التحرر هو طريقنا للتحرير والنجاة.. فاحتلال فلسطين مرّ من عواصمنا.. ومشروع سحقنا ومحونا يمر منها.. الحل بيد الشعب لماذا وكيف؟

أمضت نخبنا المفكرة في جهود فردية عقوداً في البحث والتشخيص للحالة العربية المتراجعة منذ بداية القرن العشرين. فالعمل الجماعي ليس من ثقافة المكان والزمان للصحراوية والقبائلية إلا على شر. وكلما اشتدت المحن يتجه المثقف العربي للإستزادة، بينما جموع الشعب العربي تنتظر نتائج تفضي إلى عمل ولم يتحقق هذا. وفي العموم أقول بأن تزاوج الإستعمار الغربي مع المشروع الصهيوني وما نتج عنه من احتلال فلسطين بمقتضياته الممتدة للوطن العربي، وإقامة إسرائيل قاعدة سرطانية في الجسم العربي، هو المتسبب الأول عن كل معاناتنا الحاضرة والمستقبليه. فإلى أي مدى هذا الكلام دقيق وما هو الأكثر دقة. وكيف الخروج مما نحن فيه والنهوض. سؤال يحتاج لأسئلة تسبقه، ولجهد جماعي واعي مرماه العمل.
وفي السياق، إن سحق جهة لأخرى لا يُعزى في الواقع لميزان القوة. ولو كان الأمر كذلك لما بقي ضعيف على الأرض على قدميه. بل يعود لعدم امتلاك او استخدام الضعيف لوسيلة الحماية التي وفرها الله لجنس الحيوان، وترك للبشرية تدبرها. ففي حالتنا العربية، تشخيصنا فيه خلط بين النتيجة والسبب، وأغفال للنظرة ثلاثية الأبعاد لالتقاط نقطة البداية التي تحتضن واقعنا ووضعنا السياسي الحقيقي كأقطار وشعوب. إنها القاعدة التي انطلق منها الصهيو- غربي. لقد قفزنا عن هذا الواقع الذي ما زال يتعمق ويتعمق معه نجاح العدو وفشلنا. ومن هذا الوضع ومعالجته يجب أن تكون نقطة انطلاقنا للمواجهة وإلّا ” فللخلف در”. فلا مكان في التاريخ والكون ل “مكانك قف”.
فتقييم واقعنا السياسي الحقيقي، أننا شعب ما زال يعيش حالة استعمارية ممتدة منذ قرون، تجددت في بداية القرن العشرين بعنوان الاستقلال المزيف الخادع، وعندما نقول دولة وظيفية فيعني دولة مستعمرة بالوكالة، وهذا حالنا. فلم يكن دخول الاستعمارالصهيو -غربي الينا واحتلال فلسطين بمعزل عن واقعنا السياسي وواقع حكامنا، ولم يكن الإجهاز على فلسطين فيما بعد بمعزل عن الإجهاز على أقطارنا وشعوبنا. ومن يقول أن تحرير فلسطين يمر عبر فوهة البندقية أقول له صحيح ولكن البندقية لن تكون، وإن كانت فلن تكون ناجزة ولن نمتلك ناصيتها ما لم نصبح مع عواصمنا أحراراً. فعلينا أولاً أن نكون أحراراً لنضطلع بمهمة التحرير، وأن نتذكر بأن احتلال فلسطين مرّ من عواصمنا. ولولا زيف حاكمية حكامنا لما بلعنا فكرة استقلالنا ولما وصلت انتصارات العدو لحجم يفوق قدرته على استيعابها.
لقد ارتبطت الحالة العربية خلال قرن من الحراك السياسي والعسكري مع الحالة الفلسطينية بعلاقة طردية. فأي تأثير إيجابي أو سلبي على الوضع الاستعماري للأقطار العربية والحالة العربية عموماً ينعكس بذات النوع وكمه على فلسطين وقضيتها. وأي أثر إيجابي أو سلبي على الحالة الفلسطينية النضالية وقضيتها ينعكس على الحالة العربية بمثله ً. وما نراه، أن اسرائيل اعتمدت التلاعب بهذه العلاقة بتفعيل إضعاف الحالة العربية والإنتقال لإجبار العرب على فك الارتباط مع فلسطين وقضيتها وانعكاس ذلك على الحالة الفلسطينية سلبياً أكثر وأكثر، واستخدامها بدورها لتعظيم اضعاف الحالة العربية، إلى أن وصل اليوم الوضعان العربي والفلسطيني إلى أسوأ حالاته.
نعلم أن الحل الإستراتيجي لحالة حاضرنا ومستقبلنا لا يحتمل أقل من هدف استئصال السرطان الصهيوني من فلسطين ليسلم الجسم العربي ويتعافى وينهض. فالقضية الفلسطينية هي قضية العرب ومأساتهم ولا هروب منها إلّا لجهنم، ومن الخطأ الإستراجي القاتل والكفر الوطني القومي العقدي أن ننساق لهدف اسرائيل والغرب في عزلنا عنها أو عزلها عنا. فاعتراف أي نظام عربي باحتلال فلسطين هو اعتراف مسبق باحتلال كل الاقطار العربية الأسيوية ومصر وإخضاع الأخرى. ونعلم بأن طرد الإحتلال لا يكون إلا بالمقاومة المسلحه. ولكن علينا أن نتذكر العلاقة التبادلية بين الحالتين الفلسطينية والعربية. فلو كانت عواصمنا حرة ونظيفة لما وصلت فلسطين ووصلنا لهذا الدرك أصلاً. فمن العبث أن ننجح بمواجهة عدونا الخارجي الصهيو -غربي قبل أن ننجح بمواجهة عدونا الداخلي الذي بين ظهرانينا ونصبح أحراراً، ومن الصعب جدا أيضا أن تنجح المقاومة الفلسطينية دون ذلك
وبهذا، فالشعب العربي اليوم في كل قطر عربي يتحمل هذه المسئولية مباشرة. وحيث أن أقطارنا ليست مستعمرة استعماراً مباشراً بجنود العدو، فلا يكون التحرر الا سلمياً وبالضغط الجماهيري الحاشد والواعي وصولاً للعصيان المدني حتى يرضخ المستعمر وأدواته الداخلية الوظيفية. وأمامنا لهذه الغاية كشعب عنصران مؤثران في عملية الصراع من أجل التحرر، هما الحكام الوكلاء وهؤلاء موقعهم في الصراع معروف، و النخب وقيادات الأجسام السياسية الشعبية من احزاب ونقابات وهيئات المجتمع المدني. وهؤلاء دورهم أساسي كقيادة شعبية يفترض أن تكون أمينة وواعية تقوم بعملية التعبئة السياسية والحشد الجماهيري والتوعية وضبط النتائج كي لا تكون عكسية.
وللأسف، إن بلاء الشعب العربي في عملية نهوضه هذه هي في هذه النخب وقيادات الأجسام الساسية. وعلينا أن ندرك واقعها ودورها الذي تضطلع به. فهي ليست مجرد فاشله وإنما هي جزء أساسي من المشكله. لقد قادها العجز الى الاستسلام المبطن واتخاذها لنهج فيه متاجرة واستثماراً لهذا العجز، فاتخذت بصفتها الرسمية الممنوحة لها موقفا ووضعاً مسالماً من الأنظمة الوكيلة وبما يشبه التحالف معها. وكونت لنفسها نهجاً يكرس الواقع ولا يغيره وتستخدم في نضالها أسلوب الأنظمة للتخلص من المسؤولية. وتوقفت قياداتها عند التشخيص والنظرية وأصبح الكلام عندها يساوي الفعل. مما شكل أكبر نصر للعدو وحلفائه، وألحق التدليس وأكبر الضرر بدور الشعب وسلوكه ونهضته وقضيته
ولن يحصل التغيير في سلوك الشعب ما لم تتشكل القناعة الشعبية أولاً بعدم الثقة بالحاكم العربي الراهن مهما قال أو فعل فهم ليسو منا ولا نحن منهم ولا أستثني سوى الجزائر وتونس في هذه اللحظة التاريخية. وثانياً، ما لم يتوقف تعاطي هذا الشعب مع هذه القيادات والأجسام السياسية التقليدية القائمة. إنها سراب لا ماء فيه، ركضنا وراءه أطفالاً. فمأساة أن نبقى نصدق “بابا نويل ” ونحن كبار، ولا بد أن نسلك سلوك من يكبر لنتعامل مع الحقائق وليس الأوهام. وأن نبحث عن معادلة وطنية جديدة مضحية من صلب المعاناة…
الخدعة الكبرى
ولكي نعي تماهي هذه النخب والاجسام السياسية مع الأنظمة في الخيانة، وضرورة الإنقلاب عليها وصولاً لإيجادنا لأنفسنا وطريقنا أقول، إن أكير خدعة مدمرة لنا شعوباً وأوطاناً جاء بها إلينا الصهيوني، وتسلحت بها أنظمتنا الخائنة، ثم تسلحت بها أجسامنا السياسية في نضالها الخادع، هي خدعة المفاوضات بطبيعتها العبثية لنا والمنتجة للعدو، وتقوم على أن أنظمتنا عندما قبلت بمبدأ التفاوض فإنها قبلت أن تمارسه على الطاولة وتستمر به بينما الحرب علينا قائمة وإسرائيل مستمرة بتنفيذ مخططها على الأرض. أنظمتنا وأحزابنا ونقاباتنا التقطت واستخدمت نفس الخدعة الصهيونية لمواجهة عجزها أو تمرير خياناتها لشعوبها، هذه ليست سذاجة بل استحمار للشعوب من جحوش. فعلى صعيد الأنظمة نشهد على سبيل المثال مفاوضات سد النهضة كيف استمرت تجري أعواماً على الطاولة بينما استمرت معها أثيوبيا باستكمال بناء السد وملئ خزانه. وكذا أجسام حركتنا الوطنية فإنها استمرت تواكب تنامي واستكمال الاحتلال والتهويد وانهدام دولها وسحق شعوبها وتحوُّل حكامها لأدوات صهيونية، وهي مستمرة بالرد والتعامل مع هذه الحالة شعراً وخطابا وبيانات ً وهتافاً ورفضاً لا يتخطى لفعل أو ترجمة على الأرض
سؤال للشعب
تعلمون بأننا شعب نعيش مع أنظمة دجنتنا بالابتزاز بأمننا الشخصي وبقطع الرزق، ومع قيادات سياسية شعبية تدجنت بثمن بيع رسالتها للأنظمة ومستفيدة من بقائها،. بينما دُجِّن حكام أنظمتنا بكرسي الخيانة والعبودية والفساد الذي يبيض لهم ذهباً ومليارات يكنزونها وليس في رؤوسهم إلا النجاة بما قبضوا. فهل يدرك الشعب بأنه في المعادلة لا مصلحة له بالتدجين ولا عيش له ولوطنه وأنهما الضحية بحكم ترابط استهدافهما ؟. وهل يدرك بأنه ما لم يتغير من داخله ويتغير سلوكه ستبقى حالته وقضاياه المعيشية والاعتبارية تجنح للحضيض، وثقافته وعقيدته وتاريخه للتشويه، وشخصيته للمحو، وتجنح معها أقطاره وجيوشه للتفكيك وإعادة الهيكلة، والسيطرة الصهيوأمريكية المباشرة، وهل ما زال لا يعلم أنه بيئة للمد الصهيوني ومشروعه في وطن يباع بمزادات علنية على يد حكام هم سماسرة عقيدة وأوطان من فصيلة الإمعات ؟؟؟.
أما السؤال المُنتج في الختام، هل هناك من مؤسسة عربية متطوعة مع مجموعة أشخاص من أصحاب المال أو من جامعين لفلس نسميه فلس الوطن، لتأسيس بيت قومي يتولى فروعاً في العواصم العربية لاستقطاب العقول والضمائر والطاقات الشعبية العربية والإسلامية والقيادات الشبابية لصنع جيل يقلب الردة ويكون الند الواعي في الصراع في إطار مشروع عربي؟