‘الاستحمار’ ينشط في بلادنا

يشقى انسان الغابة ، كما يشقى الانسان المواطن ابن الدولة ، ليؤمن حاجاته الاساسية كمخلوق حي ولد بغريزة البقاء ، وهذه الحاجات هي الغذاء والأمن من واقع محذوري الجوع والخوف ، كما ورد في القرآن الكريم ثم في ميثاق الامم المتحدة كهدف أسمى للدول . وهذه الحاجة الأساسية التي أوكلت للدولة تَستوجب منها تأمين حاجات اخرى شَرطية ، كالحرية الشخصيه والعدالة والتنميه وتحقيق الذات والحفاظ على الوطن والارتقاء بالمواطن وبكل ما يؤمن له الكرامة الانسانية .*
هذه الحزمة هي من الثوابت لأي شعب في الدولة التي مكوناتها السلطة والشعب والارض . ومن أجلها يقدم ويدفع الشعب (ومفرده مواطن ) لخزينة الدوله مقابل تأمينها له . والسلطة هي الموكلة بتأمينها . وهي لذلك تمتلك بالتفويض وسائل القوه والعمل والتنفيذ . وإذا فشلت في تأمينها فإنها بالضرورة تفقد مبرر وجودها وشرعيتها ويلزم تنَحيها واستبدالها بغيرها . وآلية تنحيها موجودة في الدول الديمقراطية ، أما في الدول الاخرى فالآلية هي اخلاق الرجال أو العصيان المدني .*
فكيف سيتطور وضع الدولة عندما تَفتقد سلطتَها للأخلاق من اجل التغيير ، وتفتقد بنفس الوقت الى الشعب الذي يمارس واجبه في مواجهتها . الأمر عندها لا يتوقف عند حد الدولة الفاشله التي لا رابط سليم بين مكوناتها ، فإصرار السلطة على البقاء يُحتم عليها أجندة أخرى تُرسخ من خلالها وجودها ومصالحها . وليس أمامها لتحقيق غايتها إلا مكوني الوطن والشعب ، فيصبح الوطن سلعة اقتصادية او ورقة سياسية ، أما الشعب فتَعزل َالسلطة نفسها عنه وتُفقده اعتباراته الإنسانية والقانونية ، ويعامل كشعب من العبيد في رجعة تاريخية . ومثل هذه الدولة لا مكان لها في عالم اليوم وبالتالي لا مكان ولا مستقبل لمثل هذه السلطة .*
الاردن يعاني وضع هذه الدولة ، والسلطة تتعامل مع هذا الوضع بأسلوب الديكورية و الإستحمار . والاستحمار سياسة قديمة ، وتسمية لموجود لا يسمونه باسمه . سياسة من المفترض أن يمارسها السلاطين الذين يعيشون ما يسمى ب “حالة الملوك ” التي فيها الحاكم لا يسمع ولا يرى ولا يحس بشعبه ، إذ لا حاجة له يذلك . إلا أن الفرادة في بلدنا أن حالة الملوك هذه أقطعت لرؤساء الحكومات ومن في صفهم وأصبحوا يستحمِرون الشعب أيضا وهم يعلمون أن ليس في الشعب حمارا.*
الاستحمار سياسة صُممت للمجتمعات الجاهله وتُمارَس عليها في الأصل سياسيا ودينيا. ولكن حقولها توسعت . وما أن يمارس شيئ منه في دولة ديمقراطية ، سرعان ما يُكتشف ويفشل . فهل شعبنا الذي يَضحك على سياسة الاستحمار بأجلى صورها جاهل وغير واع على الواقع حتى تستمر هذه السياسة ؟ ، أم أن المستحمِرين ِ الذين يجمعون بين الغباء والتذاكي وبين الجهل والأستاذية وبين الوطنية والخيانة وبين التين والدين يفعلون ذلك كسنة يقتدون بها ؟. قد يكون ذلك ، ولكن باعتقادي أنهم لا يستحمِرون إلا أنفسهم .*
أسقَقط المستحمِرون دعوانا عندما نصَّبوا انفسهم قضاة . وسرقوا حجتنا عندما ما نصَّبوا انفسهم محامون لنا ، واغتصبوا شعاراتنا عندما تبنوها ، وحتى نفاقنا يركبونه عندما يطوفون حول الكعبة ، والكعبةُ أيضا لا تتكلم لتدافع عن نفسها . فلم نعد نُفرق بين خطابنا وخطابهم ، لتسجل الجرائم باسم فاعل مجهول .*
يعرف الاردنيون سوسهم ، ويعرفون المتطفلين وكل جلاديهم من عبيد السلطة والمال ، ويُفرقون بين الناسك وثيابه وبين الحمار والمستحمَر . لكن حالة الملوك عندما تُمنح الى هؤلاء العارفين بأن التكليف فرصة قصيرة ، يتحول عندهم الصَمم والعمى وانعدام الحس الى نَهَم فاضح في الافتراس والنهب والاستباحة بالصوت والصوره والفعل تحت الضوء ، يُسابقون الزمن والأحداث رافعين راية الفساد في بلد لا يرون لأنفسهم فيه مستقبلا . وفي استمرار غياب الشهامة والقانون ، ستكون الخيارات أمامنا مقلقه .*