وأخيرا، أطلت علينا الادارة الأمريكية معلنة طبيعة صفقة التصفية حين تفترض بأن مشكلة الشعب الفلسطيني وطبيعة الصراع العربي الاسرائيلي هي اقتصادية وليست احتلالا، وبأن الأوطان تباع، والسلام يتحقق بالرشا، وعمليته السلام تقوم على قواعد السوق في البيع والشراء وتحديد الثمن، بعيدا عن الأسس والمبادئ القانونية والسياسية والتاريخية التي تعيد الارض والحقوق المسلوبة.
وبالتوازي أطل علينا القرار الاردني بالمشاركة في ورشة البحرين، الاداة التنفيذية للصفقة، رغم غياب ورفض التوأم الفلسطيني الرسمي والشعبي صاحب القضية وقرارها، والذي يُفقدها غيابه أدنى مشروعية، ويجعل من كل ما يخرج عنها باطلاً ولا أثر سياسي أو قانوني او أخلاقي له. إلا أن مشاركة لأردن رغم غياب فلسطين ورغم ارادة الشعب الأردني بكل أطيافه التي عبر عنها بكل الأدوات السلمية، هي مشاركة لها خصوصية قاتلة تطال المصالح الوطنية العليا للشعبين الاردني والفلسطيني والقضية معا بما يتعدى الطعنة بالظهر الى ما تتيحه العلاقة التاريخية والمتميزة للأردن بالقضية الفلسطينية وشعبها من استخدام صهيوني ودولي للمشاركة الاردنية لتأخذ مكان الدور والقرار الفلسطيني على غير محمله. إلا أن تزوير ارادة الشعوب لن ترتد بالنهاية والمحصلة إلا على مزوريها
فنحن اليوم أمام عملية متاجرة بالوطن ما كان لها أن تطرح لو لم يكن النظام الرسمي العربي مع الواقع الفلسطيني حاضنة لها. وما كان لها ان تكون لولا استحقاقات اوسلو التي طعنت المقاومة الفلسطينية المشروعة في خاصرتها وما زالت تطعن بها رغم أنها مقاومة ليست جدلية على صعيد الشعب الفلسطيني والقانون الدولي. فنحن الشعب العربي أمام تحديين هما سلطة أوسلو في كفة والانظمة العربية كلها في كفة وإن نجاحنا في واحد من التحديين سيكون كفيلا بقلب المعادلة وإعادة الروح للقضية ولأمة صامته.
الشعب الاردني اليوم وقطره العربي يدخل ضمن المشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة مباشرة بقرار رسمي للنظام وبشهادة زور فاضحة من حكومة مأجورة ذليلة معادية للشعب والعقيدة سيسجل التاريخ رئيسها كرائد في نادي الرؤساء للخيانة الوطنية والقومية العظمى.
فسياسة الدولة في التعامل مع الصفقة والرضوخ لها بالمشاركة في ورشة البحرين بأي مستوى وأية ذريعة هي رضوخ ومشاركة في وأد حق العودة، وفي التوطين والوطن البديل، وتمريرا لقرار يهودية الدولة وابتلاع القدس وكل ذلك أول الغيث لا نهايته. وإن مصداقية التمسك بالثوابت واللاءات سقطت. حيث لا يكون ذلك بالمشاركة في ورشة تمثل طبيعة الصفقة وليست معقودة أصلا الا لأجندة واحدة هي الرشا على خلية المتاجرة بالوطن وجاءت فوق ذلك في إطار إلإمعان بالإذلال لأمتنا والاستهتار بقضيتها حين يصل سقف المزاد إلى توسل المجتمع الدولي لجمع مبلغ ثمنا لفلسطين والاردن وحقوق شعبيهما الوطنية بينما دولة أعرابية واحدة يخلو التاريخ من نموذج خيانتها وذلها دفعت اكثر من عشرة أضعاف المبلغ رشوة لرضا صاحب الصفقة.
على نظامنا الاردني بالذات أن يحسب تداعيات الصفقة وطبيعة ورشة البحرين ومعانيها السياسية، فضحيتها الأولى والمباشرة ستكون وكالة الغوث التي لا تقتصر تصفيتها على مجرد انعكاساتها السلبية المالية على الاردن أو المعيشية والخدماتية على ملايين اللاجئين الفلسطينيين بل على تصفية البعد السياسي الدولي للقضية الفلسطينية.
إن صفقة ترامب على خستها وصفاقتها عندما تكون بعنوان الارض مقابل المال ليست الا استحقاق سياسي لقبولنا بصفقات ابتلعناها ودفعنا نحن الثمن، أليس هذا كافيا لأن تعتبر كشعوب. فما لم يتم اسقاط الصفقة الجديدة من أساسها فلن تكون هي الأخيرة ولا نهاية مطافها فلسطين والأردن، بل سيتبعها صفقات وصفعات تأتي على طبيعة الوجود العربي في المنطقة وكرامة الانسان العربي ومصيره.
الشعب الاردني اليوم مطالب بالدفاع عن نفسه ووطنه ومستقبله وليس أمامه الا اسقاط الصفقة وجعل كل ما تحقق منها حبرا على ورق. وهذا نداء لكل مواطن للوعي على الحقيقة وتلبية نداء الوطن والضمير والكرامة. وأن يتجاوب ولا يتقاعس. فلا سجن ولا موت ولا مخالفة للدستور إن خرج للشارع ولبى النداء. فوحده القادر على فرض وجوده وإرادته على من يتجاهلها ويكسرها وإلا فصمته سيكون الى الأبد.