المعسكر الصهيوني يسعى لمناطق عربيه عازلة بين اسرائيل وايران.. والعالم يعيش حقبة انقلاب بوتين من دمشق على حقبة بوش من بغداد.. فهل يتحول حكامنا الى قادة ويلتقطون اللحظه

يبدو أن الحرب في سوريا في طريقها لأن تصنع توازنات سياسيه عالمية دولية وإقليمية جديدة وراديكاليه لم تخطر على بال محلل سياسي لا يأخذ بالاعتبار شخصية وطموحات بوتين وتفاعلها مع شخصية وبراجماتية ترمب، الأحرار والقادة والمنتمون لاوطانهم وقضاياها هم فقط من يلتقطون اللحظة، العالم يعيش اليوم حقبة انقلاب بوتين من دمشق على حقبة بوش الأب في بغداد، إنها حقبة جديدة تنكمش فيها امريكا على نفسها ويتفكك فيها الحلف الغربي ويلحق فيها الأطلسي بوارسو، والأمثلة زاخره امريكيا وأوروبيا، ولعلها المرة الأولى في القرن العشرين التي يخاطِب فيها الشرقُ الغربَ من علِ.
لقد باتت الدول العربية معومة وبات حكام العرب أيضا معومين، وعليهم بل وبإمكانهم أن يحذوا حذو تركيا الأطلسيه . فهل يتحول حكامنا الى قادة ويلتقطون اللحظه؟ إن أفول نجم العنجهية الامريكية في منطقتنا مظاهره متواصله وعلى حكامنا أن يعيدوا حساباتهم بكل جرأة وحكمه، فعندما يترك المستعمرون والغزاة مستعمراتهم طوعا فإنهم يأخذوا معهم ما يتيسر من غنائم ويتركوها خرابا وفسادا وفوضى، وإن استمروا متمسكين بالحلف الصهيوني الدولي فلن يجدوا حماية خارجية او داخلية منه ولا الرعايه، وسيخسرون أكثر وأكثر دون ثمن يقبضونه بل ثمن هم سيدفعونه غاليا.
على حكامنا أن يفهموا بأن الحرب البارده التي سبحوا فيها عقودا من الزمان في طريقها للاستبدال بتفاهمات، وأن مصالحهم المشتركة مع مستعمريهم وصلت لنهايتها واصبحوا جميعا إما عبئا عليهم او ارثا باليا قد استهلك، ولن تتكرر حروب النفط المتقاعد مع السيد الغاز، ولن تقف مواقف وسياسات الدول التي تعارف على تسميتها بالصديقة والعدوة في الشرق والغرب في وجه التفاهمات بين القوتين الكبرتين المتمثلتين بسياستي الرجلين.
إنها تفاهمات تبدأ مشفرة وتنتهي مكتوبة وستكون بالضرورة على حساب النظام الدولي القائم والمتمثل بنظام الأمم المتحدة مجسدا في نظام مجلس الأمن المفصل في بنود الميثاق، وسنكون امام فرصة جادة لتعديله وما لم ترضخ الدول الثلاث الباقية في المجلس فستنقلب الدولتان على النظام ويتعطل المجلس، والسؤال الكبير هو هل سيُحكم العالم برأسين ونكون حينها أمام حالة تاريخية نادره، أم أننا سنتجه لعالم أكثر توازنا تِحِل فيه القيم محل الأيدولوجيات وتكون الحكمة قد خرجت من فم المجنون، هذا يترك لمجرى الأحداث على الأرض.
ولكن ماذا عنا نحن العرب حكاما وشعوبا بدول مفككة ومعومة بلا بوصله؟ فلسطين بات العالم كله يعلم بعدالة قضيتها ولكنها ليست قضية للتقاضي بل قضية تحرير، والمؤشرات التي لايذكرها المتفائلون تخبر بأن سوريا في طريقها لتكون مشروع مثال لبقية دول العرب المعنية، ومنصة انطلاق في مرحلة يترك فيها الحكام في مواجهة شعوبهم بلا هدى من هذه الشعوب المفتقدة لكينونة سياسية وطنية واعية ومنظمة.. فلا تفسير مقنع لعدم اطلاق يد الجيش السوري نحو اخضاع كل الاراضي السورية للسياده الواحده سوى اسقاط فكرة سوريا موحده، ولا مبرر عسكري او أمني لمناطق خفض التوتر، بل هناك مبرر لاغلاق غرفة الموك، فلا شك أن الهدف هو سياسي بامتياز محله التفاهمات بين القوتين الكبرتين، ومن الهراء السياسي القول بغير التسابق على مناطق النفوذ في دولة هي الأهم سياسيا وجغرافيا لاسرائيل، والأكثر ارتباطا بنقل الغاز، وفيها الجولان التي تحصل منه اسرائيل على أربعين بالماية من احتياجاتها للمياه.
وأن فتح معبر نصيب كغيره من المعابر لا يأتي في سياق توحيد سوريا ولن يأت بمعزل عن تحقيق متطلبات اسرائيلية ميدانيه تتعلق بحلفاء سوريا المقاتلين، والاردن الذي يلهث وراء فتح هذا المعبر مطلوب منه أثمان أخرى تتعلق باستيعاب مقاتلين سوريين وأجانب وربما مواجهة أخرين. فما يجري مفتعلا لحسابات سياسية واقتصادية على خلفية حروب مرشحة في المنطقة تسقط فيها حسابات الحكام العرب.
إن اسرائيل تعيش الان مرحلة لا يشكل فيها لعرب أي تهديد عليها لأقصى مدى زمني منظور، وتسعى لاعادة هيكلة المنطقة العربية جغرافيا وسياسيا لصنع دول ومناطق نفوذ عازلة بينها وبين ايران ، وما القاعدة االعسكرية لامريكية الثابته التي جهزتها امريكا مؤخرا في النقب الفلسطيني لجانب حاملة الطائرات في الشمال الفلسطيني لحماية الكيان الصهيوني من مقذوفات وصواريخ ايران وربما غيرها سوى اضافة نوعية.
وأكرر بأن الحماية سترفع عن الحكام العرب . فإما أن يلتقطوا اللحظة ويفكون كل ارتباط لهم مع المعسكر الصهيوني ويتجهوا شرقا كما كان مفروضا منذ قيام الكيان الصهيوني وإما أن تنتهز الشعوب الفرصة الاخيرة في مواجهة حكامها، فنحن أمة لا يعادلها أمة أخرى في ما يواجهها من مخاطر ولا في ما هي فيه من ضعف وانحطاط، أمة تشكل بمجموعها تناقضا أساسيا وجوديا لاسرائيل وفريسة للأمم بفضل دكتاتورية وتواطؤ حكامها.
كاتب اردني

Leave a Reply