الشعب الفلسطيني إلى أين؟ بوصلته معطلة وقضيته متراجعة.. مقموع في الداخل ومُستهدف في الوطن العربي من أنظمة الأعراب.. فما السبب وما الحل؟

عبارة يتلفظها المسؤول العربي مع كل وجبة دسمة “أنا بخير وما حدث لن يُوقِف مسيرة التغيير”، ويتقيأُ المواطن لدى سماعها، إنه التغيير السائر إلى حضن الصهيونية التي تلاحق كل الأغيار ولكنها لم تُلقِ القبض وتكبل بالأصفاد سوى العرب حصراً. فحربها علينا ليست نمطية، طَوَّرَت فيها الصهيونية أسلحة التدمير الشامل التي تُصفي الوجود المادي إلى سلاح أخر تُصفي به وَعْينا وتتحكم بحركتنا من بعد، وأسمت سلاحها هذا بشعاره وهو “أعطني إعلاماً بلا ضمير اعطيك شعبا بلا وعي”. فغياب الوعي بلاؤنا ومصدر غربتنا عن بعضنا، وهو ما ساعد الصهيوني على صنع حكاما اداريين له علينا وبقاءهم، منتقلاً بنا من حالة العبودية الطوعية لحكام مستبدين، إلى حالة العبودية لحكام عبيد، يشكلون حلقات الوصل في سلسلة وصْل المجرم بالجرم، وصولاً للتغيير الصهيوني بأيدينا، ولا بد من قطعها.
فنحن اليوم أمام حكام ومسؤولين أعراب نال شعار الصهيونية منهم بعمق يأنف التاريخ أن يُسجله سابقة بشرية. فكل حقراء وأنذال البشرية عبر التاريخ كان لديهم من الرجولة وخجل الرجال والمنطق والضمير والحس الوطني شعرة لا توجد في معظم حكام العرب اليوم. وكل حكام العرب هؤلاء قد يوجد لديهم مكان شاغر لتلك الشعرة لكنه معدوم لدى معظم حكام الجزيرة العربية، ولذلك ألقى الصهيوني عليهم بالمهمات الأقذر والأجن فسارعوا للتشكيك بعروبة فلسطين ونكران إسلامية القدس وقدسية الأقصى عند المسلمين. إلا أن هذا الدور الذي قاموا به مع تباشير صفقة التصفية لم يؤخذ على الصعيدين الدولي والعربي بأدنى اعتبار او أهمية. فأهمية الكلام وقيمته هو من أهمية وقيمة ومصداقية قائله، وقاموا بملاحقة الشعب الفلسطيني للنيل من حقوقه وإرادته وإسقاط شيء من خستهم عليه فضحك التاريخ عليهم.
ولكن أن تصبح هذه الأنظمة عملياً صهيونية أكثر من الصهيونية ً في استهداف الإنسان الفلسطيني، وتجعل من انتمائه لقضيته أو لوطنه تهمة للفتك به وبحريته وحقوقه، فهذا شيء يتجاوز القول التافه إلى الفعل الجلل الذي لا يُسمح به تحت أي ظرف، وللفلسطيني كل الحق الأصيل في كل أرض عربية. وله كل الحق القانوني والشرعي بأن يدافع عن نفسه وحقوقه ووطنه بأية طريقة ومن المكان المتاح. ففلسطين ليست كأي وطن والقدس ليست كأي مدينة ولأقصى ليس كأي مكان أو مسجد والتاريخ ما وثق شعبا أكثر من الشعب الفلسطيني،. ولا يجب ولا يمكن أن يتفرج المواطن العربي والإعلام العربي على ما يحدث من استهانة وظلم وتمييز واعتداء على حقوق الفلسطيني ورزقه وأمنه ومعيشته على أية أرض عربية. فهذا عار تاريخي نحاسب عليه، ومن أعمال الردة والكفر نؤثم عليها
كفانا قصر نظر. علينا أن نواجه أنظمتنا بالقضية الفلسطينية على أنها قضيتنا، والمشروع الصهيوني ليس مكانه ونهايته فلسطين وحدها، وأن نفسر ونتعظ مما يحدث في سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان وفي كل دولة عربية وما يعانيه مواطنيها من قتل وتشريد وذل جعل من دير ياسين وصبرا وشاتيلا مزحة. أليس هذا على خلفية المشروع الصهيوني ولأننا عرب وأرضنا عربية ؟، أليس هذا لأننا انسقنا وتماهينها مع أنظمتنا العميلة وتركنا فلسطين والشعب الفلسطيني معتبرين أن القضية الفلسطينية ليست بقضيتنا ؟. سأبقى أقولها، لن يكون بالمنطق العلمي قطر عربي واحد ولا شعب عربي بخير أو بأمان ما دام المشروع الصهيوني قائما في فلسطين. فالصهيونية لا يمكن أن تقتنع باستقرار احتلالها ونجاح مشروعها مع وجود دولة عربية واحدة متماسكة وحرة أو قادرة على الدفاع عن نفسها أو الهجوم. هذه متلازمة المشروع الصهيوني لأن وحدة الوطن العربي ووحدة شعبه راسخة في مفهومه والمفهوم الغربي.
ما تقوم به السعودية ودول الخليج من أعمال الاستباحة القانونية والسياسية والاخلاقية والتاريخية بحق الفلسطينيين هو من واقع أخذ هذه الأنظمة دور “الصهيونية أكثر من الصهيوني “. إنها مسألة تركيع للشعب الفلسطيني بأيد أعرابية وبصمت دولي. ولم تكن هذه الأنظمة ولا غيرها تجرأ على ذلك سابقاً حين كان الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية في وضع أفضل، بل كانت تدفع المال للمقاومة خوة وجزية لا كمسئولية أو واجب كما يُفترض. واليوم تدفعها للصهيوني والأمريكي ركوعا فلا نامت أعين خونة الدين والأوطان والتاريخ. إلَّا أن هذا الوضع ليس معزولا عن فارقة تاريحية تمكن فيها الصهيوني من صنع منظومة حكم إدارية له في داخل فلسطين انضم فيها الحاكم الفلسطيني لنادي حكام الصهيونية، وكانت المقاومة هي المستهدفة. لقد أصبح الشعب الفلسطيني اليوم بحاجة الى الحماية الذاتية في داخل فلسطين وفي الأقطار العربية كلها..ولا يمكن الصمت عن هذه الحالة.
كيف لفصيل فلسطيني عسكري أو سياسي يدعي المصداقية والوطنية أن يصمت ويستوعبَ ويمررَ محاكمة فلسطينين وأردنيين في السعودية بتهمة التعاون مع حماس على أنها منظمة إرهابية ؟ إنها فعلة تتجاوز المزايدة على الصهيونية في القذارة، فهذا اعتداء صارخ ووقح على خيارات الشعب الفلسطيني وشأنه، وعلى حقه في الدفاع عن وطنه ونفسه من محتليه، إنه اتهام أعرابي لكل فلسطيني وكل أردني بالارهاب ومحاكمة واطية لشعب. ولا يُفَسَّر صمت الفصائل النضالية إلا بالنفاق والتواطؤ المنطوي على تخليها عن المقاومة والوطن لحساب منظومة حكم الصهيوني الأوسلوية على مذبح التفيؤ بظل دولاراتها. وبهذا الصمت يتمادي الأعرابي باستهدافه لاعتبارية الإنسان الفلسطيني وحقوقه ويستمر ما لم يجبر على التوقف، ولا تكون نجاة لأحد أو فصيل حتى لو ركع واستسلم لأن المطلوب هو أن يحل نفسه ويرحل. وبالصمت أيضاً تعطي العذر الفاسد لصمت شعوب الجزيرة وقيادتها الوطنية والقومية والإسلامية وتمنعها عن نصرة حقوق أشقائهم ولو بكلمة..
على أن حال الفلسطيني في الدول العربية الأخرى ليس ورديا ولا طبيعياً. فحياته الآمنة فيها مرهونة بشرط النظام في أن يصطف معه بسياساته ولو ضد نفسه، وإلّا فسيُجَرَّد من كل حق ويصبح خارج القانون، وما كان لهذا ولا لتجريم دولة أعرابية للمقاومة الفلسطينية أن يكون لولا صمت النفاق القومي والعقدي لدي كل جسم سياسي أو برلماني أو نقابي عربي.نحن لا ننتظر من حكام أمريكا والصهيونية أن يُعطوا الفلسطيني حق الأولى بالرعاية كما يجب، ولا أن ينصروا قضيته، إنها مسئولية شعوبنا وأحرارنا فكل مواطن عربي مسئول، ولعل في هذا دفاعا عن نفسه أولاً لأن الصهيونية تستهدف المواطن العربي بنفس القدر الذي تستهدف به الفلسطيني.
علينا أن نكون واقعيين في تشخيص الحالة الفلسطينية القائمة في الضفة وفلسطين إجمالاً لنحدد اتجاه بوصلتها وبوصلتنا، إنها ببساطة جُعلت جزءاً من الحالة العربية في الأقطار العربية، ومتماهية معها بفارق ألعن وأقسى أصبح معه الشعب الفلسطيني تحت قبضتي النظام العميل وجيش الاحتلال معاُ كحليفين على الأرض في مساحة جغرافية صغيرة ومكشوفة ومقطعة أوصالها وتختفي فيها القيادات الحرة بالتطفيش ويزدهر مكانهم جيش المنتفعين والمرتبطين والمتاجرين وتحولت فيها أولوية الأغلية الصامتة للبحث عن رزقهم لدى الاحتلال كخيار وحيد. وقد بينت في مقال سابق كيف أصبحت المقاومة السلمية أو المسلحة على السواء أمر أصعب مما نتصور بوجود منظومة السلطة الأوسلوية وسياستها وتحالفها مع الاحتلال،.
أقول بالمحصلة، ليس للعدو الصهيوني أن ينجح بفرض الحالة التي يريدها علينا أو يعجزنا عن المقاومة، ولا أن يُحدد لنا أين وكيف نقاوم احتلاله، ولا للجغرافيا الفلسطينية غير المواتية أن تحصرنا بخيارها. لقد تم استدراجنا لفخ داخل فلسطين أو هكذا كانت النتيجة وأصبحنا في أزمة رجال قادة. فإذا لم يكن بامكان المعنيين صنع البيئة القادرة على إسقاط منظومة أوسلو وإحلال نهج المقاومة في الضفة وتكامله مع غزة، فلن يكون أمامهم إلا أن يعيدوا ترتيب البيت الفلسطيني النضالي من الخارج، والمقاومة ضد الإحتلال من كل رقعة في هذا العالم، يعضدون مقاومة غزة ويضعون الفلسطيني في الداخل والخارج على مقعده المهاب انسانياً ونضالياً، وينزعون شرعية أوسلو، ويعيدون القضية لمسارها كقضية احتلال إحلالي. ويلجمون العربان الغربان من حكام الصهاينة إلى أن تتمكن منهم شعوبهم. وسيستجيب أحرار العالم لشعب موحد يريد تحرير وطنه والعودة إليه.