بدأت الأحداث الساخنة في سوريا سريعة في سياق أمريكي – خليجي عضدته شهادات هيلاري كلنتون في كتابها ، ثم شهادات أنظمة الخليج نفسها إثر اختلافها. وكان الهدف تدمير سوريا من الداخل وتمزيقها الى دويلات ، والذريعة استهداف النظام السوري “المعادي لشعبه “. ووصلت امريكا الى النقطة الحرجه عسكريا وبات من المستحيل تشكيل بديل آمن لها عن النظام السوري ، فلجأت الى الخيار الكردي كصمام أمان للإبقاء على مخططها قائما ، فجاء دخول روسيا الى سوريا ليشكل حدثا محل جدال وتقييم سياسيين عند اصحاب القرار الأمريكي لكنه منحهم فرصة للتفكير باستراتيجية جديدة للوصول الى الهدف على وقع تعزيز مراهنتها على العنصر الكردي.
إن روسيا التي صنعت توازنا قائما على كبح استفراد المحور الأمريكي الصهيوني الخليجي بتقرير مصير سوريا ومشروع الشرق الاوسط الجديد ككل ، كان يهدف الى افشال تطبيق تجربة العراق وليبيا في سوريا والحفاظ على النظام السوري قائما وسيادته قائمة على كل أراضيه. واصبحنا أمام هدفين صعبي التحقق لمتصارعين متوازنا الردع والعزيمه. امريكي قائم على التقسيم ، يقابله هدف روسي قائم على الإبقاء على سوريا موحدة بنظامها نفسه ، أي إعادة الوضع الى ما كان عليه.
نحت روسيا باتجاه صنع وتعزيز محور لها كان وما زال فاعلا ومؤثرا عسكريا وسياسيا وجغرافيا، واستوعبت تناقضاته وتتعامل مع هواجسه ، ومالت كفة التوازن السياسي والعملي على الأرض الى صالحها التي بدأت عندها بعملية سلمية موازية الى عملية جينيف ومرجعيتها والتي انتهت بمسمى سوتشي – أستانا. فمرجعية جنيف ومسارها غير مواتية الى روسيا ولا الى القيادة السورية ولا الى الدول الضامنه الى استانا ككل ، ولا يمكن أن تعقد ثانية الا بموافقة هذا المحور سيما وأن تركيا أحد اضلاع المحور قادرة على تطويع وجر التنظيمات السورية وربما غيرها لما تريد وقادره على افشال جنيف. وايران الضلع الأخر قادره ايضا لما لها من تأثير على القيادة السورية وغيرها على انجاح او افشال مهمة روسيا. فللدولتين الاقليميتين ثقل ومصالح حيوية وتمسكان الأرض ، وتقسيم سوريا ليس الحل الأفضل لهما..
المحور الأمريكي غير متماسك لأن رأسه غير واضح في هدفه الاستراتيجي وتتنازعه فكرة جمع المال ومطالب الصهيونية الاسرائيلية ، وطموحات صناع القرار الأمريكي. وفي طريقه للمواجهه البارده مع روسيا والساخنه بالوكاله حيث رصد الأموال للاكراد بالموازنة الامريكية وباشر لجر الدول الخليجية لسورية كمؤشر جدي على النية بمواجهة مشروع روسيا السلمي في وحدة سورية بنظامها او بدون نظامها. وهذا كاف لإيقاف أو افشال العملية السلمية في مسار سوتشي – استانه ، وجينيف. وإدخال سوريا في صراع جديد وساخن من شأنه أن يحرج روسيا ويزيد من أعبائها ويعقد الوضع في سوريا ومناطقها ويواجه طموحات قيادتها. مما يضع هذا البلد ويضع الأطراف كلها أمام خيارات تطرح نفسها ابتداء كالتقسيم او الصومله إلا أن الصوملة في سوريا مدمره للجميع والتقسيم ارضيته مفقودة ، كيف ذلك.
فالصومله لن تكون خيارا مقبولا في سوريا لأي طرف ،لأنها ستشكل تهديدا على مدار الساعة لمصالح كل الأطراف في سوريا والمنطقه وربما خارجها ،فخطورتها محسوبة من الجميع على السلم والأمن والاستقرار الاقليمي والدولي ، وتلحق أبلغ الضرر باقتصاديات الدول كلها. بل إن هذه الحالة ستكرس الاستقطاب والحرب الباردة على أساس من استهداف المصالح وليس على أساس أيدولوجي ، وينهي التفاهم المطلوب بين الشرق والغرب. ومن هنا ستحرص كل من روسيا وأمريكا على تجنبها.
أما خيار تقسيم سوريا فغير ممكن عمليا على الارض ، جغرافيا واثنيا وعقديا. ولن يلقى إن فُرض نجاحا ، ولن يؤمن استقرارا للأسباب التالي.
-1 – التنوع السكاني من حيث النسبة العددية غير صالح كأساس للتقسيم فالأكراد لا يشكلون أكثر من 7 % ، وإذا اضفنا لذلك الخاصية الجغرافية ، فلا يوجد تواصل جغرافي حقيقي لمناطقهم. كما من غير المقبول اطلاقا لكل الاطراف أن ينعزل الكرد بدولة تشتمل على المناطق الغنية بالطاقة. ناهيك عن وجود فيتو تركي استراتيجي عنيف وغير قابل للتفاوض ، يعضده فيتو ايراني مماثل. ونحن هنا لا نحتسب وجود القيادة السورية الحاليه في دمشق ، افتراضا
2 – وبالمثل فإن العلويين لا يشكلون أكثر من عشرة في الماية من أصل 23 مليون نسمه. ومتواجدين في منطقة الساحل وفي ريف اللاذقية.وهي المدينة الرئيسية في المنطقة وذات أغلبية سنية. يضاف لذلك أن لا رغبة للعلويين بالتقسيم مع فقدان العاصمة دمشق والتي لا تحتوي على علويين تاريخيا ،
3 – – إن مجرد التفكير بتقسيم سوريا ، سينطوي حسب البرنامج الأمريكي الصهيوني على وجود دولة في الجنوب السوري تكون متحالفه او تحت الحماية الاسرائيلية ، وستحيط بلبنان حزب الله ،. واذا شتملت هذه الدولة على دمشق سيتعظم المحذور الايراني حيث لا يكون تواصل جغرافي مع حزب الله…اذن هي الحرب المدمرة بين حزب الله واسرائيل وهذا الامر ترفضه كل الاطراف.
4 – التقسيم يجعل من الدويلات السوريه مناطق نفوذ لجهات اجنبية متصارعه لا تؤمن الاستقرار المطلوب للمنطقة.
اذن إذا استبعدنا عودة سوريا بنظامها كما كان ، واستثنيا التقسيم لصعوبة تنفيذه وعواقبه ، واستبعدنا الصوملة لخطورتها على مصالح جميع الأطراف ، فكيف يمكن أن نتصور التسوية كمخرج لجميع الأطرف. ومن هي الجهات القادره على تنفيذه. لا شك بأن أمريكا وروسيا هما القادرتان ، وأن أمامهما مسلمات أساسية تجعل من التسوية السياسية هدفا وعاجلا. فالحالة السورية مدوله ، ولا حسم عسكري ممكن أو مقبول أو مأمون ، وامتداد زمن الأزمة يعمقها على أسس ليست في صالح أهداف الأطراف. وبالتالي لا حل سياسي ممكن دون توافق واتفاق روسي أمريكي على حل وسط مغطى بقرار من مجلس الامن في إطار سوريا جديده بمستجدات لا تُلحق الضرر بطرف اقليمي أومحلي وتؤمن المصالح الاستراتيجية الممكنه لكل الاطراف فكيف ذلك.
لم يعد مجالا في الحالة السورية لأي طرف في الحصول على مطامع او مكاسب ، ولا لأي من الدولتين الكبرتين من احتكار القرار والحل ، ولا أرى مناصا من اتفاقهما على تسوية تغطي اهتماماتهما التقليدية ليس أكثر ، وتغطية اهتمامات كل الدول الاقليمية الاستراتيجية والمشروعه لا سيما الاقتصادية وحرية نقل الغاز وضرورة تغطية الهواجس الأمنية لتركيا وايران. ، وبانفراج الملف النووي الإيراني ورفع كامل للعقوبات عن ايران وتأمين مصالحها.
وبهذه الحالة ، ستتخلى امريكا عن الدولة الكردية وفكرة تقسيم سوريا مقابل ضمانات امنية واقتصادية لاسرائيل ، ويتخلى حزب الله عن أسلحته النوعية التي تهدد الوجود الاسرائيلي الى الجيش اللبناني او لايران مع ضمانات امريكية – روسية بعدم استهداف لبنان وحزب الله ، وتسوية مشكلة مزارع شبعه. على أن نضع في حساباتنا هنا أن نزع السلاح النوعي من حزب الله والذي يراه الكثيرون ثمنا كبيرا ومطلبا مستحيلا أومعقدا ، قد لا يكون في الواقع هكذا في حال أن تمت تغطية اهتمامات ايران السياسية والاقتصادية الاستراتيجية بما يكفي لتبرير تحقيق ارادتها السياسية اللازمه ، إلا إذا كان لحزب الله موقف أو معادلة أخرى. وكل ذلك يجري على خلفية الاتفاق على سوريا جديده وموحده باصلاح سياسي جذري من خلال دستور جديد يتضمن كل التفصيلات الديمقراطية والتي تحفظ عروبة سوريا واستقلالها ويضمن تداول سلمي للسلطة ويحفظ حقوق الاقليات الوطنية.
أتصور هنا مع هذه التسوية للخروج من الأزمة في الظروف القائمة ، ستخرج كل الأطراف بأقل الخسائر وحاصلة على الممكن والاستراتيجي لها ، ولكن ليس على حساب سوريا ولا على حساب العرب غير الموجودين في المعادلة أصلا إلا في سياق سلبي. ولا على حساب فلسطين بقدر ما يتعلق الأمر بمشروع الشرق الشرق الأوسط الجديد الذي سيتوقف في سوريا.
كاتب وباحث عربي