقه. *
يبدو أن الحرب في سوريا التي اججتها وخلطت اوراقها التنظيمات الارهابية قد وصلت لغايتها بقطعها مرحلة من مرحلتين ، بعد ان استطاعت السياسة الدولية تشكيل قناعات لدى الاطراف السوريه المتحاربه والرابضه على ركام بأن الحل العسكري مرفوض كي لا يسمح لطرف أن يسود سوريا كلها ويحكمها .وعلى من يريد البقاء على خارطة سوريا السياسيه المقبله عليه أن ينزع نحو التسويه السلميه طوعا او كرها . *
فنحن على ابواب مرحلة تتجه نحو الهدف السياسي من الأزمه . والمطلوب الأول فيها هو وقف الاقتتال بين الاطراف السورية على الخطوط الجغرافية القائمه التي لا تعطي شرعية حكم عملية أو انتصار لأي طرف ، وهي خطوط مواجهه أكثر منها خطوط استقرار . أما المطلوب الثاني فهو انضمام الاطراف السورية المتحاربه لمعركة دحرالمنظمات الارهابية واخراجها من سوريا بعد انتهاء دورها هناك ،وسيكون هذا بالتزامن مع انطلاق مفاوضات طويلة نتيجتها مرسومة سلفا *
بالنسبة لنا كأردن فاننا سنتأثر بالمرحلتين ، ففي مرحلة دحر الارهاب من العراق وسوريا بالذات سنصبح في مواجهة الارهاب . والمراقب لا يستطيع الفتوى بقدرتنا ومداها في هذه المواجهة . لكنه يستطيع تقييم وضعنا المرئي على الأرض وهو وضع تم وضعنا به .*
لقد اصبح الاردن من الأيام الأولى لاندلاع الحرب في سوريا محل استغلال واستقطاب دولي وعربي ترافق وما زال بسياسة ابتزاز اقتصادي ومالي وأمني وسياسي بين مد وجزر وبتنا اليوم في مرمى قناصين من كل الدول المجاوره والبعيده *
. لقد جعلوا الاردن ابتداء مركز عمليات للدول ، ثم جعلونا البوابة الوحيدة لسوريا ومسئولين وحدنا عن حماية حدود دول فقدت سيطرتها عليها ، وجعلونا نفتح معسكرات التدريب ونغلقها ، واضطرونا لتجنيد الاخرين خارج حدودنا ، وجعلونا نستقبل اللاجئين على طريقتهم ، سجلت لأمم المتحدة منهم 650 ألفا في مخيمات لا نعرف هويات اصحابها الحقيقيين وانتماءاتهم ، ومليونا تسربوا واندمجوا مع المواطنين . ومن منا لا يعرف أن المخيمات على الحدود هي مشاريع احتلال للمنظمات الارهابية . *
ومع هذا يضعوننا تحت ضغوطات لفتح جبهه مع الاخوان المسلمين مشابهة لما يحدث في مصر وما حدث بالجزائر … إنهم يجعلوننا نحاول المشي مكشوفين بين حبة المطر والاخرى دون أن نبتل فهل هذا ممكنا ؟ \ وكلها سياسة كتبت علينا واستمرت تحت ضغط الحاجه الاقتصاديه او الأمنيه .*
أما المرحلة الثانية ، فقد مهدت لها الحرب بترسيخ الطائفية والعرقية والاحقاد التي أنهت الثقة بين مكونات الشعب السوري ، ولم تعد معها مفاهيم الوطن والعروبه والعدو الخارجي أولويات متقدمة على اولوية النجاة بالحياه على رقعة أرض غير متصلة سياسيا . وهذه المكونات يتبنى المتاجرة بمصالحها ومطالبها قوى خارجيه ليس لأي منها أية مصلحة بسوريا موحده وديمقراطيه ، وباتت لمعظم المكونات السورية كابوسا . فالديمقراطية تعني لها كما لكل العرب مجرد استلام الاكثرية للسلطة بصناديق الاقتراع وتقف ليبدأ البطش . وليس من تصور لانتهاء الازمة السورية غير التقسيم . لكن طبيعة هذه التسويه ترتبط بحسابات لهم في الاردن مختلفة جدا ، وبَعدها تنتهي الضغوط .*
هم يعرفون بأننا قادرون على تجاوز كل هذا بجبهة داخلية متماسكة خلف الدوله ، ففتحوا حربا عليها مع حكومات تنتزع عرى المواطن بدولته ووطنه بكل الأساليب ليصبح مكانها الصحيح هو المثول أمام محاكم عسكريه ، فقد جعلت شعبنا فرجة للعالم . ثم هبطت علينا ادارة ترمب بمفاهيم أثرت في المشهد السياسي الامريكي وتحالفاته وفي مفاهيم الديمقراطية لتصبح باتجاه الامبريالية والصهيونية والتمييز العنصري ، وبتصريحات تتوعد جبهتنا الداخلية إن نُفذت ستزيد الطين بلة والأوراق خلطا وتفتح معركة سياسية بين الدولة وأصدقائها المتربصين .*
إن عيون الشعب ترنو بأمل لا ينقطع الى الملك لمصالحة تاريخية بين الشعب والدوله قوامها وقف الفساد وإسقاط أجندة الحكومات الوحيدة في انهاك الشعب والسطو عليه لصنع اولويات له ما كان لها أن تكون . وإن بشائر هذا النداء لن نراها ما لم ينقلب الملك على النهج السياسي . فذلك وحده الذي يفتح الطريق أمامه ليغرف من علبة اخرى فيها الأسماء صاحبة مصلحة في التغيير الذي يصنع المواطنه والجبهة الداخلية المتماسكة خلف الدوله . *
كاتب اردني