التحالف الامريكي الاسرائيلي في هجمته على ايران لا يقوم على هدف واحد بل على هدفين مختلفين في طبيعتيهما ويشكل الواحد منهما خصوصية لصاحبه وهاجسا قويا، ويعترف كل طرف بسعي الأخر لتحقيق هدفه ويدعمه، فأمريكا تريد النفط والمال الخليجي كله بيدها وتحت تصرفها من البوابة الإيرانية، واسرائيل تريد التخلص من حزب الله وفكرة المقاومة في المنطقة من البوابة الايرانية ليسهل لها هضم احتلال فلسطين.
–
تضخيم الملف الايراني الى خطر على العالم واسرائيل والخليج، الى جانب ما افتعلته امريكا من أحداث وأزمات في المنطقة بإقحام ايران فيها، هي ذرائع دسمة اتخذت شكل ملفات تستخدمها امريكا باتجاه تحقيق الهدفين المشار اليهما. ومن المهم العلم بأن طبيعة الملف النووي وأهميته وهدفه عند الأوروبيين والروس وأمريكا لا تكمن في امتلاك ايران لسلاح نووي كالباكستان مثلا، وليست هناك وسيلة أصلا لمنع ايران من تطوير سلاح نووي كهذا، بل ينطلق هدفهم من هاجس الخوف فيما إذا تركت ايران فإنها قد تطور ترسانة نووية متقدمة تضعها في مصاف الدول العظمى وتصبح خطرا على النظام الدولي القائم وزعاماته، وهم في هذا يضعون باعتبارهم أن لدى ايران الطموحات وكل المقومات كإمكانيات مادية وجغرافية وفنية.
وفي هذه الحالة ستبقى دول أوروبا وروسيا ملتزمة بالاتفاقية لتسوية الملف النووي الايراني في حين أن ترامب الذي يتفق في الواقع مع الرؤية الأوروبية سيمضي بصنع واستخدام خلافاته مع أوروبا وغيرها كروسيا بشأن مسائل أخرى، ويثير الزوابع حول الاتفاق النووي ليصنع لنفسه هامشا في استخدام القوة او التهديد بها ضد ايران لتحقيق أهدافه وأهداف اسرائيل المشار اليها أعلاه.
ترامب لن يشن حربا على ايران بدون دراسه معمقه من الجهات المتخصصه، فهذه مسئولية كبيره، ومع أن صناع القرار في أمريكا يوافقون بل يريدون تحقيق الهدفين المشار اليهما إلا أنهم يعلمون بأن الفشل في استخدام الحرب له عواقب سياسية وخيمة على امريكا، وأن تحقيق الهدفين لا يكون بأي ثمن . ومن هنا فإن ترامب لن يبدأ بعمل عسكري ضد ايران إلا بعد ضمان توفر شروط أساسيه لبدئها وانتهائها، وهذه هي مشكلته الأساسية الأن . وإن توفرت وشن الحرب فسيكون ذلك في سياق الذرائع المتصاعدة في المنطقة أكثر من استخدامه لذريعة الملف النووي الجدلية الطبيعة في خلافه مع الاوروبيين وروسيا.
أما هذه الشروط فهي على شكل تساؤلات، وعلى ترامب تحضير الاجابة عليها وتذليلها كصعوبات أولا، وهي ولا شك أمام صناع القرار هناك، وأبرزها:
1- كيف سيضمن جعل هذه الحرب مع ايران محدودة، لا تدميرية ومكلفة على أمريكا واسرائيل، ولا تدميرية لإيران أيضا فاستمرارها قويه للاستخدام الخليجي ضروري
2- كيف سيجعلها تدميرية على دول الخليج، لتكون حربا منتجة تمكنه من وضع يده على كامل نفط ومال الخليج تحت بند إعادة الاعمار
3- كيف سيضمن منع فتح جبهة في سوريا وشمال فلسطين أو جعلها محدودة الرقعة والمفعولية
4- وأخيرا كيف سيضمن أن تؤدي هذه الحرب الى رفع يد ايران عن حزب الله سواء بالإكراه أو التفاوض السياسي.
فهذه كلها عوامل تتحكم بتحديد أو لا تحيد ساعة الصفر في مواجهة عسكرية مع ايران، فليس هناك من هدف أمريكي مرسوم لإيران بالمحصلة النهائية إلا أن تدخل في الحظيرة السياسية التي تتواجد فيها باكستان وبقية الدول الاسلامية الكبرى.
المهم الأن هو، في حال أن ضمنت أمريكا الشروط وقررت العمل العسكري ضد ايران فما هو المطلوب لها من دول الخليج وبعض الدول العربية وهي تعلم أن ليس عند تلك الدول أية إضافة كمية أو نوعية تحتاجها وليس عندها راي او قرار سياسي مستقل عنها، وتعلم بأنه ليس مطلوب منها أية مساعدة عسكرية فنية أو لوجستية. فأمريكا موجودة هناك على اراضيها ومياهها وقواعدها مستعمرات، وتمويل كلفة الحرب لا خلاف عليه.
المطلوب من دول الخليج في الواقع باستثناء عُمان هو مسمى اصطفافها مع امريكا في الحرب وأن تكون جزءا منها لتصبح هدفا واضحا في مشروعيته وقانونيته لإيران، ويتم بالتالي تدمير بناها التحتية في كافة المجالات، كنتيجة مطلوبة للهدف المالي- الاقتصادي الخاص بأمريكا، أما انضمام بعض الدول العربية مثل الأردن ومصر مثلا للتحالف مع أمريكا في الحرب على ايران فهذا أمر يعود الى رغبة امريكا وتقديرها لأهميته أو ضرورته لها وليس لتلك الدول، فالرغبة الامريكية ان توفرت بجر هذه الدول سيكون هدفها بتقديري لا يتجاوز غرضين، الأول، التسويق إعلاميا لتبرير الحرب دوليا، أما الثاني فهو تعزيز التطبيع والتعاون مع اسرائيل من جهة وتعزيز العداء لإيران من جهة أخرى.
نحن في اعلاه نناقش مفترضين وجود نية لأمريكا في الحرب، والواقع أنه لو كانت هناك قناعة راسخة أو رغبة لدى أي من أمريكا وإيران بالحرب لكن سلوكهما مختلفا على الارض، ولفعلتها إحداهما بعد طول الاستفزازات وتصريحات التهديد والتحدي، وهذا يشير أو يفسَّر على أن لدى الطرفين أمل ورغبة في تحقيق أهدافهما بسلام ودون حرب.
فأمريكا تعلم بأن صراعها مع ايران مفتعل على خلفية تدمير البنية العربية وتنفيذ المخطط الصهيوني في فلسطين ونهب المال العربي، وأنها هي من تقاسمت العراق مع ايران وورطت السعودية في اليمن وبإمكانها حسم المسألة ولا تفعل ذلك، وأنها هي من سهلت دخول ايران الى سوريه وتناور عليه الأن، وإيران تعلم كل ذلك مهما أفتت لنفسها غير ذلك، وأمريكا تعرف بأن عداء اسرائيل لإيران سياسي بالمحصلة لا وجودي كما في الحالة مع العرب، وأنه يمكن تسويته، وإن أي نظام إيراني وطني مهما كان متشددا عقديا فإنه حين يجد الجد لن يُضحي بمصلحته القومية ولن بُعرض وطنه وشعبه ومكاسبه للخطر على مذبح ارض عربية أو شأن عربي أو غير عربي . فنَفَسها في الصمود والوقوف مع القضية الفلسطينية للنهاية تُقَصره إمكانياتها كدولة ليست في مصاف الدول العظمى وتمنع من ذلك هي وغيرها:
وختاما أقول، إن أمريكا تحمل الأن مشروعا له الأولوية عندها وعند اسرائيل وهو تصفية القضية الفلسطينية بصفقة القرن، ومن معطيات هذه الصفقة حصولها على مشاريع خليجية تستنفذ وترهن المال الخليجي لصالحها وصالح اسرائيل .ولذلك فستسعى في حالة عدم قدرتها على تأمينها لشروط الحرب أعلاه الى اتفاق سياسي مجزي لإيران من خلال اخراج ما، بحيث بضمن رفع يد حزب الله عن التدخل الساخن بإسرائيل، وكلنا نعلم كيف أن كل المعاهدات العربية الاسرائيلية نصت على انها جزء من الحل الشامل الذي يحقق الحقوق الفلسطينية في اطار الشرعية الدولية . وكان ذلك هو الغطاء الكاذب لقبول الحكام العرب بها وفرضها على شعوبها.
والحديث الذي نسمعه في هذا الظرف العربي الرسمي عن المطالبة بمبادرة عربية لاتفاقية سلام مع ايران هراء سياسي ومن واقع ما كان يجب أن يكون، ومحاولة متأخرة للتكفير عن الخطأ، فهذا عمل تقوم به الأنظمة الحرة وليس العميله والراكعة التي استُخدمت لتكون الفرصة في هذا مهيأة لأمريكا.
كاتب وباحث عربي