تبدو الصهيونية وكأنها دولة العالم العميقه . وإسرائيل هي بوصلتها في تحديد اتجاهاتها نحو الدول والمنظمات والأشخاص . هدفها النهائي إخضاع العالم لخدمتها وتحقيق المشروع التوراتي العنصري . إلا أن الديمقراطية في الدول كافة تشكل عائقا أمام تحقيق أهدافها وتحديا لا يتوقف ولا تتوقف مواجهة الصهيونية له . فالديمقراطية تمثل آلية تفعيل خيار مصالح الشعوب والدول وحمايتها ، ولا تمثل خيارا للصهيونية ومخططاتها ، بل تسد الطريق عليها ، وتضعها في مواجهة الشعوب . ليصبح اختراق الديمقراطيات القائمه ، وعرقلة قيام أنظمة ديمقراطية في بقية الدول مسعى للصهيونية على شكل سيرورة ..
. فأمام الصهيونية مشهدين عالميين ، الأول يتمثل في دول بنظم ديمقراطية قائمة ومستقرة كنهج حياة ، والآخر دولا دكتاتورية أو شمولية تطمح شعوبها للنهج الديمقراطي . وكلا المشهدين يشكل تحديا للصهيونية وأهدافها المعزولة عن أهداف الشعوب .وكان عليها لذلك أن تسلك سبيلين مختلفين لمواجهة التحدي في كلا المشهدين . ففي المشهد الأول ، دولا كانت المصادفة التاريخية أن ولادة الديمقراطية فيها كنهج قد سبقت ولادة الصهيونية او زامنتها . وفي المشهد الثاني ، دولا أخرى لم تكن نفسها قد ولدت او استقلت حين ولادة الصهيونية ولم تتمكن شعوبها لليوم من اتباع النهج الديمقراطي ولكنها تطمح اليه.
ففي المشهد الأول واظبت الصهيونية على التعامل مع تحدي الديمقراطيات الغربية الناضجه ، من خلال اختراقها وتوجيه سياساتها وقراراتها بواسطة الأشخاص واللوبيات والمنظمات والجمعيات الدولية التي تصنعها داخل الدول وتدعمها . واستخدمت في ذلك امتلاكها لسلاحي المال والإعلام اللذين صنعت بهما متنفذين ومراكز قوة ووسعت بهما نطاق سيطرتها إلى القطاعات العامة والخاصة وممارسة الارهاب السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في توجيه وتمرير السياسة الصهيونية والعمل على تقنينها أو دسترتها لتصبح ضمن النظام الديمقراطي . وتفاوت نجاح الصهيونية بين دولة وأخرى ولكنه ويجير من دولة لأخرى . ولم يكن هذا كافيا للصهيونية، ولذلك،
تطور سلوك الصهيونية في مواجهة الديمقراطيات الغربية الى العمل على زعزعة استقرار وأمن دولها وشعوبها ليبدو نهجها الديمقراطي قاصرا ثم فاشلا . ونحن اليوم أمام تآكل وتراجع للديمقراطيات الغربية ، وراءه التآمر الصهيوني في خلق وتوجيه الارهاب نحو تلك الدول . حتى بتنا أمام هدف نخر وإسقاط نهج الديمقراطية الغربية لحساب الصهيونية وعلى حساب مصالح العرب والمسلمين في المرحلة الحالية .
أما التحدي الديمقراطي الذي يواجه أالصهيونية في الدول الاخرى او التي قد تسعى للديمقراطية ، ومنها الاسلامية والعربية . فالصهيونية تعتبر الديمقراطية فيها أمرا محرما ومحظورا ، ونحن نتكلم هنا عن ثلاثة أنواع من الدكتاتوريات تحكم هذه الدول ، كلها معادية للديمقراطية وتصنع في المحصلة دولا فاشلة ومهزومه ، وكلها مقادة بفكرة الشخص المخلص المعزولة عن الارادة الشعبية ، ، لكن الواعين من شعوبها يطمحون للديمقراطية ، والصدف لها دور حاسم أحيانا . ولمنع التحول الديمقراطي فيها تعمل الصهيونية على مسارين طبقا لأنظمة الحكم القائمة فيها .
. الأول هي الدكتاتورية الوطنية التي يعادي فيها الدكتاتور الصهيونية فعليا ويستهدفها فعليا كأولوية له قد تطغى على السلطة بصرف النظر عن قدراته ، والصهيونية قادرة على تمييزه ومعرفته ويمثل هذا النوع رأس المثلث . وفي هذا النوع تعمل الصهيونية على ضبط إيقاع الدكتاتور بعيدا عن التوجه الديمقراطي بالاختراق الاستخباري وتوجيه الإنقلابات حين تفشل عملية نفخه وتحويله لغول عالمي وتفشل معها عملية إيقاعه في المصائد . فهو مستهدف لمنع ضرباته الطائشه ، ولكنه ليس خطا أحمر للصهيونية إلا في حالة التوجه للديمقراطية . فلو وضعت اسرائيل بين خياري نظام أردوغان الأطلسي والصديق لها ، وبين إيران العدوة والمهددة لها ، لاختارت النظام الايراني . لأن الأول يسير على الطريق إلى الأمام والثاني يسير إلى الخلف
النوع الثاني فهي الدكتاتورية الوطنية الزائفه . وفيها يقوم الدكتاتور بإعلان وتسويق معاداته للصهيونية واسرائيل . ويستند في شرعية سلطته على الشعارات وهو عمليا لا يدخل بمغامرات مع اسرائيل حتى لو استهدفت بلاده . فاستقرارسلطته هي أولويته ودونها فقط يواجه عمليا . ويمثل هذا النوع الخط القاطع لوسط المثلث. وتعلم الصهيونية أن إيقاع الدكتاتور في هذه الشريحة مضبوط ، فهو لا يتصرف وفق شعاراته بل وفق ما يبقيه في السلطة ، وإرادته السياسية التي يمتلكها هي رهن المساومة لخدمة سلطته . وتحافظ الصهيونية على إبقاء هذا الدكتور وسلطته ما لم تظهر حاجه حقيقيه لتغييره ، فاسرائيل لا تغامر باستبدال الحسن بالأحسن لديها ما لم تكن عملية مضمونة النتائج . وكون هذا النوع من الدكتاتوريات هو أكثرها تنظيرا ومزايدات سياسية لتبقي على شعبية النظام ومشروعيته ، إلا أنه أكثرها هشاشة وتأهيلا لخطر التحول الديمقراطي ، فتعمد الصهيونية لسياسة الانقلابات كمنتج صهيوني ولعبة امريكية بامتياز . وهذا حفز الدكتاتور في هذه الشريحة على التحول الى إعادة هيكلة الجيش وعقيدته القتالية لتتحول نحو حمايته .
.. أما النوع الثالث فهي الدكتاتورية غير الوطنية وتمثل قاعدة المثلث . يقيم فيها الدكتاتور علاقات صداقة او تحالف مع اسرائيل مركز الصهيونية ، وعلاقات موجهه مع الدول الأخرى . ويكون تحالف هذا الدكتاتور ونظامه مع اسرائيل من طرف واحد بمعنى أنه يقدم ما يطلب منه مقابل حماية سلطته والتغطية الدولية على سياساته الداخلية . فهذا النوع من الدكتاتورية يشكل النقيض التاريخي للديمقراطية . فتعمل الصهيونية من ناحية على ربط مصالح الدكتاتور وعائلته بها بتعميق التواصل العلني والسري معه ومساعدته فنيا وسياسيا بالخبراء في تعزيز سلطته المطلقة داخليا لاستبعاد الديمقراطية في المؤسسات ، وتعمل من ناحية ثانية بالتعاون مع اجهزة الاستخبارات الدولية لكشف أي جهة داخلية تخطط لعمل قد يذهب بنطامه واحباطه.
إن الديمقراطية تشكل خطرا كبيرا على اسرائيل والصهيونية وأهدافها ، وغيابها يشكل مقتلا للدول العربية والاسلامية . فهي معركة حياة او موت مع الصهيونية من ناحية ، ومعركة ثقافية وسياسية مع الموروثات ، نحن بحاجة لصحوة شعبية ولمنتوج سياسي محلي