الى أين يدفع معسكر التصفية بالأردن.. الحراك سيكتمل بجناحية ومواجهته ستقود للربيع.. لا انسياق لديمقراطية الحظيرة.. الملكية الدستورية وحدها تحمي الأردن وتضمن مُلك المَلك وتسعف القضية

الوزن السياسي للأردن دوليا وعربيا ما كان يوما مستمدا إلا من القضية الفلسطينية، وما قام ساعة إلا على كتف العلاقة بإسرائيل والغرب، كدولة دور أولا، وكحلقة وصل أو صِدام مع طبيعة الأنظمة العربية المصنفة بالرجعية أو الوطنية القومية ثانيا، وقد حرِص المستعمر عندما نزع شرق الأردن من وعد بلفور وشكل الإمارة أن يضعها ضمن حدود وموارد تجعلها غير قابلة للحياة أو البقاء وتحت رحمته . ولم يسمح لها لهذا اليوم أن تخرج عن هذه الحالة.
إلا أن المرحلة التي وصل اليها المشروع الصهيوني والكيان الاسرائيلي المحتل، والحالة التي أصبحت فيها الدول العربية وأنظمتها بنوعيها المصبوغة بالعجز أو الخضوع أو التطبيع والإعتراف بالكيان الصهيوني، بالإضافة للحالة الداخلية التي لم يسبق وأن مر الأردنيون بها، كله جعل من النظام الأردني يدخل في حالة انعدام الوزن، وجعل من الحكم الهاشمي بلا دور وغير مطلوب لاسرائيل والصهيونية، بل حجر عثرة أمام المرحلة القادمة التي يدفعنا اليها معسكر التصفية.
لا يمكن لمحلل سياسي أن يعتقد لحظة واحدة بأن يتمتع الأردن بالمرحلة القادمة بنهج من أشكال الديمقراطية إلَّا ديمقراطية الحظيرة التي تتمتع بها الأغنام داخل الحظيرة المسورة تفعل بداخلها ما تشاء، ولكن أمرها وتوجيهها ومصيرها بيد مالكها وحاكمها . وما نسميه الوطن البديل وتسميه اسرائيل بالوطن الأصيل لا يهم في الواقع، لأن هذا الوطن الذي تعتبره اسرائيل جزءا من فلسطين هو بالنسبة لها مكان الحظيرة لمكونات الأردن السكانية كلها . فلا قرار سياسي سيكون فيه لفلسطيني ولا لأردني ولا سيادة ولا مستقبل لشعب حر في دولة حرة ولا سنغافورة، والحاكم العربي عليها لن يكون إلا مندوبا ساميا، عمله الخارجي تقديم التقارير، وعمله الداخلي لا يخرج عن اثارة الفتنة حين يرى ذلك مطلوبا لاستقرار الحالة وأمنها، وفض الفتنة عندما يرى ذلك أيضا مطلوبا لاستقرار الحالة وأمنها.
فالصهيونية تدرك أن وجود نظام ديمقراطي في الأردن بالمرحلة القادمة سيجعل الأردنيين بكل مكوناتهم منتمين حقيقيا لبعضهم وللدولة وبيدهم أو تحت اشرافهم الحكم والقرار السياسي، مما يجعل من الدولة دولة نهضة ورفض ومقاومة وتحرير. وهذا فيه تهديد حقيقي للمشروع الصهيوني لن يُسمح به في غياب إرادتنا، ونتذكر في هذا أحداث السبعين عندما اتجهت بريطانيا واسرائيل الى رفض تقديم المساعدة للملك لإفساح المجال أمام تحقيق الوطن البديل، إلا أن كيسنجر اقنع الرئيس الأمريكي أنذاك بأن إقامة دولة فلسطينية في الأردن هو بمثابة وجود السوفييت على حدود اسرائيل، ورضخت اسرائيل وبريطانيا للفكرة الأمريكية وجرى ما جرى. ولذلك لا يُخَطَط للأردن بالمرحلة القادمة إلا أن يكون تحت السيطرة السياسية والعسكرية والأمنية ومنطقة محمية لا مستقبل فيها لشعبها ولا للملك أو الحكم الهاشمي.
نعود للمرحلة التي جميعنا في الأردن سائربن اليها وعنوانها ديمقراطية الحظيرة ومندوب سام عربي عليها، وكما جاء بالفقرة الثالثة من هذا المقال، إنها مرحلة لا حظوة فيها لأسود أو أبيض ولا سلطة ولا قرار ولا سيادة فيها لمكون، وعلى الأردنيين والعشائر بالذات أن تعلم ذلك، وتعلم بأن خطابها وصوتها المرتفع والمميز عن صوت غيرها هو من قوة مصطنعة مصدرها إرث من فساد سياسي وإداري واع وهادف على سبيل الاستخدام لمرحلة يجري حاليا إنهاؤها، وكل المزايا والمكاسب الإدارية المكتسبة من خارج الدستور والنظرة الوطنية أسهمت فيما وصلنا اليه، وعلى المكون الفلسطيني أن ينتبه جيدا فالقادم في الأردن أسوأ عليه وعلى القضية وليس أفضل، فما يجري في الأردن يتجاوز الصراع على مكاسب لا تخصه، إنه أمر سياسي يعنيه كما يعني غيره في هذا الوطن وعليه أن ينسى ويفرض نفسه شريكا في كل حراك ويعززه.
فالحراك السياسي في الصالونات كسيح بماضيه وبعدم البراءه، والحراك في الشارع يجب أن يقف على قدميه من واقع الوعي التاريخي والجغرافي لشعب واحد، ومن واقع أن المؤامرة على الجميع وعلى وطن الجميع، وأرجو أن لا يخفى على الملك بأن الحراك في الشارع يتعزز وعيا وتصميما وثقلا بعيدا عن الاحزاب والنقابات المدجنه، وأن هذا يعني بشكل أو أخر نمو الربيع العربي من جديد في الأردن، وعلى كل حاكم عربي نجا من الربيع العربي الذي ركبته امريكا والصهيونية أن يعلم بأن هذا الركوب لن يعود سهلا وقد لا يعود، وحالة التشرذم السياسي في الشارع لن تطول .
فما الحل الذي يجب أن نسعى اليه كهدف؟ إن الملكية الدستورية التي كانت نقطة خلاف بين بعض الحراكيين في الشارع هي وحدها الوسيلة المتاحة والآمنة التي تحمي الأردن والأردنيين بمكوناتهم وتُسقط المؤامرة وتسعف القضية الفلسطينية، ووحدها مِن صالح الجميع، وتحفظ حقوقا تسعى الصهيونية لنزعها من الجميع، وهي وحدها التي تعيد الحكم للشعب وتؤمن المُلك للعائلة الهاشمية، وتؤسس للديمقراطية والتحالفات المنطقية . إنها مخرج الملك في الطرق المسدود وتفعيلا لما ينطوي عليه الدستور الذي نعرفه ..
إنها رحلة تبدأ بخطوة، ولعل الخطوة بإرادة سياسية في تأسيس البيئة الإدارية والقانونية والسياسية التي تسمح وتحفز لقيام أحزاب سياسية حقيقية ومجالس نيابية حرة وقضاء مستقل، وتؤسس للحكم الشعبي وتداول السلطة في دولة مواطنه . وليعلم من لا يعلم أن أمريكا والصهيونية ترفض الملكية الدستورية في الاردن وتقاومها.
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply