المشروع يتكامل بمشراكتنا

خرج علينا مصطلح كيري – لا فروف إثر التدخل الروسي في أزمة المنطقة في مقاربة مع مشروع سايكس بيكو ، وتوالى هذا الاستخدام فيما بعدة بمقالات كثيرة . والإشارة هنا هي الى تقسيم أخر للمنطقه أو تعميق لسايكس بيكو . لعل هذا صحيح بالمعنى العام ، لكن ما نواجهه في مشروع اليوم له خصوصيته من حيث الطبيعة والهدف والسيناريو والاخراج ومن حيث الموقع والموقف العربي ، ولا خلاف في هذا على أن كليهما فكرة غربية صهيونية بالأساس ، لكن علينا أن نتذكر بأن سايكس بيكو جاء في عهد الاستعمار المباشر والمعلن من خلال ما ورد لاحقا في منظمتي عصبة الأمم وهيئة الأمم ، وأن المشروع الجديد يأتي في عهد دولي أخر له استحقاقاته المختلفة ، والأهم أن ندرك وجه التكامل بين المشروعين ، فهما مرحلتين لمشروع واحد .
فمن حيث الطبيعة والهدف بين الاتفاقين ، القديم والجديد المنتظر. فإن الأول كاتفاق غربي — غربي والروس هم اول من كشفه ولم يتدخلوا به ، كان قد جاء ليلبي شروط تأسيس دولة اسرائيل في وسط الوطن العربي بآلية تقسيم سوريا الكبرى كدوله وإضعاف العرب وتقنين وضع يد بريطانيا على فلسطين والأردن لهذه الغاية ، في الوقت الدي كان فيه اليهود يشكلون نسبة 4% في فلسطين . ونلاحظ هنا أن وعد بلفور تلا سايكس بيكو مباشرة . ومن هنا كان التقسيم جغرافيا- سياسيا . أما طبيعة التقسيم في المشروع الثاني أو المتوقع ، فستقوم على تجزئة المقسم وهو الأمر الذي يتطلب أساسا جديدا وممكن التطبيق ، فخطط لذلك أن تكون العرقية والطائفية هي الأساس ، فأقحمت اعراق المنطقة وطوائفها في اللعبة وأحيطت بالدعم غير القابل للنقاش .
أما الهدف من المشروع الحالي المتوقع حصوله باتفاق معسكرين مختلفين ، فإن الغرب الصهيوني كصاحب للفكرة وسيدها ، يسعى او يهدف منها هذه المرة إلى إدماج اسرائيل في المنطقه كدوله شرق اوسطيه مقبولة من الدول العربية والاقليمية وبعيدة عن التهديد وابرازها كقوة اقليمية ثالثه في المنطقه على حساب العرب . ومما يعنيه ذلك طوي ملف القضية الفلسطينية حسب المنظور الصهيوني ، وهو ما يمثل وجه التكامل بين المشروعين .
وحيث أن المشروع الحالي يجيء في ظرف بغيب فيه الاستعمار، وفي اطار دول مستقلة ، وأعضاء في الأمم المتحدة ، فقد جاء بآلية افتعال الفوضى العابرة للحدود والمدمرة للوضع القائم ، وخلق مبررات التدخل وصولا لجعل التجزئه الجديدة خيارا يفرض نفسه على الجميع . كما سمح هذا الظرف الدولي بتدخل روسيا بأريحية قانونية وسياسية وأخذ دور الشريك الأساسي في اللعبة ، سيما وأن تطورات الفوضى ومخرجاتها تهدد مصالح استراتيجية لها في وقت تعاني فيه من ضغوطات اقتصادية وسياسية غربية يحتاج التخلص منها لورقة تفاوض . وقد جرى هذا التدخل بتفهم وترحيب امريكيين لإسهامه في منع الحسم العسكري وإدامة حالة الفوضى والرعب والضغط السكاني المفضية لتقبل التفتيت . كما ستسهم الشراكة الروسية في مباركة النتائج في مجلس الأمن .
وبالتزامن ، فقد تطلب انجاح المشروع وجود أطراف أخرى لأدوار حيوية لتأجيج الصراع وتوسيعه ولتصلب المواقف وخلط الاوراق فكان دور الفرس ، ودور الاتراك وغيرهم . ولو لم تكن أهداف خاصة لهم فستخلق . وكانت داعش شرارة للحريق والمغناطيس الجاذب للمنطقه وهي ليست هدفا حقيقيا لأي طرف في هذه المرحله . وأذكر هنا بأن اوباما ليس واحدا من ثالوث صناع القرار الأمريكي ولا هو من صناع داعش او الفكرة ولا يصلح للمشروع الحالي ، بل هو يتخذ القرارات اليوم من خيارات صناع القرار التي تعرض عليه وكلها تمهيدية أو مرحلية .
وبهذا يجدر القول بأن ليست هناك دولة واحدة تريد أن تتحمل مسئولية إعادة هيكلة المنطقة والتجزئه المزمعه ، وكل الاطراف الدوليه والاقليمية ترغب بأن يفرض هذا الامر عليها فرضا بحكم الامر الواقع ليظهر حلا كخيار الصفر . أما بالنسبة لشعوب المنطقه فكل قومياتها وطوائفها ترغب بالتقسيم وتنتظره باستثناء السنه العرب بصفتهم الاكثريه الساحقه التي تمنحهم صناديق الاقتراع الحكم ، ولأسباب أخرى تثير الجدل ، على أن يكون مفهوما بأن التجزئة المطلوبة لا يفسدها اسلوب الفدرالية في أقاليم بحكم ذاتي على النموذج الكردي في العراق . فهذا إخراج محتشم لسيناريو فاضح ولعين ، ويؤدي في المحصله للغرض المطلوب.
أما الدول العربية والتي لم يكن لها دور في سايكس بيكو، فإن قسما منها مطالب اليوم بدور يخدم تنفيذ المشروع الحالي في تفتيت الدول العربية . والقسم الأخر مسموح له الحياد ، وهو ما يحمل الجميع مسئولية تاريخية لا تبرئ أحدا هذه المرة. فمواقف العرب اليوم تنبع من فرقتهم وضعفهم وسقوط الحس القومي من سلم الأولويات . وكانت الآلية التي تفعلت لهذا الغرض خلال السنوات الماضيه هي اللجوء الى شعار” البلد أولا ” بالمضمون غير المتوازن ، والمفضي إلى عزل الدول العربية عن بعضها وعن قضاياها المشتركة ومصيرها المشترك ، وإلى الاستفراد بها بكل انواع الابتزاز السياسي والعسكري والاقتصادي ، واقعة في ذلك في الفخ الصهيوني . فأضاع العرب ريحهم جماعة وفرادى.
فنحن نرى دولا عربية انخرطت بالمشروع لأنه اصبح خيارا لنظامها الدكتاتوري النهج ، ومذهبي المشروع . ودولا أنظمتها حذرة وتشعر بالخوف واختارت النأي بالنفس طوعا . وأخرى تشعر بالتهديد المدعوم اسرائيليا على حدودها ، وربما استلمت رسائل بأن النأي بالنفس سيؤمن لها الاستقرار ونجاة النظام . وهناك دول انخرطت بلعبة المشروع وربما على خلفية إعطائها الأمان باستثنائها من مخرجاته تحت الإبتزاز، وباتت تخلط الاوراق بشكل مرعب باستهداف مخالب ايران في بلادنا وترك الرأس والرؤوس أصحاب القرار ، فبتنا نشهد لبنان الدولة ما قبل الأخيرة في المنطقة تترشح للسعير لتصبح كبرى وقابلة للتقسيم ، وليس من ضامن أن لا تعقبها الدولة الأخيرة والتي لا مكان لشعبها لجلوة كبرى .نحن نعلم أن دولة كالأردن لا تأخذ قرارا في طبخة حرب واسعة الأطراف بمعزل عن رأي حليفها التقليدي مع أن الحقائق ومعطياتها يدركها المحللون في دائرة المخابرات . سلم الله الاردن والاردنيين وخفف عن الفلسطينيين وأيدهم بجند من عنده فهذا ما تبقى لهم .