العراق، هذا البلد العربي الذي كان حاسما في موقفه من معسكر الصهيونية وكيانه في فلسطين، والداعم العنيد للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني وللمقاومة بأشكالها، والذي كان مُعوَّلا عليه في بناء قوة ردع عربيه، يبدو أنه عندما ذهب….. ذهب معه كل هذا، وبات العراق العظيم بلا سيادة منضما لجوقة الأنظمة المرتمية، ودولة فاشلة رغم امتلاكها كل اسباب القوة والاكتفاء الذاتي، وهذا ينقل الحديث باتجاه الجهة المؤثرة في سياسته حاليا ومنذ احتلاله عام 2003.
من المعروف أن هذا البلد تتقاسم فيه النفوذ قوتان هما أمريكا وايران، وهاتان القوتان لم يطرأ خلاف بينهما في العراق ويبدو انهما في غاية التوافق، بينما هما بنفس الوقت في صراع مستمر في مختلف المسائل خارج الحدود العراقية.. بمعنى أن هناك تفاهم على تقاسم مجالات النفوذ في العراق.
المهم هنا، بأن هذا التفاهم في العراق بين القوتين العدوتين لبعضهما بصرف النظر عن طبيعة وحدود هذه العداوة، يَفترض بالضرورة وجود خطوط اتصال وتواصل بينهما في الشأن العراقي، وهذا بدوره يؤكد وجود تواصل وقنوات اتصال بين ذات القوتين خارج العرق أيضا بشأن كل نقاط الصراع القائم بينهما وبؤره في المنطقة على مختلف المسائل، فليس هذا التواصل بالمنطق محللا في العراق ومحرما خارجة.
بمعنى أوسع إن وجود وسائل الاتصال والتواصل بينهما يجعل من حدوث الحرب بينهما والضارة بكليهما غير وارد وتحت السيطرة المباشرة منهما، وأن الخطأ في الحسابات من كليهما ضعيف أو غير موجود وبالتالي إن حدثت الحرب فستكون نتيجة خطأ جسيم من أحد الطرفين بحيث يفرض تحديا مباشرا من الطرف الأخر، ولا تعتبر الاستفزازات ومنها الأخيرة إلا من مقتضيات الشد والرخي كجزء من اللعبة، حيث أن الضغوطات الاقتصادية على ايران هي وسيلة أمريكا لضبط المسار الايراني، متطلعة في هذا الى نقل الصراع ليصبح بين النظام وشعبه والنظام، وعلى كل الأحوال لن تكون هذه الحرب إن وقعت إلا خيارا إيرانيا ولن يكون الرد الأمريكي على المستوى الذي حدث في العراق وقد تناولت ذلك في مقال سابق.
وللتوضيح، فإن النقطة التي يجب أن نتذكرها دائما على هذا الصعيد أن مطامع أمريكا ليست في ايران بل في الجزيرة والدول العربية، وهي مطامع استعماريه في مواقع جغرافية حساسة وثروات طاقه حيوية، وحاجة وجودية وسياسية واقتصادية هامة لإسرائيل، ومن هنا فإن وجود ايران قوية وعلى عداء دائم مع دول الخليج والعرب هو مطلب امريكي صهيوني حيوي ليبقى وسيلة ابتزاز وإخضاع لتلك الدول، وإن تدمير قوة إيران ليس في صالح أمريكا ولا مطلب لها، بل المطلوب هو ضبط تسليحها على أن يكون ذلك بميزان عسكري مخسوف بين ايران والدول العربية المستهدفة لا مع اسرائيل، وأن لا تمتلك السلاح النووي بالذات كمطلب اسرائيلي أكثر منه مطلبا أمريكيا، وأمريكا تعلم أن لا قوة تمنع ايران من تطوير سلاح نووي.
إلا أن ايران اليوم تمتلك قوة رادعه في داخل أراضيها ومجالاتها الجوية والبحرية وتمتلك قوة رادعة في غاية القوة والتأثير على حدود فلسطين تهدد فعلا وجود الكيان المحتل بحيث لو تمكنت اسرائيل من تدمير لبنان وجنوبه فإنها تعلم بأنها ستتعرض لخسائر وتدمير لا تحتمله لا سيما سكانيا، وهذا الوضع المتين الذي تمكنت إيران من صنعه لنفسها رغما عن رغبة أو حسابات امريكا واسرائيل جعل منها دولة قادرة على الحفاظ على كرامتها الوطنية وعلى أن تحتل موقع الند المحترم الذي يحسب حسابه.
نحن لسنا على يقين ولا لدينا مؤشر إن كانت ايران ومعها حزب الله هي فقط على نية استخدام قوتها لحسابها الوطني والقومي ومصالحها كأية دولة تسعى لردع عدو محتمل أو كورقة ضغط مشروعة، أم أن نيتها هذه تمتد لمواجهة اسرائيل على خلفية القضية الفلسطينية، ومع أن الحالة الأولى تصب بنفس الوقت لصالحنا كشعوب عربيه ولو كمثال في وجه أنظمتنا الذليلة بلا سبب أو مبرر، إلا أننا نلاحظ أن إيران تهدد احيانا بمهاجمة اسرائيل وبتدمير اسرائيل ولكن على خلفية خلاف أو مسألة تخصها وليس على خلفية الاحتلال، ولم نسمعها تهدد بتحرير فلسطين مثلا . ونحن كعرب ليس لنا أن نطلب من ايران وغيرها تحمل أعباء تحرير أوطاننا، بل نشكرها مهما كان الدافع عندما تدعم المقاومة الفلسطينية وعندما جعلت من حزب الله مثالا للعرب على أن هزائمهم وإذعانهم هو بسبب تقصيرهم وضعفهم وخياناتهم لا بسبب قوة اسرائيل، ولكنا بنفس الوقت لا نريد لإيران أن تعطينا بيد وتأخذ أضعافه باليد الأخرى …
من هنا أعود للعراق وما يتعلق بسياسته الخارجية لا سيما بشأن المسأله الأهم لأمريكا والتي كانت الأهم للعراق وما زالت الأهم للشعوب العربية وهي القضية الفلسطينية واسرائيل ككيان محتل، فهذا القطر العربي الذي يحكم برأسن، امريكي وايراني، ويشهد تراجعا رهيبا على صعيده الداخلي المدمر بالفساد وفقدان السيادة، فإنه يشهد تراجعا في عروبته وانتمائه للقضية الفلسطينية، وتعميق علاقاته بالأنظمة العربية المستخدمة لتصفية القضية دون أن نرى تأثيرا عليه من ايران التي نراها تقف في المحافل الدولية لجانب الشعب الفلسطيني وقضيته والتي تعتبر اسرائيل مشروع موت .. أم أن عروبة العراق وموقفه من اسرائيل مسألة من اختصاص أمريكا ولا تدخل في نطاق حصة ايران من نفوذها في العراق، نريد أن نلمس جوابا أو تفسيرا.
لا أعتني بالتفصيلات في مقال، لكن على أيران أن تفهم بأن للشعوب العربية قضيتها، وبأن العراق دُمِّر وكذلك سوريا على مذبح استقرار الاحتلال في فلسطين والمشروع الصهيوني في المنطقة، وعلى مذبح ذلك سُلّمت الجزيرة للعائلة السعودية مجهولة النسب معروفة الانتماء والعقيدة الصهيونية، وأنشئ الأردن كدولة دور تحت الحصار وسُلخت مصر وتصهينت المغرب وأحرقت اليمن وارتدت الأعراب ووقفت الجزائر محتارة، ودخلت الشعوب العربية في المعاناة والاذلال والتدمير الذاتي في الجيل الرابع من الحروب، وتحول الدين لمذاهب سياسية، فليست إيران غائبه عن كل ذلك ولا عن تضحيات العراق التاريخية في مواجهة الصهيونية حتى تتدخل اليوم في تفاصيله وتسكت عن تحوله السياسي، وأشعر بالمرارة وأنا اتحدث عن العراق وكأنه بلا سياده ولا قرار، ولكنه الواقع.
العراق الرسمي اليوم ينسق مع الأنظمة العربية المتعاونة مع الاحتلال، ومسموح له ولمن أراد من شعبه أن يُطبع مع العدو الصهيوني بلا حساب ولا متابعة، بل هناك من شعبه من جُند ليتطاول ويصطف مجاهرا مع الاحتلال ويصف حماس والمقاومة بالارهاب دون حراك من المسئولين العراقيين ولا ملاحظة من ايران لما هو تقليد وتماه مع ما يحدث في الاعلام الرسمي لدول عرابي الخيانة والذل في الجزيرة، بناء سكة الحديد التي تربط اسرائيل بالجزيرة والعراق عبر الأردن يجري على قدمين وساقين بصمت، وإعادة تشغيل أنابيب نقل النفط العراقي الذي توقف حين قامت اسرائيل يعود الى الطاولة الصهيونية، العراق ليس بعيدا عن صفقة القرن ومشاريعها الاخضاعية للعرب، أين ايران من كل ذلك وهي في العراق؟