الاردن: لقاء الملك – ترمب.. تقييم وحصيله

بقدر ما يتعلق الأمر بزيارة الملك الأخيرة الى واشنطن فإن المراقب والمتابع للمؤتمر الصحفي يستطيع فهم ما دار في المباحثات الثنائية ونتائجها. ولو أخذنا النتائج من وجهة نظر الملك فيحق له ولنا أن نقول بأن الزيارة حققت نجاحا على تواضعه فإنه يعتبر مميزا وما كان متوقعا إذا علمنا أن الطرف الثاني هو ترمب ، وإذا قارنا أيضا موازينها السيا والأدبية والتجارية بمثيلتهتا في زيارات الأخرين من القادة عربا وغير عرب . ويبدو أن نجاحها ارتبط بكونها مثلت لقاء بين شخصيتين برجماتيتين يتفاوضان على أساس مادي واضح وبلغة واحده ومن منطلق متقارب جدا.
فقد كانت مباحثات الملك مع ترمب على ما يبدو على شكل مفاوضات بلغة البزنس والأرقام لا بلغة الشكوى والخطابة والدبلوماسيه. فغابت عنها بالتأكيد مواقف ترمب السياسية المتصلبه التي يوجهها للتهديد أو للابتزاز ، وطغى عليا العمل والكلام المحسوبين وبالتالي النجاح . وقد انعكس هذا لشعور من خلال حرص ترمب بمؤتمره الصحفي على عدم اقحام اسم اسرائيل ، والاكثار من الإطراء بالملك . لا بد أنه كان أمام صفقة حقيقية يرغب باستكمالها .
اعتقد البعض خطأ أو هما لا مبرر له أن الملك الاردني ذهب لواشنطن يحمل رؤية ومواقف الدول العربية المستخلصة في القمة ورسالة عربية موحدة لادارة ترمب ، لكنه في الواقع ذهب يحمل الملف الاردني في قضيتين اثنتين وورقة مساومة واحده ،
القضية الأولى مصيرية له كملك ، ولبقاء الاردن كدوله بكيانها السياسي القائم واللصيق بألأرض والشعب الأردنيين . فالملك يدرك تماما بأن هذا الهدف لا يمكن له أن يتحقق الا بقيام دوله فلسطينيه على ارض فلسطين ، وبيده سلاح التوافق الدولي على حل الدولتين الذي اصبح ميتا عمليا . ولا شك بأنه وضع ترمب بصورة تداعيات عدم قيام دوله فلسطينيه على الاردن وعلى الاستقرار العالمي .
يبدو مما ذكره الزعيمان من كلام وما بدا على محياهما من لغة الجسد .أن مسألة حل الدولتين هذه لم تحسم كما يريدها الملك وأنه لم يكن أمام ترمب سوى الوعود ببذل قصارى جهده . وكانت هذه الوعود مبنية كما لاحظنا على ربط الملك لمسألة القضاء على الإرهاب بتسوية القضية الفلسطينية \ الاسرائيليه كما سماها . إن ضبابية نجاح المباحثات وربما فشلها في هذه المسأله عبر عن نفسه عندما وعد ترمب بمحاولة اقناع الطرفين بالعودة لطاولة المفاوضات دون اشارة لحل الدولتين أو تعاطف مع الفلسطينيين أو انتقاد للاسرائيليين . لكن الاشاره المشجعه التي يلتقطها المراقب هي تعبير ترمب عن أنه ذو طبيعته يغير فيها مواقفه طبقا لقناعاته. وعلى جميع الأحوال لا استبعد بأن ترمب قد اكتفى بتكرار احترامه للكيان السياسي الاردني وعدم المساس به .لكن ذلك يبقى للملك مجرد كلام.
القضية الثانيه . هي المال الذي يحتاجه الأردن ويؤرقه في هذه الفترة أكثر من أي وقت مضى . فالملك مدرك لسياسة وضع الاردن دائما في غرفة الانعاش المالي الاقتصادي . وبأن كل ما يقدم اليه او يسمح بتقديمه هو لمجرد أن يبقى بلدا حيا تحت الابتزاز السياسي وبيع المواقف لتسهيل تنفيذ السياسات وصولا ليوم النحر ، هكذا تريده الخطة الصهيونية . ويبدو أن الملك قد طرح هذا الوضوع بقوه كمحدد أو عائق للقيام بواجبات الاردن في الحرب على الارهاب وابراز مسألة هذه الحرب كأولويه . وقد افلح الملك في الحصول على ما يريد وأتخيل طريقة طرحه الملائمه . والمصادر تقول أن الأردن سيحصل هذا العام على مليارين بدلا من بضعة مئات الملايين المعتادة.
أما ورقة المساومه التي يحملها الملك للحصول على ما حصل عليه من نتائج في القضيتين بشكل متفاوت ، فهي منبثقة من معرفته لأولوية ترمب في سياسته الخارجيه المتمثله بأن يكون البطل في تصفية تنظيم الدوله واستعادة امريكا لدور الريادة في أزمة المنطقه من روسيا من خلال تحرير الرقه واخراج ميليشيات ايران من سوريا تمهيدا لسحب ورقة ضغط ايرانيه كبيره لتسهيل وصوله لمرحلة مواجهة الملف النووي الايراني بما يخدم الرؤية الاسرائيليه.
وحيث أن الملك مدرك بحاجة ترمب الى الاردن كدوله مؤهله جغرافيا وسياسيا وعسكريا لفعل فرق في معركته المزمعه في سوريا ويعرف مصداقية الملك مع امريكا واهتمام الاردن بتنظيف سويا وحرفية الجيش ، ويعرف بالمقابل تردد الأردن بالحرب خارج حدوده في سوريه بقوات بريه ، فإن هذه الصوره .استطاعت أن تصنع الصفقه وأنجحت الزياره عندما تجاوب الملك معها ، . بل وتم ربط المساعده الامريكيه بالتعاون الاردني .
فنحن الأن أمام تحالف عسكري امريكي اردني في حرب مزمعة على الارض السورية وصفها ترمب بالحرب القصيره . وهذه ستتبع العمل العسكري الأمريكي المتوقع على خلفية استخدام الاسلحه الكيماويه . أما الحديث عن حلف سني امريكي فيبدو أن أرضيته غير متماسكه سياسيا وعسكريا . فالسعودية تخوض حربا في اليمن لها اولويتها عندها وعند امريكا ، ومصر تخوض حربا في سينا ضد الارهاب لها اولويتها . وقد يكون هذا التحالف السني المحكي عنه في مرحلة لاحقة ويعتمد على الخدمة اللوجستية بشكل رئيسي.
كاتب اردني

Leave a Reply