ما كان بودي أن أتكلم بموضوع وباء الكورونا (كوفيد 19 ) لولا بعض ما كشف عنه، وسواء كان قائما أو غير قائم على نظرية المؤامرة فقد أصاب الجميع ونال من اقتصاد وانتاجية ورتابة عيش الجميع دون أن ينال من الأرواح، إنه فزاعة فوضى منتجة من نوعها. وأصبح الجميع في حالة دفاع عن النفس من عدو واحد لا يبدو مشتركاً، ومع أنه لا يرى بغير مجهر الكتروني فقد حجم عنجهية الإنسان وكشف عن هشاشة جبروته في حماية نفسه عندما يفقد الأخلاق، وغابت ملفات المسائل السياسية التقليدية عن طاولات العواصم وحضر ملف سياسي واحد هو مراكز الابحاث المختبرية لإيجاد، اللقاح المطلوب للوباء وإعلانه، وأضع كل الخطوط تحت كلمة “وإعلانه” لأنها صفة للنصر السياسي بعيدا عن التضامن الدولي الإنساني.
بينما البشرية بحاجة الى نصر أخلاقي. وما لم تشعر الدولة القومية أو الوطنية بشعور وحقوق واحتياجات الدولة الأخرى، وتعكس روح دستورها وقوانينها ومصالحها ومصالح شعوبها إيجابياً على مصالح وحقوق الشعوب، وتَعمد للتكامل مع دولها بدلا من التنافس القائم على الإفتراس، فلن يستقر هذا العالم ولن ينجو الكبار بالمحصلة ولن ينتصروا. فالأمن الجماعي هو الكفيل باستقرار وأمن العالم ورخائه، وغيابه كفيل بفشل البشرية على الأرض. إنه المبدأ الأخلاقي الذي يقوم على حماية الأقوياء والمقتدرين للضعفاء وحقوقهم ومصالحهم، وليس على افتراسها أو تقاسمها. إنه المبدأ الذي يميز المجتمع الحيواني في الغابة عن المجتمع الانساني. وقد تنبه العالم بعد الحرب الأولى إلى هذا المبدأ واعتمدته عصبة الأمم وفشلت بتطبيقه وكان السبب في فشلها. ثم اعتمدته الأمم المتحدة ولم تطبقه ولذلك يشهد العالم حالة من عدم الأمن والاستقرار لن تنتهي.
لقد أكدت الأزمة الوبائية العالمية ما يتجاوز عصبوية ومادية وعدوانية طبيعة الصداقات والتحالفات بين الدول القوية لحماية نفسها وتعظيم قوتها ومكاسبها الوطنية بمعزل عن مصالح وحقوق الأخرين، وما يتجاوز استحالة طبيعتها لإنتاج سلام حقيقي بينها وبالتالي استحالة السلم العالمي، أقول تجاوزت كل ذلك لتكشف عن مادية الحضارة الغربية الخالية من الروح والمثل والأخلاق والقيم والتعاون الإنساني، وبما يعني بأنها حضارة عدوانية وتحمل بذور فنائها.
ولعل الموقف الأمريكي الأوروبي من شعب ايران في خضم هذا الوباء مثال صارخ يؤكد ذلك، وسيسجل التاريخ النظرة اللئيمة والفعلة اللا إنسانية واللّا أخلاقية للأوروبيين وحضارتهم وثقافتهم وهم يتركون الشعب الإيراني المسلم يرزح في خضم الوباء تحت قيود الحصار ودون مساعدة منهم. وأما الشعب الفلسطيني فحكاية أخرى عندهم وعندنا.
وبالمقابل نسمع اليوم الإعلام الصهيوني في فلسطين وهو يطلب المساعدات لدول عربية معينة يعتبرها عميلة وحليفة له ويربط الطلب بالخوف على أنظمتها من السقوط نتيجة هبات شعبية على خلفية قيود مواجهة الوباء والعجز عن مواجهته، ولم يربط ذلك بالهدف الإنساني والأخلاقي بمساعدة شعوبها، بينما يغفل هذا الإعلام عن خطر هذا الوباء (الفزاعة المسيسة) على كيانه الدخيل وبأن الدول تبقى بشعوبها لا بأنظمتها العميلة وتُحمى وتَستديم بشعوبها لا بدخلائها ومستوطنيها. لقد غفل هذا الإعلام عن مشهدين أمامه، الأول فيه يتهافت مستوطنوا فلسطين على المطارات في فلسطين للهروب لشتاتهم ولبلدانهم الأصلية، وفي الثاني يتهافت العرب على مطارات العالم للعودة لأوطانهم، يموتون فيها أو يحيون. فلا ظرف يتذكر فيه الانسان وطنه أكثر من ظرف الشدائد.
وفي خضم الوباء نعود لمبدأ الأمن الجماعي المفقود، فالقضية الفلسطينية الممتدة عربيا هي الحالة الأبرز والأدوم لانتهاك هذا المبدأ بتداعياته. ولكن القوة بأشكالها نسبية والحاجة بأشكالها نسبية، وهذا يطرح السؤال الكبير، أين أقوياء ومقتدري العرب ودولهم عن ضعفائهم ومستضعفيهم في الأقطار الأخرى ؟ نترك السؤال ونسأل أينهم من شعب فلسطين تحت الإحتلال، الإجابة هي أنهم في الوحل الصهيوني ومستنقع الإقليمية التي لا سند لها من الواقع.
وأقول في هذا، لا يستهدف شعب إلا من أجل وطنه. ولا شعب يؤتمن على خيانة وطنه، ولا عائلة تؤتمن بالمحصلة على خيانة الوطن فهذه مهمة لا تستديم إلّا بشخص حاكم واحد على رأس جهاز من روبوتات عاقلة، فاستبدلت العائلة بحاكم عيِّل، إنه الخيار الأمن للصهيونية.
واستطراداً، ليس من حاكم عربي إلا وسار على قانون سايكس بيكو في الإقليمية، ولم تَطعن هذه الإقليمية مرتين سوى الفلسطينيين من كل الأنظمة العربية، مرة عندما اعتبر الحكام العرب فلسطين أرضا للفلسطينيين حصرا كمبرر للتخلي عن مسئوليتهم عن القضية الفلسطينية، ومرة عندما اعتبروا الفلسطيني أجنبياً بدلا من معاملته معاملة ابن القطر أو الأولى بالرعاية والحقوق. ثم انتقلوا لاستهدافه استبقاءاً لكراسيهم، وكانت النتيجة واقعنا الصهيوني.