ايران الدوله الوحيده في العالم التي تعلن عداءها وتهديدها لاسرائيل فما هي طبيعة الصراع بينها وبين إسرائيل وأمريكا.. وما هي حدوده.. وما هو موقع تركيا في المعادلة

بداية لا جدال وطني في أن الصراع الايراني مع اسرائيل وأي صراع حقيقي معها يصب بالضرورة في المصلحة العربية – الفلسطينية. فاسرائيل هي التناقض الأساسي للعرب كما العرب هم التناقض الأساسي لها، باعتبار أن تصنيف الصراع العربي الاسرائيلي من قبل الطرفين وجوديا. ولعل ايران في موقفها كدولة وحيدة في العالم تعلن عدائها وتهديدها للوجود الاسرائيلي هي ظاهرة بحد ذاتها تستحق البحث والتأمل، علما بأنه ولتاريخه لم تدخل بحرب ساخنه ومباشره مع اسرائيل ولكنها واجهتها وكسرت أنفها بواسطة حزب الله كامتداد عقدي سياسي لها.وهذا بحد ذاته كان له مردود ايجابي على نفسية الشعب العربي، ومردود مخزي ومعري لنهج النظام العربي الرافض لفكرة المقاومه.
السؤال المنتج هو، ما هي طبيعة الصراع بين ايران واسرائيل، بمعنى ما هو هدف ايران من هذا الصراع، ففي الجواب مؤشر على امكانية او عدم امكانية نشوب حرب بينهما ومآل هذا الصراع، ومؤشر على الجدوى للقضية العربية، كما فيه إضاءة على الطريق. فهل طبيعة هذا الصراع سياسية أم دينية أم جغرافية اقتصادية أم توسعية أم غير ذلك. ونجد أنفسنا هنا مضطرين للنظر بعناصر قد تساعدنا في التحليل إذا ما أخذناها حزمة واحدة. وهي عناصر قديمه تعود لبداية الثورة الإيرانية، والأخرى عناصر مستجده اومتطوره، مع ملاحظة للقارئ أن ايران تأخذ موقعها القيادي بمواجهة اسرائيل في لحظة انبطاح عربي كامل، وبهذا فإني اخرج من مقالي هذا دول الجزيرة كونها لا تمثل الشعب او الدين او الوطن، ولا قرارها.
اما العناصر القديمة فمنها
أ – أن باكورة قرارات ايران الإسلامية كانت في قطع العلاقة الدبلوماسية مع اسرائيل واستبدالها بفلسطين. ومع أن في هذا ربط ايراني بين اسرائيل المحتله وفلسطين القضية، إلا أن المسيرة الإيرانية فيما بعد شابها ما يجعل الكثيرون يعتبرون أن هذا كان مجرد استخدام.
ب – المباشره باستهداف ايران الثوره، لأمريكا في داخل ايران( حادث السفاره )، ولعله حادث انتقائي استثنى دول الغرب الأخرى. ومع ان في ذلك ربط ايراني لتحالف امريكا الاستراتيجي مع اسرائيل.، وربط بين امريكا وصداقتها الداعمة والمحرضة لدول الخليج من ناحية أخرى، إلا أن فيه رسالة سياسية وتحد واستفزاز لأمريكا، ويدلل على ذلك رفع شعار الموت لأمريكا ولإسرائيل معا.
ج – شهدنا مع بداية ايران بعد الثوره تصريحات ايرانيه معادية للحكام العرب ووصفهم بالطواغيت، بمعنى لم يكن هناك نية بمهادنة الأنظمة العربية بل بمواجهتها بما فيه الدول العربية التي هنأت الخميني بالثوره.
د – بصرف النظر عن الاسم التاريخي، تَعتبر ايران أن مجرد تسمية “الخليج” بالخليج العربي هي قضية حساسه جدا. وتبادر بنقطة نظام احتجاجيه على أي وفد عربي ينطق بها في أي محفل دولي. وأنها رفضت تسميته بالخليج الإسلامي مثلا، مصرة على تسميته بالخليج الفارسي. بمعنى أن الحس القومي الايراني كبير جدا وله أولويته
ة – مع أن الحرب الايرانية العراقية كانت خطأ عراقيا استراتيجيا وبمثابة استهداف مبكر من انظمة عربية لايران، واستهداف امريكي صهيوني للعراق وايران معا. وأنها تركت جرحا في أعماق الشعبين العربي والإيراني، إلا أنها أطاحت بالمحصله بالعراق كمهدد عربي رئيسي لاسرائيل أنذاك.
أما العناصر الجديدة فهي
أ – وقوف ايران مع بعض الدول العربية ألى جانب الغزو الأمريكي – الصهيوني في تدمير واحتلال العراق، وتعاونها الوثيق مع عملاء امريكا من العراقيين الذين دخلوا بصحبة القوات الأمريكية
ب – مقاسمة امريكا لإيران النفوذ في العراق. ونستطيع القول أن أمريكا سلمت العراق بالمحصله لإيران. وهذا ينم عن رغبة أمريكية بتأجيج الصراع واستدامة الخوف الخليجي والعربي من ايران. دون اعتبار من أمريكا بأن فعلها هذا يعزز قوة ونفوذ ايران كدولة تعلن معاداتها الشديدة لأمريكا واسرائيل.
ج – ظهور تصريحات معادية للعرب وللوطن العربي من مسئولين ايرانيين تُفَسَر من قبيل أطماع توسعية، وعدم مراعاة مشاعر ومصالح الشعب العربي. وهي تصريحات لم تناقش ايرانيا ولا عربيا. وهذا إذا كان كلاما واعيا، فإنه ينم عن شوفونية ايرانية وغضب تاريخي على العرب، ويضعف من مصداقيتها ازاء القضايا العربية، ويؤشر على خلفية أخرى لمعاداتها للأنظمة العربية.
د – الوجود العسكري الايراني الكبير والمكلف في سوريا لا يشكل قوة ضاربه أو رادعه بما فيه وجودها في جنوب سوريا. ومع ذلك فإن اسرائيل لا تريده اطلاقا في سوريا. مما يعني أن هذ القوات من وجهة اسرائيل هي لخدمة المصالح الايرانية في سوريا والتي تقاومها اسرائيل.
ه – – إن ما يحكم القرار السياسي الايراني هي وجهة نظر المذهب الشيعي كما يراها الولي الفقيه، ولهذا المذهب تاريخ سياسي أكثر منه عقديا. ومع أننا نشهد حشدا وانحيازا شديدا داخل ايران لهذا المذهب الا أننا نشهد انحيازا يفوقه للمصالح السياسية الايرانية في الخارج والداخل.
إذا كانت الملاحظات اعلاه صحيحة كما أعتقد، وتم ربطها ببعضها فيإمكاننا أن نستنتج كوجهة نظر التالي:
1 – أن الطبيعة الدينية للصراع الايراني الإسرائيلي غير موجوده ولا هي مطروحه كشعار وكممارسه أصلا، ونذكر هنا بأن عقيدة الجيوش العربية القتالية لم تقم أيضا على المنظور الديني بل ارتبطت بعدو مستعمر يحتل ارضا عربيا، فسبب الصراع العربي الصهيوني قائم على مسوغ مفهوم دوليا. والاستهداف الصهيوني هو للعرب، وما هجمة الصهيونية على الإسلام الا كمكون رئيسي لثقافة العرب، والمتابع يلاحظ أن ايران تلعب سياسه ولا تلعب دين إطلاقا.
2 – وإذا ما تساءلنا، هل هو صراع سياسي، نقول فإنه حتى لو شكله هكذا إلا أن واقعه غير ذلك، حيث لا نجد قاعدة لهذا الصراع. وليس هناك من مشكله استراتيجية عالقه بينهما، والملف النووي جاء متأخرا. فإيران البعيدة جغرافيا وغير المتصالحه مع العرب تاريخيا وحاضرا، ولا فلسطين أرضا لها لتتحمل مسئولية تحريرها، مرغوب ببقائها من الغرب كدولة متماسكة وقوية، ولكن على الميزان الذي يخيف العرب المعنيين ويستفزهم لطلب العون الأمريكي.، ومطلوب احتواءها لا أكثر. فأمريكا واسرائيل من مصلحتهما بل يسعيان لأن تكون ايران صديقه لهما ككل الدول الاسلامية قاطبة باستثناء تركيا لأسباب سنأتي اليها، وإن لم يَفهم ترمب ذلك فهناك من يُفهمه. فليس هناك مبرر سياسي استراتيجي يجعل ايران تشذ عن الدول الاسلامية أو يحفز امريكا واسرائيل على استثناء ايران منها.
3 – أما إذا نظرنا الى تركيا لوجدناها استثناءً اسلاميا. حيث تشكل من وجهة نظر غربيه واسرائيليه الخطر الاستراتيجي الاسلامي الوحيد عليهم، وليس من وجهة النظر التركية، وقد عجل اتباع أردوغان للنهج الديمقراطي في دولة اسلامية، وللنهج القومي المستنتج من طبيعة التدخل التركي في سوريا وتحالفاته في كشف امريكا والغرب لأوراقهم. فالغرب واسرائيل يعلمون واقع خصائص تركيا الخطيرة عليهم من حيث موقعها الجغرافي الأوروبي والشرق أوسطي، والسيرة التاريخية والإرث الاسلامي. فهي الممكن كدوله مسلمه أن تكون مستهدفة.
وقد تابعنا ونتابع تركيا وهي تلهث عقودا وراء الغرب واسرائيل واسترضاءهما، لكنهم جميعا كانوا حذرين منها ويخشونها لتلك الأسباب ويرفضونها عند مستوى معين. وستبقى تركيا تحاول التقرب من المعسكر الغربي حماية لنفسها، أو تضطر لتحالف استراتيجي مع روسيا إن قبلت روسيا. فنظرة الغرب اليها ليست كنظرته لإيران. وإن اتجاه تركيا المحتوم للتسلح النووي سيولد لها تحديا حقيقيا.وقد تكون تركيا مقبلة على ورطه تنتقل لداخلها انطلاقا من ما قد يستقر عليه الوضع في سوريا من تقسيم ووجود دولة كرديه. وهذا ما يقدرونه، فهل تضحك الأقدار عليهم، لا ندري.
وإذا استثنينا هواجس اقتصادية مزعومة لإيران وخاصة بشأن خطوط تسويق الغاز، لكون هناك من سيأخذ الأمر على عاتقه من دول كبرى، فهل تكون طبيعة الصراع الايراني الاسرائيلي محل تنافس على مناطق نفوذ وحماية مصالح أو تحقيق مصالح على الأرض العربية بما فيه سوريا والخليج، بين ايران من جهة، وامريكا واسرائيل من جهة اخرى ؟. فنحن هنا نستحضر أن ايران تتحدث عن التهديد بإزالة اسرائيل عن الخارطة بمعزل عن التحدث عن تحريرفلسطين، وتتحدث عن حماية النظام في سوريا واستعادت مناطق سورية للسيادة السورية، ولا تتحدث عن تحرير أو استعادت الجولان. وتستخدم ايران ايضا نفس ذريعة الارهاب في تدخلها ووجودها في سوريا كغيرها من الدول مع ان الارهاب لا يهدد ايران ولا تلك الدول. بمعنى أن هنك تماهيا بين الهدف الايراني وأهداف كل اجنبي على الارض السورية. ويمكن في هذا السياق رد باكورة قرارات ايران بطرد اسرائيل وإحلال الفلسطينيين مكانهم الى ما يتجاوز الانقلاب على جذور الشاه العميلة وسياسته الى رسالة ضاغطه على امريكا مضمونها أن ايران رأس في المنطقه وفي الخليج ولها مصالحها الوطنية وليست ذيلا. بل انها اعلنت عن تصدير مفاهيم ثورتها للمنطقه وبأن مشروعها يمتد لخارج ايران.
من هنا قد يكون من المنطق القول بأن أيران تخوض حربا باردة مع امريكا واسرائيل،قادرة عليها، على مذبح مصالح وطنيه وقومية وكمشروع ايراني منافس للمشروع الصهيوني في المنطقة. وقوام هذه الحرب البارده هو الردع العسكري والحروب بالوكالة، تماما كما روسيا تخوض حربا باردة مع امريكا. فإيران لن تخوض حربا مباشره مدمرة لها ولغيرها بدون مسوغ كاف. ولا لاسرائيل جدوى ومصلحة بخوض حرب مباشرة مع ايران نتائجها عليها كارثية أيضا، لكن اسرائيل كما ضغطت على امريكا بشن حرب على العراق نيابة عنها تحاول دفعها نحو ايران لتقليم أظافرها في المنطقه، الا أن الوضع مختلف جدا اليوم بوجود حزب الله. فبقدر ما ستضرب اسرائيل أهداف ايرانية خارج ايران، ستضرب ايران اهداف اسرائيلية خارج الكيان المحتل.
كاتب وباحث عربي

Leave a Reply