ما تعيشه المنطقه اليوم مبنيا على سياسة امريكا التي تبنتها في بداية التسعينيات الماضيه والتي تقوم على تحقيق مصالحها واطماعها اسرائيل المتعارضه مع مصالح الدول او الشعوب مباشرة وبمعزل عن القانون الدولي وضوابط المبادئ السياسية المتعارف عليها بما ملكته من تفوق عسكري وتفرد عالمي. وقد دخلت هذه السياسة في مرحلة السكون في عهد اوباما لتتطور معالمها مع حقبة ترمب . ودول العالم اليوم تتعامل مع تطوراتها حماية لنفسها ومصالحها بايجابية وطنية سوى الدول العربية التي لم تنضم لمنطق الدول والشعوب.
وكانت هذ السياسة قد اختطت في منطقتنا هدفا هو الشرق الاوسط الجديد وهو وحده ما تبقى حيا اليوم من تلك السياسة الأمريكيه ووحده ما تسعى اليه من أزمة المنطقة التي افتعلتها وهو هدف ليس في حسابات روسيا، وحكام العرب المعنيين يتجاهلونه ليسيروا في ركابه رغم أنه يقوم على على ركنين، الأول هوادماج “اسرائيل” في الوسط العربي والاسلامي كدوله قومية اليهودية اقليميه غير مرسمة الحدود على حساب الوجود العربي، ومعترفا بها عربيا بما ينطوي على اعترافهم بسيادة تاريخية لها على فلسطين وليس من واقع احتلال ولا مجرد أمر واقع . اما الركن الثاني فهو تأمين الاستقرار للمصالح الامريكية في كل الشرق الاسط كمصطلح سياسي لا جغرافي وتأمين انظمة فيه مواليه او غير معاديه لامريكا ومصالحهما.
وإن سلوك الدول العربية كلها اليوم جذوره تعود الى الخيار الذي اتخذته من بين ثلاثة خيارات كانت أمامها في مواجهة تلك السياسة في بداية التسعينيات الماضيه. وهي ثلاثه خيارات، الأول، هو التحول للنهج الديمقراطي ودولة المواطنه وهذا يعني الاصلاح الجذري والنجاة بالدولة وحريتها . الثاني هو الرفض الهش وهو خيار لا مقوم علمي لنجاحه ولا يستند لجبهة داخليه متماسكه . الثالث هو الرضوخ لامريكا ومتطلبات تنفيذ سياستها بمعنى ارتهان الدوله املا بسلامة النظام. ولم تلجأ أي دولة عربية الى الخيار الأول واختارت بعضها الخيار الثاني واختار البعض الاخر الخيار الثالث وكانت النتيجة لصالح امريكا والصهيونية، وكان الاردن ضمن الدول التي اخذت بالخيار الثالث وهو الأسوأ لها والافضل للصهيونيه.
وهذا ما يجعلنا نتوقف عند فترة ترمب الحالية التي طورت موقف اوباما الحذر ومنحت فرصة مكشوفة لهامش أكبر من المناورة والتغيير لدول المنطقة، وهي الفترة التي لم يستغلها الحكام العرب المعنيين للأن بل تعاملوا معها وازدادوا رضوخا مما يؤشر على ان تحالفهم التقليدي مع المعسكر الصهيو امريكي كان استراتيجيا ومن طرف واحد وليس تكتيكا مرحليا في سياق إيجابي كما ادعوا، لقد جاء ترمب بفكرة وسياسة تنطوي على انكماش امريكا على نفسها وتمييع اسس تحالفها وارتباطاتها بالعالم الغربي والأطلسي، وهجر وتهزيء أسس العلاقات التقليدية مع العرب والبوح بزيفها والقنص عن بعد، وإن مواقفه وسلوكه مع روسيا يؤكد اتجاهه نحو نظرية القطبيه “المفيده” وأسف لاستخدام هذا المصطلح، مما عجل في دخول روسيا الى الساحة الدوليه بقوة من خلال الأزمة السورية. وبتنا اليوم في حالة تعويم التحالفات في المنطقه والعالم وما زالت معومة بما قد يؤدي الى نظام دولي جديد بحرب او بالتراضي.
إن التركيز السياسي الدولي في الأزمة السورية وتعقد ازمتها وعدم الاجهاز على الارهاب المترنح فيها مرتبط بجدلية وبأهمية ومحورية الحالة التي سستستقر عليها سوريا كونها الحاله التي تحدد مستقبل الحاله الجيوسياسية التي ستكون عليها المنطقه عربيا واسلاميا . ومن هنا لا اعتقد بأن امريكا وروسيا والدول الفاعلة في الاقليم ستسمح بحل أية مشكلة او صراع في دول المنطقه ما لم يتم الاتفاق على التسوية التي ستستقر عليها سوريا، فكل الصراعات العسكرية والسياسية في دول المنطقة مرتبط وجودها بالازمة السورية على خلفية المشروع الصهيوني المضمن بفكرة الشرق الاوسط الجديد . وما مسألة خطوط نقل الغاز الا طارئا وسع الصراع.
ومن هنا فإن الصراع الدائر في المنطقه ومركزه في سوريا سيتمخض إن لم يغير الأردن نهجه السياسي وتحالفه عن ولادة قضية جديدة اسمها القضية الأردنيه وستكون القضية التي تتحد مع القضية الفلسطينيه، وأرى دائما بأن المصلحة العليا الاردنية والفلسطينيه تقتضي الوقوف مع حماس نهجها وسلوكا، وبما اننا نعيش فترة غفوة الشعوب فإن النظام الاردني عليه مسئولية التغيير وسيصنع ذلك فرقا كبيرا للقضية الفلسطينية ويجهض ولادة القضية الأردنيه.
الاردن نظاما وشعبا ترك on hold ولكن ليس بخير ولا على خير، ترك مكبلا بكلبشات المعسكر الغربي الصهيوني من رأسه لاخمص قدميه سياسيا وماليا وعسكريا وأمنيا، وبقي بعيدا عن اقليمه ودوله الفاعلة وعن مسئولياته بلا مبرر سياسي أو وطني او قومي، ففي الوقت الذي تصر فيه اسرائيل على ابعاد النظام، يصر النظام على إبعاد نفسه عن اللعبة الاقليمية والدولية ويقبل للأردن أن يصبح متلقيا سياسيا لا يُرسل ولا يراسَل، وأن يتحجم دوره بقول يساوي الفعل ولا يتخطى “نحن مع ونحن نؤيد”، ومتلقيا لمشاريع اقتصادية مستقبلية مآلاتها خدمة اسرائيل ومشروعها بالمنطقه، سلوك لا تقدم عليه دولة عربية مستقرة سياسيا وفكريا او منتميه، مشاريع ليست لنا بل علينا…. ويوقع.
الاردن اليوم على ابواب قضية جديده اسمها “القضية الأردنيه” وهي سياسية تتناغم مع تصفية القضية الفلسطينية، ونحتاج لحلول استراتيجية استباقية بعيدا عن اللجوء لسياسة الحركات لمجرد لفت انظار البدلاء العرب أو تنبيه وابتزاز المعسكر الصهيو- امريكي . ألا يعلم نظامنا بأن هذه سياسة كانت في مرحلة من الماضي وانتهت، وبات اليوم اسمها “استجداء اللئام”، لنخرج رأسنا من الرمل ونترك التلهي واشغال انفسنا بالمعابر العراقية والسورية والشاحنات وأزمة اربيل أو ومداعبة المشاعر بحماس . فكل شاة اليوم مربوطة بعرقوبها، والأبواب الملوح بها مشرعة، فلا نستخدمن مثل تلك اللقاءات وغيرها لمجرد حركات بلا مضمون تنطوي على هروب من مواجهة الواقع المر.
المفتاح لفك الكلبشات والحل الاستباقي بيد الملك والظرف الدولي مهيء والشعب داعم وتواق، وإن سلوك المعسكر الصهيو امريكي المستجد او المتطور ازاء الاردن كسلوك استراتيجي يأتي في مرحلته، معتمدين على اعتقادهم بأن الملك والنظام الهاشمي مكبل بمصالحه الشخصية ومعزولا في الداخل ولا تهمه الأوطان ولا مصالح الأمه، وبأن مساحة حركته محدودة فإما للهاويه أو الخروج بمكا فأة نهاية الخدمة . وهذا السلوك الصهيوني الاستراتيجي المتمادي لا يقابل الا بنهج وتحالف استراتيجيين جديدين، ولا يمكن أن نبقى منتظرين مصيرا لنا تصنعه الصهيونية.
كاتب عربي