التاريخ التوراتي ومفاهيمنا

من المعروف أن العهد القديم باسفاره ال 39 كان المصدر الوحيد للتاريخ الى ما قبل مايتي عام ونيف . حيث أن الثورة العلمية الاستكشافية الاثارية التي عززها فك شيفرة الكتابات المسمارية والهيروغليفية قد كشفت التاريخ الحقيقي لمصر وبلاد الرافدين وبلاد الشام كمسرح للحضارات القديمة . ولهذا السبب فقد ترسخت عبر القرون لدى سكان العالم ونحن بالذات مصطلحات ومفاهيم تاريخية ودينيه ثبت ان بعضها مزيف وبعضها مختلق وبعضها خاطئ .وسئل أحد المؤرخين اليهود في مقابلة تلفزيونيه عن رأيه في استمرار اليهود بالتمسك بتاريخ غير صحيح وكانت إجابته — هذا قد أصبح تاريخا لنا نقوم عليه ويجب أن نتمسك به — . أما نحن العرب والمسلمين فربما كان على أصحاب العلاقة منا أن يضعوا الجيل أمام الحقائق التي لا يخدم استمرار تغييبها أو تزييفها قضيتنا ولا ديننا . وأن نحاول إعادة النظر في تفسير الكثير من نصوصنا المتوارثة في تماه مع العلم والواقع وغربلة الكثير من مفاهيمنا ومعتقداتنا ومصطلحاتنا الخاطئه ولا نكرر التفسيرات اليهوديه والتي شكلت مفهوم الاسرائيليات عندنا . لا سيما عندما لا يجرأ الغربيون على اعادة كتابة التاريخ للأن

لقد وقف الكشف التاريخي الأثاري المكتوب والمقروء على كل مكونات ومتعلقات الحضارات القديمة الثقافية والعلمية والسياسية والعسكرية والاجتماعية . وعرى كل أو معظم ما جاء بالعهد القديم من أحداث أو أفكار أو أخبار وصنفها مابين مادة مزيفة أو مختلقة أو منقوله عن الحضارات القديمة ونفى كل ادعاءات العهد القديم في فلسطين والمنطقه . ونفى أي وجود لحروبهم مع الأمم ولفتحهم العسكري لفلسطين .وقد جزم بعض الباحثين أن العهد القديم صمم ليصنع قوما ومعتقدا ولغة وتاريخا دفعة واحدة لجماعة معينه. وقد استمرت كتابته لقرون ابتدأت في القرن السادس ق م وكان كتبته كثرا ومختلفي الثقافات والأهواء فجاء متناقضا يحتوي على كثير من الشر والتمييز العنصري واستباحة دم ومال الاخر الى جانب احتوائه على الحكم والمثل الانسانية المسروقه . ومن يقرأ الكتاب لا يجد اطلاقا ذكرا لمقومات الديانة التوحيدية فلا جنة ولا نار ولا يوم أخر ولا حساب . والثواب والعقاب هو في الدنيا فقط ومنصوص عليها . نحن جميعا نعرف أنه كتاب محرف دينيا . ولكن يهمنا انعكاسات ما جاء به علينا . مما يستدعي قراءته من قبل كل مهتم بالهجمة الصهيونية على الأديان والثقافات الانسانية من باب اعرف عدوك . إننا كعرب لو اطلعنا على ما جاء به وعلى واقع التاريخ لاستخلصنا حقيقة تاريخهم وأفكارهم وثقافتهم ولعرفنا أننا منساقين الى ما يشيعوه من مفاهيم ومصطلحات .

أختار هنا مثالا بسيطا كتوطئة لأمثلة عميقة إن ساعد الظرف ، وأتحدث عن عدم وجود لغة عبرية لغاية القرن السادس ق م . وهو ما يشكل جانبا من جوانب كثيره تسهم علميا في كشف زيف القومية اليهودية والممالك التوراتية بالوصف الذي جاءت به التوراة ، وعدم وجود علاقة لليهود القدامى في تسمية المدن الفلسطينية . فالعالم يعرف عن معتقد اليهود ولكنه لا يعرف أصولهم . وقد بحثت فيها مستعينا بالتاريخ وببحوث الباحثين . والنظريات في اصولهم لا تخرج عن ثلاث احتمالات تشمل الهيكسوس الخارجين من مصر سلما ، وأصحاب ديانة اخناتون الفارين من مصر ، وجماعات الهبيرو أو العبيرو التاريخية وجلها من الاراميين العرب المنسلخين عن قبائلهم

إن لغة اليهود قبل دخولهم لفلسطين في القرن الثاني عشر ق م ، كان يحددها المكان الذي جاؤا منه او انتماؤهم العرقي . فلو جاءت تلك الجماعة من مصر سواء كانت من جماعة سيدنا موسى ،أو كانوا مصريين من فلول أتباع ديانة إخناتون أو من الهيكسوس الذين حكموا مصر وطردوا منها سلما ، فإنهم بالضرورة كانوا يتكلمون المصرية حيث عاش الهيكسوس اربعماية عام في مصر. وأتباع ديانة اخناتون هم مصريين وخليطا من سكان مصر . أما إذا كانوا من جماعات العبيرو أو الهبيرو التاريخيه والمختلفة الأصول والقبائل فستكون لغة افرادها مختلفه حتى لو كان معظمها العربية . إلا أنهم وفي كل الأحوال أصبحوا لدى دخولهم فلسطين في القرن الثاني عشر ق . م مضطرين إلى أن يقتبسوا اللغة الكنعانية كلغة سكان ممالك فلسطين الأصلية أنذاك ، ليتمكنوا من التعايش مع مواطني المنطقة

وقبل تبيان كيفية تشكيل اللغة العبرية ، أشير الى إثبات دامغ واحد وحديث نسبيا على أن اللغة العبريه لم تكن موجودة قبل القرن السادس ق م . وأن الكنعانية أصبحت وبقيت لغة مشتركة لهم لمئات السنين شملت الفترة المفترضة لوجود وحياة داوود وسليمان كما تفترضها التوراة . حيث أخبرنا العلامة العراقي الدكتور أحمد سوسه (يهودي اعتنق الاسلام )في كتابه العرب واليهود في التاريخ ( صفحه 445 ) بأن محطة لندن العربية أذاعت بتاريخ 22 2 1970 خبرا عن اكتشاف مخطوطات في الخليل مكتوبة بلغة فلسطين الاصلية وتعود الى عام 700 ق م وهو ما يؤكد أنها هي اللغة السائدة في فلسطين في تلك الحقبة . وقد اتصل الدكتور سوسه بالإذاعة البريطانية مستفسرا عن الخبر . فأحالته الى المكتشف العلامه الامريكي جورج مندهال استاذ اللغات في جامعة ميشغن . والذي أجاب سوسه بكتاب مطول في 8 7 1971 جاء فيه ان اللغة المستخدمة في عهد داود وسليمان وبعدها هي الكنعانية وان النبي أشعيا سمى لغة ذاك العصر في القرن الثامن ق م بشفة كنعان.

وبهذا المفهوم فلم يكن هناك دولة عبرية بالمعنى الذي ورد في التوراة لعدم وجود الخصوصية الأساسية لها وهي اللغة.

أما كيف تشكلت العبرية ، فمن المعروف تاريخيا أن الأرامية قد انتشرت في الشرق الأوسط والهلال الخصيب كلغة أساسية وسيطرت على التعامل الدولي من الهند حتى مصر . وأصبحت هي اللغة التي يتكلم بها اليهود كغيرهم من سكان المنطقة . وكان اليهود أثناء وجودهم في السبي في بابل يتكلمون الآرامية الشرقية . وإن عزرا وجماعته من كتبة التوراة كانوا يتحدثون بها كلهجة آرامية ، وبها ابتدأت كتابة التوراة في بابل في القرن السادس ق م وأسمها توراث يهوه Torath yahweh. وهو الاسم التاريخي للديانة اليهوديه . .والآرامية حسب ما يؤكده علماء اللغة مشتقة ومتطورة عن الكنعانية . ويقول بهذا الباحث وعالم اللغات الايرلندي (روبرت ماكلستر)(Maclister R.S) ان اليهود كانوا يتكلمون الكنعانية والتي من فروعها اشتق الحرف الآرامي الذي تطور بدوره عن الفينيقي من القرن الحادي عشر ق م حتى القرن السابع ق م وكانت النصوص الكنعانية تتشابه مع الآرامية . ومع مرور الزمن يقول ماكلستر ان اسم اللغة العبرية قد خلع عليها في فترة متأخرة . ويذكر أن الباحث الإسرائيلي ( موشيه ديفيد كاسوطو) قد أيد بأن اللغة العبرية ليست سوى لهجة انفصلت عن الجذع الكنعاني وبأن هذه الفرضية لا يمكن دحضها .

بمعنى أنه تكونت لدى اليهود لهجة آرامية خاصة بهم وأصبحت تعرف فيما بعد بالعبرية . حيث أخذوا يكتبون بها مستخدمين الحروف الفينيقية القديمة بداية ثم أخذوا يكتبون بالخط السامري . ثم استخدموا الخط المسمى بالخط المربع الذي اقتبسوه من الآرامية القديمة ويسمى الأن بالخط الأشوري المربع .

ولدى دخول اللغة اليونانية للمنطقة في القرن الرابع ق م استخدمها اليهود لجانب الآرامية وترجم العهد القديم لها بما سمي الترجمة السبعينية . أما بعد خروج اليهود من المنطقة على يد الرومان ، وتشتتهم في مختلف بلاد العالم والى حين إنشاء اسرائيل فكانوا وما زالوا يتكلمون لغة الأقطار التي هم فيها الى جانب لغة اليديش التي طورها يهود اليوم الخزريين وهي مزيج من السلافية والالمانية مع بعض العبرية الارامية استخدمت الأحرف الهجائية العبرية في كتابتها ..