من سوء الطالع كانت فلسطين والوطن العربي محلا للمشروع الصهيوني بدعم غربي، وبهذا فقد جاء ليقوم على حساب المشروع العربي المفترض ويشكل نقيضا له ، بمعنى لا وجود لمشروع عربي بوجود المشروع الصهيوني والعكس صحيح، وحيث أن القائم الآن هو المشروع الصهيوني الاسرائيلي فليس هناك من مشروع عربي قومي قائم ، ولا يبدأ أو يقوم مثل هذا المشروع إلا بالقضاء على المشروع الصهيوني وهذا غير متوفر الآن، ومن لا مشروع له يصبح محل تجاذب سلبي في الغالب،
اخترقت الصهيونية العالمية الحالة العربية واستغلتها لصالحها قبل صحوة أصحابها وانتقالهم للتمهيد لمشروع قومي لا يبدأ بالضرورة إلا على أرضية المقاومة وطرد المشروع الصهيوني، فهيأت وصنعت للعرب المشاريع الشخصية كبديل عن المشروع القومي ، واتجهت في هذا الى طرح منتوجها باسم ( مشروع حاكم مستبد لدوله) وتبنته، وبالمحصلة تم صنع العديد من الحكام للعرب ” كمشغلي وظيفة ” فيها الصهيونية صاحبة حق الإمتياز، أما جموع شعوب دولنا فقد جبرها تحالف الحكام والصهيونية لتتبنى مشروعا خاصا هو ، البحث عن إطعام أنفسهم وأطفالهم.
فصحيح أننا اليوم أصحاب مشاريع خاصة ، ولا مشروع قومي لنا، لكن الأصح والحقيقة هو أننا أصحاب مشروع رسمي تضطلع به أنظمة عربية مرتبط بمشروع الصهيونية من واقع ارتباط وظائفهم كحكام بصاحب حق الامتياز وهو الصهيونية، بمعنى أننا أمام حاله فيها الأنظمة جزء من المشروع الصهيوني باسم دولها ، وشعوب صاحبة مشروع مفروض عليها وهو مشروع قطيع مملوك بلا اعتبارات ، ومنصاعة لحاجات البقاء، وفيها فلسطين بصوتين ، صوت السلطة بوظيفة حاكم عربي ، وصوت مقاومة محاصرة من كل الاتجاهات.
وإذا فكرنا بسؤال ، كيف الخروج من هذه الحالة العربية ؟ نقول أن أنظمتنا العربية ميئوس منها جميعها، وحتى لا تكون الميئوسية افتراضا نبني عليه ، فإننا نعللها بالقول أن معظم الأنظمة العربية ومنها مصر والأردن ودول الجزيرة والخليج ميئوس منها لارتباطاتها الصارمه، ذلك أن ارتباطاتها وإن ابتدأت مع الصهيونية حرة وسهله ، لكنها لا تعود ولا تنتهي كذلك، ومن يفكر من الحكام الانقلاب على هذه الارتباطات أو على عقد العمل أو حتى التخلي عن وظيفة الحكم دون طرد الطرف الأخر له فسيخسر أكثر من منصبه بكثير ويعاقب عقابا شديدا، فهؤلاء الحكام انتهى تصميمهم بأن لا تكون لهم حماية شعبية ولا قبولا شعبيا بل نقمة شعبية.
وأستميح هنا القارئ عذرا باستثناء الملك عبدالله الثاني كملك للأردن من الميئوسية وذلك لسببين ، الأول لأن شعبه متمسك به لعدم وجود البديل السياسي الوطني عنه وكون البديل في ظل الحالة القائمة هي الفوضى والدم لا سمح الله ، والثاني أن الاردنيين بمكونيهم الرئيسيين الشرق والغرب أردني هم أصحاب المصلحة والضرر والمعنيين مباشرة بالموامرة وبتصفية القضية ، وإن تحالف الملك معهم سيكون كافيا لصنع فرق يُفشل أية مؤامرة على القضية وكافيا لحمايته من تداعيات الانفكاك عن معسكر العدو، وسنأتي لذلك.
نعود للتفكير بالصوت العالي ، ونقول أن العقدة في مشكلتنا مع الحكام هي في طبيعتها التي لا تقوم على جهلهم أو تقصيرهم أو تعنتهم ولا على سوء فهم أو اختلاف في الرأي ، بل على كونهم مرتبطين مباشرة مع عدونا ومتعاونين معه وينفذون مطلوبه عن وعي وشراكة مصالح خاصة معه، وعليه فلا سبيل لنا للخروج مما نحن فيه مع بقائهم بهذا الوصف ، وأن المطلوب الذي يفرض نفسه هو التخلص منهم كبضاعة أجنبية معادية أو كنهج يقوم على إعدام ارادة الشعوب ، وذلك بطريقة ممكنة وآمنة لا ترتد علينا ، فليس المطلوب أن ننتقم منهم بل أن نسقط نهجهم ونجعلهم عاجزين عن إدارة الدولة وأداء مهماتهم لصالح مستخدميهم ، مما سيؤدي الى صنع مواجهات وطنية شعبية مع العدوالصهيوني تحل محل تعامل الحكام مع الصهيونية ، وتفرز حكومات وطنية وسياسات وطنية تقنع العدو بأن العدوان باطل وأن البوصله الصهيونية الموجهة للأردن والوطن العربي يقابلها بوصلة عربية موجهة للصهيونية في فلسطين.
وهنا يُطرح السؤال الأهم والجواب ، كيف تتمكن شعوب مقموعة ومنهكة ومحشورة في مشروع القطيع المفروض عليها تحت وطأة حاجاتها الانسانية للبقاء ، ووطأة المحاذير التي تكلمنا عنها ، أن تواجه حكام متمكنين في دول بوليسية ويمتلكون كل وسائل البطش والسطوة والقمع وتعاون العدو معهم بتزويدهم بكل التكنولوجيا المعلوماتية، أخذين بالإعتبار أنها استخدمت الحراكات والاعتصامات والاحتجاجات والبيانات وحتى الثورات وكلها وسائل مشروعة وفشلت ولم تعد عليها إلا بالأسوأ، وهذا ليس مدعاة لليأس بل للبحث عن البدائل ،فاليأس لا يتشكل إلا من الاعتقاد بانعدام الوسيلة وهذا لا مسوغ علمي أو منطقي له، وبعد تفكير ، أتساءل بصوت عال هل أن العصيان المدني وسيلة شعوبنا الممكنه والناجعه في ظل المعطيات المار ذكرها ؟
وأخير أعود للخصوصية الأردنية واستثنائها من الميئوسية ، وأقول أن الملك عبدالله كملك للأردن هو الرقم الحاسم جدا في مواجهة تطور المشروع الصهيوني ومخطط تصفية القضية إذا أراد، وهو في هذا يتحمل مسئولية تاريخية، فأموال العالم مع أموال السعودية ودول الجزيرة الأخرى مضافا لذلك التأثير السياسي والعسكري للدول العربية والمفقود أصلا ، وحاكمية عباس ،كله لا يصنع فرقا ذي قيمة لأمريكا واسرائيل إذا رفض الملك رفضا حقيقيا وقائما على أسسه،ذلك أن الأردن الذي يضم شعب القضية الماد يده للملك مع احرار العالم هو القادر على صنع الفرق ، فهو المكان الوحيد المواتي عمليا وجغرافيا وديمغرافيا والمعلن اسرائيليا كجزء تدعيه من فلسطين التاريخية ومن وعد بلفور وأنه المكان لتفريغ مكونات القضية الفلسطينية السياسية والسكانية،
لقد دأب الملك على التأكيد على الثوابت في كل الظروف والمناسبات دون توضيح على أية أسس يمتلكها ، وأوراقنا كلها مكشوفة، أعتقد أنه لا يوجه كلامه للعقلاء والعارفين والواعين، نريد أن نعرف منه ما حجم القوة السياسية والعسكرية والتحالفية التي يمتلكها لمواجهة أمريكا أو اسرائيل اليوم ، وما نتيجة هذا الثبات طوال السنين ازاء ما فعلته وأنجزته امريكا واسرائيل على الأرض.
المنطق السليم يقول بأن لا أهمية ولا مصداقية للقول بأن موقف الأردن ثابت من القضية الفلسطينية ومكوناتها ومن حقوق الشعب الفلسطيني ومن الوطن البديل ، فقول الملك بالإلتزام بالثوابت على عواهنه كلام خطير للعقلاء والواعين ما لم يقترن بتغيير نهجه السياسي وترك معسكر العدو الصهيوني والإنضمام لمعسكر الأصدقاء وأعداء عدونا ولمعسكر الشعب الأردني القادر على حمايته ومواجهة وكسر ارادة العدو الصهيوني علينا والذي يعتاش على تحالف أنظمتنا معه.
كاتب وباحث عربي