ترتبط كلمة غيتو Ghetto باليهود في أوروبا . وهي بالمعنى العام تعني حي منعزل له أسوار عاليه اعتاد اليهود على العيش فيه منفصلين عن غيرهم من السكان ويمارسون فيه تقاليدهم وطقوسهم . أما فكريا وتاريخيا فهذه الممارسه هي من نتاج سياسة يهودية قديمه تقوم على رفض الاندماج مع الآخر . فالغيتو بدأ بالنسبة لليهود أمرا عقديا واختياريا فصلوه لأنفسهم بدءا بالفريسيين لدى عودتهم من بابل الى القدس في عهد قورش الفارسي . فإلههم يهوه وتعليماته وأحكامه قامت على العنصرية والانعزالية .وبهذا فقد جاء في الاصحاح 10 /سفر عزرا ما نصه ((فاعترفوا الآن للرب اله آبائكم واعملوا مرضاته وانفصلوا عن شعوب الأرض وعن النساء الغريبة )). . بل أن مصطلح الفريسية يعني الانعزالية والانفصالية على أسس عنصرية وهو مصطلح مشتق من الارامية ويعني المنشقين . وقد أشار عالم الاجتماع ومؤسس علم الاجتماع الديني الألماني ماكس فيبر Max Weber 1864—1920 . إلى أن عزرا وضع بعد العودة إلى فلسطين ما يمكن تسميته برنامج عزل اليهود عن الآخرين
وقد استمر اليهود في سياسة الغيتو كاختيار لهم لفترة في اوروبا والعالم لغاية القرن الرابع والخامس الميلاديين . حيث تولدت في تلك الحقبة فكرة أو اتجاها لدى الكنيسة بعزل اليهود عن بقية السكان وصولا إلى قرار المجمع الكنسي الثالث في عام 1179م في (لاتران)، حيث منع اليهود من السكن في مناطق المسيحيين والاختلاط بهم و كانت بداية تطبيقه فيها من عام 1276م . وكان من الأسباب التي ذكرت لعزل اليهود عن المسيحيين هو أن وجودهم معهم يضعف العقيدة المسيحية. ومنذ القرن الخامس عشر أضيف إلى قرار المنع قرارات أخرى تتعلق بفرض لبس شارات مميزة كالنجمة والقبعة حيث أصبحت تعرف بالقبعة اليهودية..
الا أن الغيتو أصبح فيما بعد أمرا إجباريا ومحكما على اليهود وعلى المقاس الأوروبي عندما أصدر البابا بولس الرابع في ايطاليا مرسوما عام 1555 يلزم اليهود بالاقامة في حي خاص بهم يغلق مساء ويفتح صباحا. بمعنى أن ايطاليا استحدثت في القرن السادس عشرميلادي ال الغيتو اليهودي لأول مرة بهذه الأوصاف ، حتى أمواتهم كانوا يدفنون في داخلها . وكان أول غيتو يبنى باسم غيتو في فينيسيا ( البندقية ) في القرن السادس عشر حيث استخدمت كلمة غيتو لأول مرة مشتقة من اسم المكان بالايطالية الذي اقيم عليه أو بجانبه حي الغيتو وهو Gettare أو Getto ويعني بالايطالية اسما لمكان ( مسبك معادن). وهناك من يقول أن غيتو اشتقت من كلمة غت العبرية والتي تعني الفصل أو الطلاق.
. واستمر الغيتو في الدول الأوروبية لقرون وكانت لهم في روسيا قرى خاصة تشبه الغيتو، وتضاهيه في المعيشة القسرية الى أن ألغي قانون الغيتو تدريجيا لاسيما بعد الثورة الفرنسية ولم يعد موجودا في أوروبا في القرن التاسع عشر. الا أنه وبعد ظهور النازية أعيد انشاء الغيتو في ألمانيا وفي الدول التي احتلتها لفترة محدودة حيث انشئ ما يقرب من أكثر من 200 غيتو.
أما في البلاد الإسلامية فلم يعرف اليهود الغيتو الذي عرفوه في أوروبا، ولم يفرض عليهم أن يعيشوا في أماكن خاصة بهم . الا أنهم أنفسهم كانوا يختارون العيش في أحياء خاصة بهم. وكانت المنطقة التي يسكنوها يطلق عليها حارة اليهود أو الحارة أو محلة اليهود . وفي المغرب كانت المنطقة الخاصة بهم تسمى الملاح . وبهذا فان دائرة المعارف اليهودية (1972م) تذكر بأنه ليس هناك شبه بين أحياء اليهود في البلاد الإسلامية والغيتو في الدول المسيحية. إذ لم تكن أحياء اليهود محاطة بأسوار، ولم يكن لها أبواب تغلق في الليل أو في يوم السبت أو في المناسبات الدينية الأخرى. وإذا كان هناك سور فإنه كان بسبب تقسيم المدينة إلى أحياء لأسباب أمنية
والسؤال هل يمكن وصف جدار الفصل العنصري الذي اقامته الصهيونية اليهودية في فلسطين ويقسم الضفة الى ثلاثة كنتونات نوعا من الغيتو كإسقاط يهودي تاريخي على الفلسطينيين ، أم أن الجدار هو بثابة غيتو صنعوه لأنفسهم كجزء من عقيدتهم ؟ . إن المتفحص للجدار يجده يقسم الضفة الغربية الى كنتونات ثلاثة طارده بحكم ما تفرضه من قسوة في الحياة وتضييق في الحركة والتواصل والعيش لتصبح بمثابة ثلاثة سجون بواباتها مفتوحة للشرق بمعنى أنه غيتو عنصري مصمم ومفروض لتهجير الفلسطينيين من ارضهم .
بقي ثلاثة جدران اقامتها اسرائيل او بصدد اقامتها، وإذا تركنا الجدارين اللذين على الحدود المصرية وفي الجولان وتحدثنا عن الجدار على الحدود الاردنية فنجده جدارا سياسيا بهدفه لا أمنيا ، ويهدد المصالح الاردنية والقضية الفلسطينية ولا يدخل هذا الجدار تحت بند السياده . حيث يقام في اراضي محتله ومقيد مع تداعياته الجغرافية والسكانية بشروط اتفاقية جينيف الرابعه وبروتوكول معاهدة Hague Convention لعام 1907 . وبالهدف الشامل لاتفاقية وادي عربه كاتفاقية جاءت في اطار الحفاظ على الحقوق الفلسطينية والسلام الشامل في المنطقه
ولنترك كل هذا ، لقد فاتنا في الاردن أن مفهوم السيادة لم يعد حقا مطلقا وبأن ما يقيده يتجاوزالالتزامات والمعاهدات الدولية الى كونه مفهوما لا يجب أن يتضمن عملا عدائيا ضد دولة او شعب أخر . ومن هنا فإن سيادة الدول الخارجية والداخلية ترتبط بمصالحها الوطنية العليا، وعليها أن تفعل هذه السيادة لهذه الغاية حتى لو كان الأمر تجاوز حدودها الاقليمية ، حيث يصبح هذا التجاوز عندها ممارسة لسيادة مشروعة ضد سيادة موجودة بحكم الامر الواقع كالسياده الاسرائيليه. وبهذا فإن اسرائيل ببنائها الجدار في اراض محتلة على حدود الاردن يتجاوز خرق القانون الدولي الى ترجمة عملية لنواياها في منع قيام دولة فلسطينية في الاراضي المحتله وكإجراء كبير في سلسلة اجراءات اخرى تؤثر سلبا على الاردن سياسيا كبلد ترشحه اسرائيل كوطن بديل . مما يوجب أخذ زمام المبادره لمنع إقامة هذا الجدار من تطور مفهوم السيادة وروح معاهدة عربه .