تعايش شعبنا في الأردن من خاصته الى عامته مع أغرب قانون انتخاب جرَبه ، وعاش أغرب انتخابات في تاريخه وشهد غرائب في النتائج لم تقنع الكثيرين . القانون مُفصل في الأساس للأحزاب وللانتخابات الحزبية وليس للعشائر . لكننا طبقناه على العشائر بعد أن ( (قيفناه ) دون أن نُكيفه . وبما أن العشائر ليست أحزابا ، فقد تحول كل منها الى بوتقة لتحزبات متناحرة على الفوز بشرف المنصب ، على قاعدة ( ما فيش حد أحسن من حد ).
إن قانون الصوت الواحد بمسماه الصريح كان يسمح بتوافق العشيرة على شخص واحد مع ما يرافق ذلك من مشاحنات ، إلا ان قانون القوائم الخاص ببلدنا بنصه مع شروطه وتطبيقاته يفتح الباب بالضرورة الى ترشح أكثر من شخص واحد وبلغ في بعض العشائر سته ، وضاقت مساحة بعضها على مرشحيها فهجرها بعضهم الى مناطق أو إلى عشائر لديها متسع ليترشحوا فيها . ودخلت معظمها في معارك داخلية ولدت بينها حزازات ربما لسنين قادمه .
إن الدولة ومشرعيها السياسيين والقانونيين يعلمون بأنه لا أحزاب شعبية لدينا ، ولا مؤهلة للفوز ، والأحزاب نفسها تعلم هذه الحقيقة ، ومع ذلك فإن القانون لم يراعِ في الشكل ضرورة الانتخاب على أساس حزبي أو وطني ، وفتح قناته على العشائر ، واكتفت الأحزاب بما تقبضه وما تطلبه من سلف لتعزيز حملاتها الانتخابية لتضحك على نفسها لا على الناس ، فالناس مدركون وضعها كما هي مدركة له . أما الأحزاب الاسلامية منها ،سواء التي بقيت بثوبها ، او تلك التي لبست ثوب الدولة على حياء ، فلم يرحمها القانون ولا الدولة . فلا الأولى تمكنت من الفوز بعدد يفي بغرضها في حماية نفسها من خلال تمثيلها بالمجلس ، ولا الثانية كانت ترقص إلا في العتمه لوحدها . وكلها فشلت في لعبة العشائر الفتاكه .
الحشوات في القوائم لم تكن كلها حشوات ، بل بعض شيوخها هم من كانوا كذلك من حيث لا يدرون . ولعبة القوائم بقواعدها التي كانت غائبة عن الناخبين والمرشحين ، كانت أيضا تنم عن أخطاء في حسابات وتقديرات المشرعين السياسيين والقانونيين الذين أدركوها في الوقت الضائع ، لنشهد مزيدا من الغرائب وتوسعا في ترقي الحشوات الى شيوخ للقوائم ، . فشاهدنا مثلا حشوتين من قرية واحدة متواضعة في قائمتين مختلفتين قد فازا بآلاف الأصوات على شيوخ قائمتيهما . وشاهدنا حشوات اخرى تسحق الأثقال العشائرية ومعها الاسلاميين وأطياف مجتمعية ، أو بتحجيمها الى درجة مكشوفة على حساب الوسطية وحسن التدبير .
إن الأردن بوضعه القائم ، ومن حوله المنطقة تعيش مخاضا سياسيا خطيرا، مسألة تفرض علينا أولوية السعي لتجنيبه نتائج سياسية خطيرة تتربص بنا وعلى رأسها فرض الخيار الاردني ، فالظرف سياسي بامتياز يحتاج الى وحدة الصف. وقد يسمح هذا الظرف لحالة طوارئ على خلفية وطنية ، ولكنه لا يسمح بإغراق الناس أو إشغالها أو إلهائها بلعبة حارقه ، ولا الظرف موات للحديث عن انتخابات ديمقراطية وبرامج اقتصادية واستثمارية وتصحيحية .
وإن مجلس النواب مهما ضم من مرغوبين وخلا من غيرهم لن يكون استثناء في التغيير الممنوع ، ولن يكون مجلسا سياسيا قادرا على فعل شيئ لقضيتنا بحكم الواقع الذي نعرفه .والمتبرعون كثر فلا يحتاج الأمر للمغالاة . إنه ظرف لا يحتمل الخطأ بحق الوطن والهوية والكيان من حيث حيوية ووحدة الجبهة الداخلية ، والعشائر ما زالت لبنتها الأساسية .فكيف إذا تكالب على لحمتها القانون وسُخر بعض أبنائها المعلوفين في هذا .
مخطئ أو غشيم من لا يعتقد بأن جهاز المخابرات الاردنية هو مطبخ عقول سياسية ومفكرة ، وهاجسه حماية الاردن بكيانه السياسي ونظامه وأمنه ، وبأن الأمل معقود عليه كجهاز وطني بامتياز . لكن ما جرى في الانتخابات الأخيرة قد ضحى بالأهم لحساب ما يُعتقد بأنه مهم . وعلى اصحاب التأثير في الدولة أن يتداركوا الموقف ولا يجعلونه زوبعة في فنجان .
إن الأردنيين يلاحظون ازدواجية في التفكير والأهداف على الصعيد الرسمي ، ويلاحظون التلاقي على غياب التأثير الشعبي الوطني الحر والمراهنة على مجلس خاسر ، مما يزيد الوضع تأزما ، والناس ضياعا بلا بوصله يبحثون عن دور. فالقادم إن قدِم خطير يذهب بالمجمل وبالتاريخ . وإن كنت أتمنى شيئا في هذا ، لتمنيت إلغاء نتائج الانتخابات ، وأعدت المجلس السابق إذا كانت هناك حاجة لديكور دستوري ، وفعَلت دور الشعب سياسيا بعيدا عن الأصنام ، ولعدلت القانون في الوقت الضائع تعديلا جذريا محسوبا يخرجه من عباءات الصوت الواحد وخطورة أوجهه التي تلاحق لحمتنا .