الحائط والأقصى والقرار الدولي

يشكل حائط المبكى، كما أسماه بعض العرب، الأساس الذي تستغله وتستند اليه اسرائيل لاقامة حق تاريخي وعقدي لها في الأقصى وساحته المسورة. وسألقي الضوء في هذا المقال على هذا الملف وعلى الكيفية المدنية الناجحه التي عولج بها في ثلاثينيات القرن الماضي ، لتكون تذكرة للعرب . فالاحتلال لا يقيم حقوقا . واليهود لم يقيموا أي ادعاء لهم بالقدس أو فلسطين منذ ان اعلن الامبراطور ثيودوسيس الاول عام 381 الديانة المسيحية ديانة رسمية للامبراطورية الرومانية واخرجهم من فلسطين وحرم عليهم دخولها وتشتتوا الى اقليات متلاشيه خارج فلسطين، الى ان ظهرت الحركة الصهيونيه الخزرية، وحضرت معها الفكره الاستعمارية ….وأقاموا الادعاء .
وبدأت القصة المأساة التي قام عليها الادعاء مع حقب حكم المسلمين وتجاهلهم العهدة العمرية وتسلل اليهود للقدس عبر القرون. والسماح لهم بزيارة الحائط والصلاة قبالته حتى أصبح المكان شيئا فشيئا مصلى لهم وخاصة في فترات الحكم التركي . حيث اعتبر اليهود الحائط بانه يمثل الجدار الغربي من هيكلهم الثاني الذي بني في عهد حكم الفرس وأن الحجارة الكبيرة الموجودة في أسفله تشكل دليلا على ذلك ،. وهو الأمر الذي ادى الى تكريس دعوى يهودية لتحويله الى ما يشبه الكنيس اليهودي . أما حائط المبكى هذا فهو في الواقع حائط البراق أو الجدار الذي يشكل قسما من الحائط الغربي للحرم المحيط بالمسجد الأقصى أي انه احد جدران المسجد الأقصى
ومن الجدير ذكره أن عالمة الآثار البريطانية كاثلين كينيون قد عثرت خلال تنقيبها في الفترة بين 1960 -1967 والتي شملت مسح كامل منطقة الحرم الشريف ،على جزء من أساسات سور هيرودوت. وتقول كينيون ان جزءا منه ما زال قائما ويعرف بحائط المبكى . ولم تعثر على أي دليل على الهيكل .
إلا أن الأمر تطور فيما بعد وانصب اهتمام الوكالة اليهودية ومتطرفو اليهود والصهاينة على مدينة القدس ، مستغلين الحائط في هذا ومدعين ملكيتهم له كوسيلة تكسبهم حقا تاريخيا بالأقصى وبفلسطين ، وقاموا بعد الاحتلال البريطاني ووعد بلفور بالعمل على تكريس واقع جديد في الموقع للحصول على حق قانوني أو دولي بملكية هذا الجدار بغية تشكيل أساس للتمدد لغيره مما أدى لقيام ثورة البراق عام 1929 . حيث شكلت الحكومة البريطانية في 13 سبتمبر 1929 لجنة عرفت بلجنة شو للتحقيق في المسأله التي بدورها أوصت برفع الأمر لعصبة الأمم من واقع المادة الرابعة عشرة من صك الإنتداب
. وقامت عصبة الأمم بتشكيل لجنة دولية محايدة في أيار عام 1930 برئاسة وزير الشؤون الخارجية السويدي السابق , وعضوية نائب رئيس محكمة العدل في جنيف ورئيس محكمة التحكيم النمساوية الرومانية المختلطة وحاكم الساحل الشرقي لجزيرة سومطرة السابق وعضو برلمان هولندا , وعقدت اللجنة 23 جلسة قدم فيها الطرفان العربي واليهودي 61 وثيقة منها خمس وثلاثون مقدمة من اليهود وست وعشرون وثيقة مقدمة من المسلمين . واثبت العرب ان زيارة اليهود للحائط كانت منحة محددة من الدولة العثمانية لم تشمل ازعاج ولا ادوات جلوس.
وبعد خمسة اشهر من الجلسات اصدرت اللجنة قرارها الإجماعي في ديسمبر 1930 جاء بفقرته الأولى ما نصه (( للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءا لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف التي هي من املاك الوقف , وللمسلمين أيضا تعود ملكية الرصيف الكائن امام الحائط وامام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفا حسب احكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير )) وأشارت اللجنة الى ان ادوات العبادة لا تنشئ حقا عينيا لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له . وقد وضعت احكام هذا الأمر موضع التنفيذ اعتبارا من 8 يونيو 1931.
أن الاحتلال الاسرائيلي عام 1967 للقدس الشرقية تجاوز الحكم الدولي بملكية العرب للحائط وكل المدينة المسوره ،وتبلور الموقف اسرائيلي الى قدس موحده تحت السيادة الاسرائيلية بما فيه المنطقه المسوره وأصبحت القدس اليوم هي العقبه الكأداء أمام التسويه وتحجمت أمامها المطالب العربية . وهنا انبرى العديد من الإسرائيليين من مختلف الاتجاهات السياسيه وطرحوا العديد من الحلول للقدس وكلها تتضمن بسط السيادة الاسرائيلية على المدينة والمقدسات الاسلامية والمسيحية . ولم يلق أي منها اهتماما لدى القانونيين والسياسيين والمفكرين الدولين لكونها حلولا أحادية النظره . وطرح بالمقابل مقترح للتسوية من الاستاذ عدنان ابو عوده من خلال مقاله الشهير two capitals in an undivided Jerusalem الذي نشر في الصحف والمجلات الدولية العريقه ولاقى اهتماما دوليا على مستوى المفكرين والجامعات الغربية سيما وأنه يعقلن المقترحات الاسرائيليه ويرسخ حضورا مسيحا . والمقترح يعتبر المنطقه الدينيه المسوره هي التي تبقى غير مقسمه وغير تابعه لسيادة أي دوله ، ويغطي اهتمامات الاديان الثلاثه المعنوية والدينية فيها ويزيل محاذيرها . ورغم أن اليهودية لا تملك أي معلم ديني في القدس بعد سقوط دعواها بالحائط كما أسلفنا . إلا أن المعروض اسرائيليا على العرب ، وما يطالب به المسئولون العرب في الظرف الدولي الحالي يجعل من مقترح الاستاذ ابو عوده حلما عربيا بعيد المنال .
وفي السياق فقد تفضل وسألني الاستاذ ابو عوده عطفا على مقالي السابق ( سر القدس ومبدأ التسوية ) فيما إذا كنت أنظر لمقترحه من قبيل الحل المدني فأجبته بنعم ، وذلك من واقع استناده لمبادئ القرار 242 الراسخه في القانون الدولي واستبعاده البعد الديني في التفاوض والتملك . ومع أني هنا لا أبدي وجهة نظري بطبيعة المقترح بل بشكله ، إلا أني تمنيت لو تضمن رفع العلم الفلسطيني على المنطقه المسوره كمجرد رمز للسيادة العربية عليها حفظا ودعما لحق الأجيال لا تركها بحكم المدوله . ولا اعتقد ان السيادة الرمزية تفقد المقترح معناه لأن هدف حرية العبادة ورعاية مقدسات الاديان الثلاثه بما فيه الحائط ساقط الحجة أنيط بمقدسيها .