يبدو أن نظام الأمم المتحدة السياسي المتولد في اعقاب الحرب الكونية الثانيه ما زال عصيا على التغيير أو التعديل أو الاصلاح رغم تغير الظروف الدولية التي نشأ في ظلها، سياسيا وجغرافيا وسكانيا واقتصاديا . ورغم مرور اكثر من 25 عاما على مطالبة الدول بذلك وتشكيلها اللجان التي تشارك فيها على سبيل التمويه والاستيعاب السلبي والتعطيل، الدول الخمس الدائمة العضوية التي ليس من مصلحتها نجاح هذا المسعى، فإن خطوة واحدة للأمام لم تحدث من واقع أن تغيير في الميثاق ومزايا وحقوق مجلس الأمن سيكون على حساب مكاسب الأعضاء الدائمين، الذين يجردون الجمعية العامة كممثلة للمجتمع الدولي من اختصاصاتها المفترضة من خلال مواد الميثاق لصالح مجلس الأمن، بوكالة غير قابلة للعزل نصت عليها المادة 24، ويعطي الميثاق بنفس الوقت دوله الدائمة العضوية حق تعديله أو منع تعديله من خلال الفقرة 2 من المادة 109 . ومن هنا فإن النظام الدولي القائم والمتمثل بقواعد واختصاصات مجلس الأمن سيبقى ، ولا يزيله سوى حرب كونية ثالثه ومنتصرين جدد . وهذا مستبعد لأن مثل هذه الحرب ليست من مصلحة أحد من تلك الدول الدائمة العضوية ، وعليه فإن قرارات مجلس الأمن ستبقى العامل المعطل أو المقنن والموثق لمآلات الدول ومنها الدول العربية التي تعيش مخاضا سياسيا عسكريا يؤدي للتغير، لغير صالحها أوطانا وشعوبا، ومن باب أن الأمم المتحدة لعبة لا يكون من ضحايها الا الدول الضعيفة مما يفرغها من هدفها الاساسسي في تحقيق الأمن الجماعي ، ونظرا لغياب ثقافة هذه المنظمة وقراراتها عنا نحن العرب، فقد يكون مفيدا تناول جانب من ألياتها الافتراسية وهي قرارات مجلس الأمن . أتناولها هنا من حيث انواعها وطبيعتها من واقع خبرتي العملية في المنظمة لأكثر من عقد .فهذه القرارات هي لعبة بحد ذاتها ، والميثاق يرسخ قواعدها ، كما يرسخها جهل المشاركين في نقاشها وصياغتها . حيث طور المجلس عبر السنين ثلاثة أنواع من القرارات لا نص عليها في الميثاق. ولكنها أصبحت الوسيلة في تعامل مجلس الأمن مع قضايا الدول بشكل يحقق مصالح الأعضاء الدائمين فيه .
وبداية يجب أن ننتهي من اعتقادنا الخاطئ بأن قرارات المجلس بعضها ملزم وبعضها غير ملزم . فكل قراراته ملزمة استنادا لنص الميثاق، وكلها على قدم المساواة ونفس القوة وتحت أي فصل منه تصدر، ولا ينتقص من الزاميتها أو يزيدها إن صدرت وفقا للفصل السابع أو السادس أو غيرهما . بل أن المادة 25 من الميثاق تنص على تعهد الدول الاعضاء بقبول قرارات المجلس وتنفيذها ، وأن الدول الراغبه بالإنضمام للأمم المتحدة تقدم تعهدا في هذا كشرط لقبول عضويتها . لكن الفصل السابع يتضمن دون غيره آلية لتنفيذ قرار المجلس باستخدام الجزاءات أو القوة العسكرية . وضعها صائغوا الميثاق اتفاقا منهم جميعا على تنفيذ قرار حين يهم أحدهم او بعضهم ولا يضر تنفيذه بمصالح بقية الأعضاء الدائمين . ويحز في النفس هنا ما أستذكره من قول لأمين عام عربي للأمم المتحدة قاله في ردهتها ، وهو أن القرار 242 غير ملزم لأنه لم يصدر وفقا للفصل السابع . أما أنواع القرارات التي طورها المجلس خلال السنين والتي يجدر بحكومات الدول العربية معرفتها حتى لا تتساوى الكلمة مع الفعل فهي .
النوع الأول يتمثل بقرارات يصدرها المجلس ولا يقصد أو ينوي تنفيذها ، وهي القرارات التي لا تقع في دائرة اهتمام أي من أعضاء مجلس الامن الدائمين ولكن عدم تنفيذها هو الذي يقع في دائرة اهتمام بعض اعضاء المجلس دون أن يكون تنفيذها مطلبا حيويا للبعض الأخر منهم . ومثل هذه القرارات يصدرها المجلس بناء على طلب أحد طرفي النزاع على خلفية مخالفة صريحة للميثاق والقانون الدولي ، فيصدر عندها المجلس القرار بدافع الحياء والحرج والتمويه . وهنا فإن الطرف المدان المطالب بتنفيذ القرار يقوم بتجاهله أو لا يطبقه بذرائع منها أن الامر يدخل في صميم السلطان الداخلي للدولة أو أنه يضر بمصالحها العليا ، أو يكتفي بالتلكؤ في التنفيذ بالتنفيذ وهو يعلم بأنه لن تترتب عليه ملاحقة . والمجلس لا يدقق في كل هذا . والطرف المتضرر هنا لا يكون متمتعا بتحالف استراتيجي مع أي من الدول الدائمة العضوية ، وللأمثلة على هذه القرارات هي جميع القرارات المتعلقة بالقدس ، والقرار رقم 425 1978 المتعلق بانسحاب اسرائيل من لبنان
أما النوع االثاني فهي قرارات يصدرها المجلس بصورة توفيقية ويستحيل عادة تنفيذ مثل هذه القرارات عمليا لأنها تصاغ بطريقة يلفها الغموض والمطبات والعموميات ، وتؤمن تفسيرات مختلفه للفقرة الواحدة وتؤمن النقيض لها بنفس الوقت . فعند صياغة القرار نجد كلا من طرفي النزاع ينظر للإيجابيات الخاصة به دون رؤية المطبات أو ايجابيات الطرف الأخر . وفي مثل هذه القرارات يكون أحد طرفي النزاع متمتعا بحليف استراتيجي من بين الدول الاعضاء ولا يتمتع الطرف الثاني بهذه الميزه فالقرار التوفيقي هنا يكون خيارا لا غنى عنه للأعضاء الدائمين لأن المسألة على خلفيه خطيرة يجب على المجلس احتوائها ولا يوجد اتفاق بشأنها بينهم أو بين أعضاء منهم ، وبهذه الحالة يكون الجميع حريصين على تجاوز الاختلاف لأن الهدف يصبح مجرد اصدار قرار كبديل عن القرار الصحيح والقانوني لمعالجة الموضوع حتى لو كان على خلفية احتلال قائم وذلك حفاظا على مصلحه استراتيجيه لأحد او بعض الاعضاء الدائمين . ومن ابرز الأمثله على هذا النوع من القرارات هو القرار 242 1967
أما النوع الثالث فيكون على شاكلتين
الأولى هي قرارات يتخذها المجلس وهو يقصدها ويتعهد بتنفيذها . وهذا النوع من القرارات أصبح ممكنا اتخاذها بعد انتهاء حقبة القطبية الثنائية وحدوث الانسجام بين الأعضاء وعدم اللجوء للفيتو دون عيار . وينطوي على تفعيل المواد من 41 الى 49 من الفصل السابع من الميثاق التي تتضمن ألية لتنفيذ القرار تبدأ بالجزاءات والعقوبات وتنتهي بالعمل العسكري بهدف إعادة الوضع السابق لنصابه لا أكثر ، ولكن التجارب تبين أن المجلس يتجاوزه في كثير من الحالات . ويشير القرار في ديباجته عادة الى أن المجلس يتصرف وفقا للفصل السابع . ومع ان القرارات التي تتخذ بموجب هذا الفصل يجب أن تقتصر على حالات وقوع العدوان المسلح على الارض او في حالات الاحتلال أو حدوث اخلال ماثل في السلم والامن الدوليين الا أن المجلس يلجأ احيانا لهذا الفصل اعتباطا تحت أي ذريعة يختارها بصرف النظر عن طبيعة الحالة التي امامه . ويحدث اللجوء الى هذه القرارات غالبا في حالة أن شعر احد الاعضاء الدائمين او بعضهم وخاصة الفاعلين منهم ان الامر موضوع البحث او القرار يصيب دائرة مصالحهم الحيوية او مصالح حليف استراتيجي له او لهم . والتحالف الاستراتيجي هنا يتعدى الصداقة والمصالح الظرفية الى وجود روابط بين البلدين تتجاوز اعتبارات السيادة والمبادئ والقانون الدولي . ومن الامثله على هذا النوع كل القرارات المتعلقة بالأزمة بين الكويت والعراق .
الشاكله الثانيه قرارات يصدرها المجلس وفقا للفصل السابع بناء على رغبة أحد أعضائه أو بعضهم ليس بقصد التنفيذ بل بقصد التمويه والتهديد والمقايضه السياسية مع الدولة أو الجهة الصادر بحقها القرار أو مع حليف لها لفعل شيئ او الامتناع عن فعل شئ أو لمجرد الاحتفاظ بالقرار كورقة مستقبلية في سلة المقايضات . والقرار هنا لا يهدف لتغيير الواقع على الارض او تصويبه لأن هذا الوضع لا يتعارض واقعا مع المصالح الحيوية للدولة الدائمة العضوية التي تقف خلف اتخاذه ، أو حتى ربما أنه يتفق مع مصلحة لها ، ولذلك تكون مثل هذه القرارات مقتصرة على العقوبات الاقتصادية والاجرائية الأخرى دون استخدام القوة أو الاشارة لاستخدامها . وغالبا ما يكون اتخاذها لصالح طرف صديق لحليف له غير استراتيجي. ومن الأمثله الحديثة على هذا النوع هو القرار الأخير بشأن الحالة في اليمن.