الشعب الأردني كله مشروع تهجير.. لا صفقة ولا توطين ولا وطن بديل.. الأردن مستباح ويجري احتلاله.. والشعب يتخلى عن الأمانة وينقل ملف القضية للسماء

بداية أستحضر حقيقة أن المشاريع على انواعها ومنها السياسية يضعها أصحابها في البداية على القياس المطلوب كاملة بأهدافها النهائية وبمراحلها، إلا أن هذه الأهداف والمراحل تتغير طبقا للواقع الميداني لدى التنفيذ. فقد تتطور وقد تتقلص وقد تبقى على حالها وقد تفشل كليا بموازين الميدان. وامامنا المشروع الصهيوني هدفه الكامل كما هو معلن عنه هو احتلال المنطقة العربية من الفرات الى النيل.
على الأردنيين أن يفهموا الواقع ويصحون عليه. المرحلة الأولى للمشروع الصهيوني كانت احتلال فلسطين، وفلسطين هذه حددت جغرافيتها من البحر عبوراْ للنهر الى شرقه لعمق الصحراء. بمعنى أنها تشمل الأردن اليوم. ولم تكن فكرة الوطن البديل مولودة بعد. وهذا التحديد للحدود جاء بناء على تسمية هذه المنطقة كلها من البحر لعمق الصحراء ب ” الأراضي المقدسة ” كمصطلح استخدمه اليهود الصهاينة بديلا عن مصطلح فلسطين الذي استبدل بدوره باسرائيل.. وقد تبنت عصبة الأمم المشروع الصهيوني هذا في هذه المساحة الجغرافية تحت عنوان وطن قومي لليهود، وأوكلت مهمة التنفيذ الى بريطانيا على أن تتلقى الدعم السياسي واللوجستي من بقية دول مجلس العصبة. وكانت الوكالة اليهودية هي الممثلة للصهيونية اليهودية.
كان رموز ووجهاء سكان شرق الأردن الممثلين لحكومات محلية عشائرية جهوية تركها العثمانيون وطورها الأهالي يدركون بأن المشروع الصهيوني يشملهم وكانوا يلاحظون محاولات شراء الوكالة اليهودية للأراضي وإقامة المستوطنات في شرق الأردن شمالا ووسطا وجنوبا. ولذلك كان لهم موقف مميز عن باقي شعوب العرب برفض الهجمة الصهيونية وبمقاومتها سياسيا، ولم تكن هناك قبل الإمارة دولة ولا حدود للسكان تعطيهم هوية اردنية سياسية فبقيت هوياتهم عربية مناطقية تخلو من مفهوم الدولة أو الاقليم، ضمن بلاد الشام. ومرجعياتها كانت تحددها الدوله العثمانية. وقد واظب مشايخ وزعامات تلك المناطق بعد الامارة على متابعة الجهود مع الأمير لمواجهة الهجمة الصهيونية، وكانوا يعقدون المؤتمرات على هذه الخلفية…
الإمارة أقامتها بريطانيا بالتشاور مع الدول الغربية عندما وجدت نفسها بحاجه الى إنشاء دوله ونظام في شرق الاردن لغرضين، الأول يخص المصالح الغربيه كمنطقه عازله في حينه لسنا بصددها، والثاني وهو الأهم، هو لاستخدامها لتأمين استيعاب المهجرين من فلسطين وتأمين احتياجاتهم الاقتصادية والادارية والعمل على استقرارهم وكبح مشاعرهم الوطنية ومشاعر الشرق اردنيين معهم، وذلك لإنجاح احتلال المنطقه من البحر للنهر على مرحلتين. وهذا السبب الثاني هو الذي اقنعت به بريطانيا الوكالة اليهودية عندما اقامت الدولة في شرق الاردن وأخرجتها من وعد بلفو رغما عن ارادة الوكالة، على أن يبقى شرق الأردن عهدة أو وديعة يعاد احتلالها في الوقت المناسب لحساب المشروع الصهيوني، ولم تصمم اراضي شرق الاردن لدولة راسخه.
وعند قيام اسرائيل على قسم من أرض فلسطين على خلفية قرار التقسيم كان ذلك التقسيم الذي يتضمن دولة للفلسطينيين لجانب اليهودية ينطوي على خطر كبير وتهديد حقيقي مبكر على الكيان الصهيوني. حيث أن قيام دولة للفلسطينيين الرافضين للكيان الصهيوني بل مجرد بقائهم وهم مدججين بالمشاعر الوطنية وبتسارع ترسيخ هوية وطنية مقاومة عسكريا وسياسيا بدعم عربي كان يشكل تحد وجودي للمشروع الصهيوني ولاسرائيل ومعضلة حقيقية لبريطانيا والغرب. مما أدى لضرورة خطة ضم الضفة الغربية بشعبها للدولة الجديدة في شرق الأردن واستيعابهم داخل نظام قابل بالدولة اليهودية. وقد شكلت هذه الخطوة التي سلمت الضفة وديعة أول طعنة بالقضية تم فيها عزل شعب فلسطين عن من يحتل أرضه وعن مواجهته، كما عزلت شعب شرق الأردن أيضا عن القضية والمواجهة. وبهذا جاء في الصفحة 26 من كتاب افي شلايم “اسد الاردن” وهو صديق العائلة الهاشمية ومؤرخها، استنادا للأرشيف البريطاني ما نصه \\ لقد تواطأ colluded البريطانيون مع الملك عبدالله في إجهاض ولادة دولة فلسطينية \\ انتهى.
أعيدت وديعة الضفة الغربية عام 67 بعد هضم ما يسمى اراضي ال 48. وبدأت عمليات هضمها، إلا أن صعوبات وتحديات حقيقية وواقعية واجهت سلطة الاحتلال تمثلت ببروز المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير رافقتها ضغوطات سياسية واعلامية دولية على الكيان الصهيوني في مساندة لحقوق الفلسطينيين على ترابهم الوطني واعتراف الأمم المتحدة بذلك. مما أحيا القضية الفلسطينية وصنع تحديا حقيقيا ولأول مرة للمشروع الصهيوني بحدود الضيقة من البحر للنهر.
كل ذلك جعل اسرائيل تعدل من مشروعها لتستطيع البقاء في الضفة وهضمها وذلك بالتخلي عن شرق الأردن للفلسطينيين من خلال ما أسمته الخيار الأردني وهو باختصار شديد الوطن البديل للشعب الفلسطيني والذي يعني تفريغ المكون السكاني والسياسي للقضية الفلسطينية بما فيه اللاجئين في شرق الأردن.
نقفز عن كل التفصيلات من عام 1970 لغاية قدوم إدارة ترامب وهي الفترة الطويلة التي شهدت انهيار القيادات العربية الوطنية ودولها والمقاومة الفلسطينية وأوسلو وكامب ديفيد وعربه وأصبحت الطريق أمام اسرائيل لتنفيذ مشروعها في الوطن البديل ممهدة وجاهزة.
إلا أنه ومع قدوم ترامب وسياسته الانقلابية على السياسة الامريكية التقليدية ازاء القضية الفلسطينية وعلى المبادئ الراسخة في القانون الدولي والأمم المتحدة في تسوية القضية، وعلى طريقة تعامله المذلة مع الحكام والعملاء العرب، وتصريح يهود خيبر عن هويتهم وطرحه لصفقته التصفوية والخضوع العربي لها مع استمرار السلطة الفلسطينية في رضوخها وتعاونها مع سلطة الاحتلال وحالة الحصار والاستيعاب لزخم المقاومة التي انحسرت في غزه، ظننا معظمنا أن التوطين والوطن البديل في الاردن جاهز للتنفيذ. وكنا مخطئين.
فالواقع أن اسرائيل لا تعطي بالمجان ولا تتخلى عن مشروعها وأهدافها عند تغير الحالة الميدانية لصالحها. إن الحالة العربية والفلسطينية والدولية الوردية التي سادت لفترة وجعلت طموحات اسرائيل تصل الى الوطن البديل وتتوقف عنده لم تعد موجودة اليوم. فالانهيار العربي في حضن امريكا والصهيونية مع فترة ترمب وصفقته، والتراجع الفلسطيني وتفكيك مؤسساته النضالية، قد تزامن كله مع وضع غير مسبوق في الأردن على مستوى القيادة والدولة. انسلخ فيه النظام ممثلا بالملك عن مشروع الدولة وعن أسباب بقائها وصمودها وعن الشعب والقضية الفلسطينية. ولم يعد الخيار الأردني هدفا لاسرائيل بل التوسع نحو الأردن واحتلاله عاد هو الهدف كما هو في المشروع الصهيوني، والباقي تفاصيل وألاعيب وشكليات.
لننتبه، لقد أدركت اسرائيل بأن الظرف ليس ظرف صفقة ولا توطين ولا وطن بديل في مسمى دولة بقيادة مرتمية تبحث عن نفسها ولنفسها، وبشعب لا يمارس استحقاقات الإنتماء. بل أن الظرف هو ظرف العودة للمشروع الصهيوني باحتلال شرقي الأردن كجزء من فلسطين كما تراها من البحر لعمق الصحراء في اطار إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات..
لننتبه أكثر، فهذا التغلغل الصهيوني المادي في الأردن وأراضيه بكل ترحيب وخضوع من النظام وصمت من الشعب لا يحمل بعد اليوم فكرة الإبقاء على دولة عربية في الأردن ولا على شعب يسمي نفسه اردنيا او فلسطينيا في وطن بديل ولا أصيل. فجميعهم في هذا البلد أصبحوا اليوم مشروع تهجير. وليس في قاموس اسرائيل والصهيونية كلمة فلسطيني أو أردني ولم يكن يوما في قاموسها، بل أعراب في أرض اسرائيل.
إسرائيل تجد نفسها اليوم أمام نظام معزول عن مفهوم الدولة والحكم والوطن والمسئولية الوطنية، يفكك نفسه والدولة معا طائعا، وينهب مع الناهبين ويتحالف معهم ويسترضي اسرائيل وينفذ رغباتها، حتى أصبحت الدولة وهمية مفككة بلا جهاز اداري وطني ولا مؤسسات وطنية ولا قرار وطني ومباعة مقدراتها ومرهونا كيانها قيد الإبتزاز بالمال والفضائح الوطنية. وكما تجد اسرائيل نفسها أمام شعب أكثر تفكيكا وضياعا وجهلا بواقعه السياسي والاقتصادي، نخبه تتابع المناسبات المأساوية لتقابلها بوقفات رمزية، وعامته تتسكع بمجموعات في الشوارع مستجدية الوظيفة تهتف لها لا للوطن. ومن سخريات هذا الواقع أن تطالب النخب الملك باستعادة الباقورة والغمر استنادا لبنود وادي عربه ويتجاوب الملك معهم ويقوم بمطالبة اسرائيل بذلك وتنتهي مهمة الشعب ومهمة الملك مع قهقهة اسرائيل.
للمتفائلين الأردنيين بنوايا حسنة أقول ليس أمام النظام خطة لاستعادة السلطة والقرار ولا لاستعادة الدولة ولا لحمايتها ولا لإبقائها. ولا مؤشر على نيته في التغيير أو المواجهة ولا في العودة للشعب. ولا بنيته قول كلمة لا لاسرائيل في أطماعها واستباحتها للأردن وأراضيه. ولا بنيته تحمل مسئولياته الوطنية، وما زال وحده في العالم يتكلم بحل الدولتين بمعزل عن الواقع السياسي والمادي الذي وصلت اليه القضية على الأرض، فليس لديه ما يقوله. وليس أمام سكان الأردن من شرق وغرب الجدول الناضب خطة للتماسك و لا للتمسك بالأرض والوطن، ولا خطة لتشكيل هوية وطنية عربية فيه.
هناك رجال رجال في هذا البلد يصرخون في كل واد بلا صدى، وأخرون يائسون. الشعب إن نهض فلن تستطيع أية قوة استعمارية أو خيانية أن تقف بوجهه. فإن كنتم غير قادرين على استنهاضه فانهضوا أمامه وواجهوا النظام كله بالحقيقة وقد ترون الشعب حينها ينهض طائعا، إفعلوها قبل أن تصنعوا لأجيالنا عهدا يلطمون فيه بالمساجد التي سيجود بها العالم علينا.