إن العارف لعمل مجلس الأمن وأنواع قراراته التي طورها لنفسه خلال عشرات السنين ، يدرك من قراره الاخير رقم 2254 الخاص بالحالة في سوريا حجم الملعوب الأمريكي ومدى تخلي العالم عن الشعب السوري ومحنته ، ويدرك بأن ليس من ارادة سياسية دولية فاعله متبلوره بعد لوقف الحرب والمأساه والدخول في عملية تسوية سلمية جادة . فهناك تراجع في القرار حتى عن بعض الايجابيات المتحققة في العملية السلمية المتعثرة ، وربما يدرك نجاح امريكا في توريط روسيا وإنهاكها اقتصاديا على حساب المأساة السورية مقابل حصولها على تراجع في الموقف الامريكي . وأخيرا يدرك بأن الحرب مستمره وداعش مستمره والعرب وحدهم ما زالوا يرقصون في العتمه .
وقبل أن أتي إلى التوضيح في القرار ، أذكر بانواع قرارات المجلس التي كتبت عنها بالتفصيل مع الامثلة سابقا والتي يتخذها الاعضاء الدائمون ليضحكوا فيها على الضحية في كل قضيه . حيث هناك نوع من القرارات يتخذها المجلس وهو لا ينوي تنفيذها لأن عدم تنفيذها يقع في دائرة اهتمام بعض اعضاء المجلس الدائمين دون أن يكون تنفيذها مطلبا حيويا للبعض الأخر منهم .ونوع من القرارات يصدرها المجلس بصورة توفيقية هي اقرب للمبادئ ويستحيل عادة تنفيذها عمليا لأنها تصاغ بطريقة توفيقية بشكل يلفه الغموض والمطبات والعموميات وتؤمن تفسيرات مختلفة وتخلو من عبارة( يقرر المجلس) وتخلو من آلية التنفيذ ونوع ثالث من القرارات يقصدها المجلس ويتعهد بتنفيذها وتحمل معها ألية التنفيذ المنطوية على تفعيل المواد من 41 الى 49 من الفصل السابع من الميثاق .
.وباختصار فإن القرار 2254 ينتمي للنوع الثاني( التوفبقي ) أكثر من النوع الأول لأن روسيا هنا يهمها تكريس النص كما جاء في القرار والذي تراه لصالحها كأرضية للمستقبل تخدم وجهة نظرها لمفاوضات لاحقه
ان القرار يتضمن نقطتين فقط ومؤسفتين ، إضافة لدس بعض السلبيات والتراجعات ،وأما باقي صفحاته ليست سوى تفاصيل تصلح لكل قرارات التي تخص النزاعات .والنقطتان هما
النقطة الأولى،جاءت في الفقره العامله رقم 1 ، ونصها أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل سوريا . انتهى . …إن اعضاء المجلس يدركون بأن الشعب السوري لو كان في وضع يمتلك معه القدرة والحرية والظرف لتقرير مستقبله لما كانت هناك مشكلة في سوريا أصلا . فكيف الأن؟ فالمجلس أغفل الألية التي كان يجب النص عليها في القرار ليتمكن بواسطتها شعب سوريا من تقرير مستقبله وهو في وضعه الحالي . فهو شعب بلا ممثلين له محددين ،فالجهات المدعية بتمثيلها له عديده ومتحاربه والنظام كواحد منها متحالف ومرتبط مع جهات دولية وتنظيمات خارجية تماما كبقية التنظيمات الأخرى التي تسيطر على معظم الارض السورية . كما أنه شعب متوزع بين مشرد ومهجر ونازح وما بقي منه يعيش تحت القصف بانتظار فرصة الهرب .إن هذه الفقره التي هي في الأساس عباره عن مبدأ عام لا خلاف حوله في الظروف الطبيعية تبين بوضوح أن المجلس يريد الدوران في حلقة مفرخه ولم تتوفر لديه الارادة السياسية للتسوية بعد ، بل لتعقيدها وتأجيلها
النقطة الثانيه، وهي في الفقره العامله الثانيه ، يطلب القرار فيها من الأمين العام أن يقوم، من خلال مساعيه الحميدة بدعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي، . وهنا فإن المجلس الذي يعلم بوجود صعوبات أساسية تواجه البدء في عملية التفاوض بين الطرفين ، يدرك بأن هذا المطلب هو مطلب عبثي طالما لم يسبقه توافق واتفاق على طبيعة الشروط والمستلزمات التي يطرحها ويصر عليها الطرفان بما فيه تحديد الهويات السياسية للمتفاوضين . إن القرار الذي يخلو من آلية لمعالجة هذا الأمر مسبقا هو فعلا يضع العربة امام الحصان وفيه أيضا تجاهل وانقلاب على ما يجري من تمهيد لكل هذا واستباق له من أجل تخريبه
يتكلم القرار في فقرته الخامسة العامله عن تشارك الحكومة والمعارضه في عملية الانتقال السياسي كما يشير في فقرته الرابعه الى حكم يشمل الجميع دون توضيح ، وقد سبقها في الديباجة الاشارة الى هيئة حكم تعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة وتلاها في فقرته العاشرة الاشارة الى تدابير الثقة بين الاطراف وهذا كله من قبيل الغموض الذي يتجاوز لب المشكله ويرجعها للمربع الأول
كما بربط القرار حسب الفقرة الخامسه وقف اطلاق النار مع بدء عملية الانتقال السياسي لا مع بدء عملية التفاوض مثلا . وهو ربط ينم عن الرغبة باستمرار عمليات القتل والتدمير والتهجير . ومع أن القرار يشير بديباجته وفقرته العامله رقم 13 الى مطالبة الاطراف باتخاذ كل الخطوات الملائمة لحماية المدنيين، إلا أنها خلت من أية آلية لتحقيق او فرض ذلك
يعلم المجلس أن المسألة السورية هي مدولة من واقع مصالح الدول الكبرى التي تتواجد بقواتها على الارض السورية وسمائها وبأنها تمسك بخيوط لعبتها السياسية والعسكرية . وليس من المبشر أن يخرجوا بهذا القرار الذي يبقي على الصراع ويضعهم موضع الناصحين في الوقت الذي يسهمون فيه بتشكيل عجز الاطراف عن الحسم العسكري والسياسي .