إن فكرة وجود المعارضة السياسية الممأسسة في بلدنا مرفوضة، لارتباطها بعملية التحول الديمقراطي، وبالنظم الديمقراطية، وبوجود أحزاب حرة، كمتطلبات لنهج سياسي ما زال مرفوضا وجوده، أو مفروضا غيابه. فكان طبيعيا أن لا تتشكل البيئة السياسية والقانونية والتطبيقية الموصله لنهج غير مطلوب، وطبيعيا أن يُفًرغ قانونَي الأحزاب والانتخاب نصا وتطبيقا من مقومات وفلسفة وجودهما، كأهم ركيزتين للاصلاح السياسي. فالدولة التي تنبذ الفكرة تحارب تَبلورها. ودولتنا لا تريد المعارضة حتى لو كانت مزحة أو وهمية وحليفة للنظام، خوفا من أن تُشَكل في ظرف ما بديلا محليا قادرا على الحكم أو سد الفراغ. لكن لدينا معارضين في الخارج والداخل، ورغم اختلاف طبيعتهم ومنتوجهم، إلا أن تعامل الدولة معهم بالمحصلة واحد .
أما المعارضون في الداخل، وإن اختلفت رؤاهم ، فيبقى للضمير وللوطن والشعب فيها حصه ، فتتغاضى الدولة عن اقتناصهم لأنفسهم هامشا في حرية الكلام والكتابة ، ولا تتدخل إلا في حالات معينة لضبط إيقاعهم ، بأساليب وطرق متفاوته . إلا أن ما يُمارَس عليهم ومعهم من سياسة ، أشد وأقسى بكثير ، وذلك من خلال اصطلاح سَمعتُ به ، يسمى ب (حالة الملوك ) ، التي يكون فيها الحاكم ممتلكا لكل القرار والأوراق ومُطمَئنا على وضعه ، فلا يعود يأبه بالرأي العام ، ولا معنيا بكلام الأخرين ولا بناقد او ناصح أو مُطالِب . فيتحول نشاطهم الى صفر. فمهما كتبوا وقالوا وطالبوا، يبقون كالمتكلمين في الفراغ الذي لا ينتقل فيه الصوت ولا يُسْمع .. ليصبح تطنيشه لهم علاجا ناجعا. وليصبح استمرارهم في الكتابة والنقد والنصح مجرد تنفيس أو (فشة خلق ).
أما المعارضون في الخارج فهم محل مقالي، وفيهم ابتداء أقول، إذا كان الفرق في الانتاجية بين المعارضه الممأسسة وبين المعارض في داخل الوطن يساوي الفرق بين المئة والصفر ، فإن الفرق بين المعارض في داخل وطنه والمعارض في خارج وطنه يصل أحيانا الى الفرق بين الوطني والخائن. ومهما كانت الأسباب التي يدعي بها الذين ينتقلون للمعارضة في الخارج كبيرة ، تبقى خطورتهم على الاوطان حقيقية ، وأكبر بكثير . .
ليس من المصلحة الوطنيه ان تكون هناك معارضة أردنية أومعارضون أردنيون في الخارج . وليس بعلمي أن السلطات الاردنية المختصة والمعنيه ترغب في ذلك ، بل هي تعلم بأنهم سيكونون أو سيتحولون الى معارضة مأجوره وإلى معارضين مأجورين من خلال استغلالهم وتجنيدهم كعملاء ، تستخدمهم الدول التي تحتضنهم ، من عدوة وصديقة باسم حرية التعبير . فخطر المعارضين في الخارج خطر على النظام قولا ووسيلة ، وفعلا في المحصله ، ولكنه في الاساس خطر على الوطن والشعب تصميما وفعليا . ونحن قد شاهدنا الدور الحقيقي لمثل هذه المعارضه التي كانت منسوبة للعراق وليبيا وسوريه ومصر وافغانستان وغيرها ، وليست المعارضة الاردنية في الخارج استثناء .
إن مما يؤشر على مشروع جُرْم بحق الوطن ، أن نرى معارضين كانت متاحة لهم ظروف الكتابة والكلام والنقد في بلدهم ، ومع ذلك يعبرون الحدود لينشروا غسيلهم ولينقلوا صوتهم لجهات أجنبية غير معنية بهموم الاردنيين ولا بالإصلاح في الاردن ، بل معنية بمصالحها وبتطويع الاردن لأجنداتها السياسية . فماذا يعني ذلك سوى الاستقواء اللامسئول بالأجنبي على اوطانهم وشعوبهم ، والفوز بنُعمى ثمنها الاوطان . وهل تُبرر ما تسمى ب “حالة الملوك ” لمعارِض او ناقد أن يتحول درجة وراء أخرى من ناصح وطني ، الى مجرد مشاغب أفاك مأجور لأعداء الأمة ؟ أو الى عميل مأفون .
الكثيرون منا يتابعون المعارضين الأردنيين في الولايات المتحدة وبريطانيا ، ويتابعون تحريضهم على بلدهم وتشكيكهم بكل جهاز وطني فيه ، وتأويل الأحداث الداخلية وأقوال المسئولين الى ما يخدم المتربصين ، ونتابع بنفس الوقت التسهيلات الاعلامية والسياسية التي تقدم لهم من أسيادهم . تماما كما نتابع ما أمكننا من المغتربين الاردنين الوطنيين الأحرار ، الذين لا يطرحون انفسهم للأجنبي كمعارضة مستوطِنه ، بل يطرحون همومهم وأفكارهم ورؤاهم لبني جلدتهم ولصحفِ بني جلدتهم . ونلاحظ أسفين اهمال الدولة لكلا الصنفين .. .
ارى من واجب الجهات الاردنية المختصة والتي تتابع نشاطات هؤلا المعارضين في الخارج وعلاقاتهم المشبوهة، وإفكهم المرحب به والمسوق، أن لا تكتفي بالتطنيش ولا بأخذ العلم بما يفعلون ويقولون ، فليس مثل هؤلاء من يُطًنشون ، وعليها أن تتخذ مواقف وتسلك سياسات حازمه مع كل المؤسسات الأجنبية ،السياسية والاعلامية ، التي ترعاهم وتستخدمهم . ولا يخفي في هذا المجال بأن سيادة السفارات في عمان تتبع لبلدانها ، وأن كل شكل من أشكال التعاون معها تحت عنوان “الفضفضه ” أو الصداقة ، إنما هو في الواقع يندرج تحت عنوان “المحظور وطنيا” ، ويستوجب المساءلة القانونية ..
هم حثالة، لكنهم يسهمون في صنع بنك من المسوغات السياسية للاجهاز على الوطن، ولا بد من مواجهة لعبتهم. وهذا لا يعفي الدولة بذات الوقت من اصلاحها لنفسها على مقاس مصالح الوطن وشعبه، ففي ذلك فقط يقبع حزام الأمان . وحالة الملوك التي تَحدثنا عنها لا تُسعف في المحصلة حاكما ، ولا تُغيث شعبا . ولا تحويل الوطن بكامله الى قاعدة أجنبية مجانية ينقذه … .