الاردن واسرائيل وما يجري

إن اسرائيل كدوله وحيدة استندت في قيامها على قرار للأمم المتحدة ،قد فكت التزامها بميثاق المنظمة أو القانون الدولي من حينه . وأصبحت الوحيدة التي تبني سياساتها الخارجية والداخلية وقراراتها الاستراتيجية من واقع اراشيفها التاريخية الحقيقية والمصطنعة . ولديها في هذا أرشيفين أساسيين . يمثل الأول التجارب التاريخية لليهود القدامى ويمثل الثاني التجربه التاريحية ليهود اليوم الأريين الذين يقيمون الكيان الصهيوني في فلسطين وهذا ما علينا كأردن أن نتبه له كمعني أساسي ..
فأرشيفهم الأول او القديم يشتمل على نجاحهم في تشكيل لغه وقوم وعقيده وتاريخ دفعة واحده ، وعلى معاناة واضطهاد وفشل في اقامة دولة . وانتهى المطاف بهم الى تشتتهم في العالم إلى اقليات متناقصة ومتلاشية مع بقاء عقيدتهم قائمة من خلال أسفار العهد القديم الذي تضمن شيئا من تاريخ دول العالم القديم وبقدر ما يختص الأمر بهم . وقد استفادت الصهيونية منه وبنت عليه حجتها . ومع أن المكتشفات الأثارية وانكشاف التاريخ الحقيقي أثبت زيف تاريخهم التوراتي هذا إلا أن اليهود والمتهودين على السواء ملتزمين به لليوم كتاريخ لهم أصبح راسخا في أذهانهم وأذهان العالم .
أما الأرشيف الثاني فهو الذي يؤثر على الاردن مباشرة . وتعود جذوره الى تجربة مريره ليهود اليوم الأريين الخزريين إثر احتلال امبراطوريتهم التي كانت بمساحة الاتحاد السوفييني السابق وتفتيتها لدول وتشتتهم فيها وفي كل العالم ، ودخولهم في صراع لقرون مع الأوروبيين ، كان أخره في المانيا النازيه الذي ولد لهم شعارهم never again ، وحين تحالفت الصهيونية مع الغرب على كذبة أنهم احفاد ابراهيم وبني اسرائل ولهم حق في فلسطين ، حضرت عندها المؤامره، وتشكل ارشيفا أوروبيا صهيونيا واسعا لمخطط يقحم الأردن في صلب سياستهم كهدف أساسي يربطه تماما بالمشروع الصهيوني في فلسطين . حيث أن هذا الارشيف الثاني ،افترض بأن الأردن أرضا بلا هوية سكانيه مميزه وقائمه، وجزءا من فلسطين يخصص لاستيعاب المكونين السياسي والسكاني للفلسطينين كوطن أصيل لهم بصفتهم عرب وكغيرهم من العرب ، وعلى هذا الفهم أقامت العرابة بريطانيا الدوله لتقنين وتحقيق المهمه .
إن الكثيرين يرون بأن اسرائيل تقيم علاقات طيبه ومستقرة مع الاردن كدوله ويهمها جدا النظام الاردني ، وبأنها تحافظ عليه . إن صحة هذا الانطباع هو كصحة العلاقة بين مربي الأضحية وضحيته (الخروف ). فحقيقة علاقة اسرائيل بالاردن داميه وهدفها مدمي يؤشر عليه التزامها بارشيف الصهيونية ممثلا بتفاهمات الوكالة اليهوديه مع بريطانيا ودول الغرب وأخرين ، كما هي موثقه بالأرشيف البريطاني ومنشورة في كتاب أفي شلايم (أسد الأردن ). لكننا ومع مرور السنين أصبحنا في الاردن نعيش حالة الإنكار المرضية حين حين نرى الفكرة تتجسد ونتجاهل معها نوايا اسرائيل ومعنى إجهازها على أدنى امكانيه لقيام دوله على ارض الضفه ،وحين يستمر حرصنا الشديد على تواصل علاقتنا وتعاوننا معها مهما قسى سلوكها السياسي والانساني .
إن اسرائيل قد انهت ملف احتلالها لفلسطين واقعا على الارض ، ولكنها لم تفرغ للأن من إنهاء وطوي ملف القضية الفلسطينية .فهي ما زالت منذ إنشائها لا تنعم بالاستقرار بسبب هذا الملف المفتوح والمقلق أيضا للمصالح الأمريكيه . واليوم هي بصدد استكمال متطلبات طويه خارج فلسطين استنادا للأرشيف . وكل المؤشرات على الساحة الفلسطينية والدوليه والاقليميه تشير لقرب ذلك .وعندها لا يعود الأردن مجرد مساهم في أمنها بل الثمن لأمنها .
صحيح أن الأردن تميز بالأمن والاستقرار لعقود كما لم تتميز به دولة عربية أخرى ويستمر صامدا اليوم داخل بحر جنون المنطقه والعالم إلا أن هذا يعود لعلاقته بملف القضية الفلسطينية استنادا للأرشيف ، فهو امن هش ومؤقت ، وإن الأردن بالمقابل هو الدوله الوحيده في المنطقه والعالم المستهدف كيانها السياسي ككيان يخص شعبا معينا . كما أنه الدوله الوحيده التي لم يتبلور فيها هوية سياسيه مستقله لشعبها ، ويطغى فيها لدى الاردنيين الانتماء للنظام على الانتماء للوطن . فهناك إصرار صهيو أمريكي على أن يكون الاردن دوله مرحليه ، مما يستوجب أن تكون وتبقى دولة فاشله ليسهل الانتقال لوضعها النهائي . وهو ما استوجب تصميمها لتكون دائما في غرفة الانعاش اقتصاديا وماليا .
إن الأردن اليوم وتحت وطأة حالة الانكار المرضية ما زال يتجاهل طبيعة وهدف فوضى التطورات السياسية والعسكرية في دول الجوار والعالم وطبيعة وارتباطات التنظيمات الارهابية ، ويتعامل مع مجمل ما يجري كقضية ارهاب معزوله ،وينشر جيشه على الحدود وكأنه لم يكن هناك جيوش في الدول التي انهارت عندما استهدفت .
أما الأقسى على النفس و ما أود قوله في هذا المقال ،هو كيف للأردن أن يتغاضى في هذا الظرف عن الإيحاءات الأمريكية المنذرة بالخطر الجدي على امنه ومستقبله السياسي ، وبما ينطوي على عزم أمريكا على التخلي عن الاردن وحمايته وعن دوره . وبالتالي عن كيانه السياسي بتركيبته القائمه . ، ولم تتكرم على الوطن أو تجرؤ أي جهة اردنية مسئوله بطلب تفسير لتلك الايحاءات التي جاءت على لسان هيلاري كلنتون في كلمة لها امام طلاب جامعة في ولاية ايوا . لا سيما عندما ربطت ما تحدثت به بتقارير أمريكية رسمية ، وعندما تناولته الصحف الكبرى في الولايات المتحدة كما تناوله المفكرون والكتاب في امريكا وفي الأردن . وأدرج تاليا ثلاثة تصريحات منها متكاملة
الأول من الصعوبة أن نتصور سلاما بين اسرائيل والفلسطينيين في الوقت الذي فيه مستقبل سوريا والأردن غير مؤكد (بمعنى أن مستقبل الأردن غامض ومقبل على تغيير ) وحرفية النص هي
Peace between Israel and the Palestinians is hard to envision while the future of neighbors Syria and Jordan are uncertain
الثاني قالت عندما تكلمت عن دولة فلسطينيه ، سنعمل عليها . ولكنها اردفت قائله بروح النكته ما نصه ، حتى بحث هذه المسأله أمر صعب ) Even discussing the issue is hard . وهذا يعني ان حل الدولتين نكته والمفاوضات مسرحيه
الثالث ، ربطت فيه تسوية القضية الفلسطينية والسلام النهائي بين الفلسطينيين واسرائيل ،بنتائج ما يجري في سوريا موحية بأن الاردن لن يبق مستقرا . والنص الحرفي هو
Any lasting peace deal is probably out of reach until Israel and the Palestinians “know what happens in Syria and will Jordan remain stable,”
ماذا ننتظر بعد ، هل من الصواب أن يبق الأردن بعيدا عما يجري ويطبخ سياسيا ويعمد الى سوسرة سلوكه الدولي رغم أنه صاحب القضية ومرمى أساسي لنتائج الأحداث ، وهل في قاموس علم السياسة حسن نوايا أو مجاملات تشفع ؟؟؟. وما هو السبيل لترجل من أدمنوا على دور تكريس التناقض بين مصلحة النظام وبين مصلحة الوطن والشعب في عملية الاصلاح الحقيقي ، وعلى دور الفساد الاقتصادي والاجتماعي والاداري وتحويل كل مؤسسات الاردن الى ديكور أجوف ؟ أو ليس الشعب الذي لا يساوم على الملك كما الملك لا يساوم عليه قادر على أسقاط تلك الطبقه المسئولة عما يعانيه وعما ينتظره .