نرى وطناً بديلا في فلسطين لمتهودي الخزر باسم أخر هو اسرائيل. لكن هذا الكيان لم يشعر بعدُ بالأمن أو الأستقرار منذ يومه. ومن هنا كان ارتباط الحالة الفلسطينية بالأردنية وخصوصيته لدى الصهيونية. ففكرة استخدام الأردن كوطن بديل ليست جديدة بل من لزوميات انجاح إقامة المشروع الصهيوني، ولهذا أُقيمت في الاردن الأمارة دولة دور بشروط وتفاهمات للمساعدة في هذا المخطط.
ففكرة الوطن البديل الموجودة في الوعي الصهيوني، نحن العرب أو الاردنيين بالذات من سمَّى المصطلح وانتزعه من رأس الكيان. وذلك مِن واقع سلوكهم على الأرض ومن خلال سينياريوهات اتحادية دأبت اسرائيل على الاضطلاع والخوض بها مع القيادة الأردنية عبر السنين، وكانت سياسة طمس الهوية الاردنية الملتصقة بالارض الاردنية، وطمس الهوية الفلسطينية في الأردن واختزالهما بهوية الملك من أساسيات قيام مرحلة الوطن البديل.
ما أريد توضيحه، هو لماذا لن يكون الأردن وطنا بديلا، ولماذا ستفشل أمريكا واسرائيل في إقامة إطار سياسي في الأردن ينطوي على الوطن البديل.
وبهذا، أقول في المقام الأول حقيقة يجب أن يضعها العرب والأردنيون بالذات بحساباتهم تؤكد عدم إمكانية أمريكا من حماية التجربة الصهيونية في فلسطين ولا نقلها الى الأردن. وهي أن يهود الخزر الذين يحتلون فلسطين اليوم هم من كانوا راغبين وباحثين عن وطن بديل، لأنهم يعرفون بأن مملكة الخزر التي تم إخراجهم منها لم تكن وطناً أصيلاً لهم ولا لأجدادهم بل أرضاً كانوا قد غزوها. ولا يختلف الأمر عندهم في المحصلة بين مملكتهم الخزرية التي أسسوها على الغزو وطُردوا منها، وبين فلسطين التي غزوها. فالفكرة لهم بخزاريا وبفلسطين هي واحدة. وهم لذلك على أتم الاستعداد للخروج من فلسطين إذا ما وجدوا مقاومة أو تغييرا في ميزان القوة، ولن يكونوا مستعدين للموت من أجل ارض ليست لهم.
ومن هنا علينا لدى الحديث عن الأردن كوطن بديل عن فلسطين أن نضع بحساباتنا المسلمات التالية وهي.
–. أن اسرائيل منذ قيامها وللأن لم تتمكن من الاستقرار كدولة. وأن الشعب الفلسطيني منذ الاحتلال وللأن لم يستسلم. وهو برفضه وبمقاومته استطاع أن يجعل إسرائيل دولة افتراضية لم تحقق وجودها فعليا. وهنا فمن المنطق والعقل أقول ليس هناك من مبرر ولا سبب للإعتقاد أو الشك بأن فصيلا واحدا من هذا الشعب الفلسطيني مهما كانت الجنسية التي يحملها أو كان توجهه أو موقعه السياسي ومهما كان وضعه الإقتصادي عاليا أو هابطا، فلن يجعله ينسى أو يتخلى عن وطنه وموطن أجداده، ولا أن يستبدلها بجنة على الأرض. فهذا شيء يجري في دم العروق وحنين القلوب ومخزون الضمير لشعب ليس طارئا على التاريخ. أما الخونة من أفراد فلا يخلو منهم شعب، ورضوخ الحكام العرب للتعاون مع الصهيونية في هذا الصدد لن يحقق بوجود هذا الشعب فرقا بالمحصلة.
– من هذا الواقع، ومن واقع أن لا أمريكا ولا اسرائيل تملك خيوط فرض دولة بديلة في الأردن، فإن الصهيونية الاسرائيلية التي تعلم بحقيقة رفض الشعب الفلسطيني لغير وطنه، وكذلك الأردنيين، خرجت بمفهوم توراتي يخصها لا يخصنا، ينطوي على تحقيق فكرة الوطن البديل في الأردن دون الشكل. هو أن فلسطين والاردن دولة واحدة جغرافيا وسياسيا باسم فلسطين. وثبتت هذا بصك الانتداب، ثم انتقلت الى منطوق قرار التقسيم رقم 181 الذي يقسم فلسطين بين العرب واليهود، وادعت بأن اليهود نفذوه وأخذوا قسما بسيطا من فلسطين هو من البحر الى النهر وتركوا للعرب القسم الاكبر وهو الاردن اليوم، وتُسميه الوطن الأصيل وليس البديل.
هذا هو المفهوم أو المخطط الذي سوقته اسرائيل لعواصم الدول لكن تلك العواصم ليس منها من تقف لجانبه بالعلن للأن طبقا للقانون الدولي وللشرعية الدولية التي هم صاغتها على الأقل، ولا حتى إدارة ترامب. والسبب هو اعتقادهم بأن تعاونهم مع الحكام العرب وخاصة القيادة الأردنية هو الذي سيُنفذ لهم المطلوب بصورة التفافية بأحد سيناريوهات الوطن البديل.
فمصطلح الوطن البديل بالمخطط الصهيوني يقوم على تفريغ مكونات القضية الفلسطينية السكانية والسياسية خارج فلسطين، وبالذات في الأردن. وليس على اقامة دولة في الأردن باسم فلسطين، ولا باسم الاردن الحالي، بغية تكريس المفهوم سياسيا على الأرض، ومن هنا جاءت الخطة في الصفقة على ما يبدو باسم المملكة الهاشمية المتحدة. وفيها أيضا ما يؤهل للتوطين ويُشعر الفلسطينيين الاردنيين أو في فلسطين بأن الدولة الجديدة التي ستستوعبهم ليست اردنية او حكرا للأردنيين بل دولتهم أيضا.
وإن ما ذكره الملك في الزرقاء المدينة التي تقطنها الأطياف السكانية الأردنية كلها، وعائلات الجيش، بأن هذه الدولة هاشمية دون ذكر لأردنيتها أو اسمها الرسمي لم يكن زلة لسان، بل تكرر ذكر الإسم في التلفزيون الاردني الرسمي، ولا يبدو أيضا من فراغ حيث ورد الاسم في كتاب كوشنر حامل الصفقة. ولا شك أن اختزال كلمة الأردن من اسم الدولة ينطوي على اختزال الاردنيين كأصحاب الأرض في سياق هيكلة جديدة للدولة تخدم فكرة الوطن البديل. ولا أعتقد أن فصل هوية الشعب عن هوية الدولة من حق أمريكا ولا من حق الملك وليس الشعب معه في هذا، فالشعب الذي بلع اتفاقية وادي عربة ولم يهضمها للأن، فإنه لن يبلع نزع هويته عن وطنه، والتي ستنزع بدورها هوية الشعب الفلسطيني عن وطنه فلسطين. الشعب كله بانتظار التوضيح وبانتظار محافظة الملك على شرعيته القومية والدستورية وتعزيزها.
إن معلوماتي التي تعود لأشهر، أن الأردن كان في البداية يقاوم بعض الجوانب السياسية في الصفقة، وكان في هذا يحاول التخلص من مسئولية إدارة جزء من الضفة الغربية عرضت عليه. ولكن يبدو أن التطورات تجاوزت ذلك الى قالب ضم جديد لجزء من الضفة وهذا يتطلب إلغاء قانون فك الارتباط معها، غير الدستوري أصلا، وإن كان الأمر كذلك مع انه مستبعدا، فلا نعلم حينها مصير عباس أو الدور الجديد لسلطته، فعدم دسترت القانون للأن لا تفسير له سوى إبقاء المجال مفتوحا أمام الاردن للقاء أخر مع الضفة. أما إن كان الأمر سيكون في قالب اتحادي معين فهذا يتطلب دسترة قانون فك الارتباط ليسمح ذلك للسلطة الفلسطينية بالشراكة في اتحاد اقتصادي اردني فلسطيني اسرائيلي في سياق الصفقة لا يشمل أية سيادة فلسطينية او اردنية على الارض بحجة التأجيل لكسر الحواجز العدائية. وحسب ما يرشح من الصفقة يبدو أن فتح البوابة الأردنية على الضفة سيمتد الى اسرائيل او عمق فلسطين في حدود وهمية تسمح بسيل المواطنين الفلسطينيين باتجاه واحد نحو الشرق.
هذا الكلام كله وغيره الذي يأتي والأنظمة العربية موزعة بعضها في حالة الدفاع عن وجودها وبعضها في حالة الرضوخ للعدو، لا يفترض وجود شعب اردني ولا فلسطيني ولا عربي بل وجود مرحبين مع معارضة لا قيمة لها ومقاومة فلسطينية يمكن احتوائها أو تصفيتها. ولذلك فهو كلام افتراضي فاشل، لأن الواقع في تلك اللحظة لن يكون كذلك، والكلمة في غياب الأنظمة هي للشعب. فهذه الصفقة وما يترتب عليها ستفتح الباب على تحد كبير أمام الشعبين الفلسطيني والأردني معا سيواجهانه بوحدة اللحمة والموقف والخطاب لدرء استهدافهما بمصير أسود واحد، وبما يجعل من الصفقة وتآمر الأنظمة بداية تحرر عربي ونهوض، وستعلم الأنظمة المتعاونة أن مصيرها بيد شعوبها وليس العكس صحيحا.
الأردنيون اليوم أمام منعطف تاريخي يفرض عليهم أن يكونوا مكوناَ واحدا متحدا مع شعب فلسطين تحت الاحتلال في مواجهة التحدي الكبير بسلاح الوعي والرفض في الشارع. فالمكون الفلسطيني \ الأردني هو اليوم معني بالدرجة الأولى بالحدث السياسي الأردني عندما يتعلق الأمر بأردنية الأردن، لأنها تعني له فلسطينية فلسطين. والشرق اردنيين معنيين بالقضية الفلسطينية والمشروع الصهيوني في فلسطين لأنه يستهدفهم ويلاحقهم ويخصهم تماما كالفلسطينيين. فتوحيد الصف واللحمة الوطنية هذا يومها. وطرح الخطابات الإقليمية هي اليوم قاتلة ومن كبائر المحرمات ومن برنامج العدو، وخطابات الخبز والفساد تغطي على الحقيقة وعلى طبيعة المشكلة السياسية.
كاتب وباحث عربي