عانى العرب وقضيتهم عقودا جراء سياسة ايران وتركيا حين كانتا في المحور الصهيوني، بسطاران صهيونيان فوق رقابنا كانتا فهاتان القوتان تشكلان معا السر في إفشال أو انجاح المشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة العربية، ولا نجاح ممكن للطرف الصهيوني أو للطرف العربي بدون هاتين الدولتين في اللعبة الصهيونية الأمريكية تفهم ذلك وركزت عليهما أكثر من تركيزها على الدول العربية نفسها . بينما أنظمتنا الوطنية وشعوبنا أغفلت هذه الحقيقة عندما دخلت مع الدولتين في اللعبة على أسس عاطفية بعيدا عن الاستراتيجية.
أما اليوم فنشهد الدولتين الاسلاميتين بنظامين جديين مواتيين، ونحن الشعوب العربية في أمس الحاجة لالتقاط اللحظة في تعزيز النظامين لا بنخرهما، فامريكا وروسيا ستبقيان راعيتين للكيان المحتل ومصالحه، ولا بديل للعرب عن حلف إقليمي رادع، ولا يكون هذا إلا بإيران وتركيا متحالفتين، بل إن في تحالفهما تعزيز وحماية لهما، وعامل ضبط على السلوك الروسي في سوريا في هذه المرحلة .
إيران انجزت ثورة مرة واحدة وجسدت تاريخ وثقافة شعبها واحتضنت القضية الفلسطينية واستطاعت بناء قوة ردع تحسب أمريكا وإسرائيل حسابها، وصنعت مقاومة في غاية الفعالية في مواجهة الجبروت الصهيو امريكي وتعيق مشروعه في المنطقة.. ولسنا هنا معنيين بالتشكيك في هذا لغرض أو هوى بل معنيين بالرأي المعلَّل وبالعماء الذي وصل فينا لحد اغفال المفاضلة بين نظامي الدولتين السابق والحالي وسأعود لإيران.
أما القيادة الأخرى الجديدة في تركيا فمهمتها كانت صعبة ومختلفة عن مهمة القيادة الايرانية لتغلغل الصهيونية على مدى قرن في ثقافة الشعب التركي ومعتقده وبرمجة دولته من خلال قيادة يهودية صهيونية هي ( يهود الدونمه ) تقود الجيش وتسير الحكم وتحدد السياسة على المقاس المطلوب اسرائيليا وأمريكيا، وتعزل تركيا وشعبها عن جذوره ومحيطه، وعندما جاء أردوغان ونظامه واستطاعوا تخليص تركيا من تلك القيادة الصهيونية كنقطة مفصلية في السياسة التركية، وبدأ ت ببناء تركيا والمواطن التركي من جديد وقطعت في هذا مسافة فلكية في زمن بسيط قابلها بعضنا بالتشكيك . تركيا اردوغان ثورة عميقة تحتاج الى مراحل حتى يكتمل جانبها السياسي، ولسنا معنيين بالتشكيك في هذا بل بالمؤازرة والتشجيع فنحن لانطلب من تركيا أن تمارس ارتجالنا السياسي إذ لا بد أن تستكمل تحصين بيتها الداخلي وتختار وتبني تحالفاتها الجديدة لتنجح في مواجهة أمريكا والاحتلال الصهيوني في فلسطين ومدِّه الاستعماري .فهذا رهاننا الذي يجب أن يكون وتكون معه سياستنا اتجاه تركيا.
تركيا اليوم أمام ضغوطات امريكية صهيونية، وإيران في مواجهة هجمة متعددة الاطراف، ظالمة وعنيفة، ولا نريد إلا أن نكون سندا داعما للدولتين، ندفع باتجاه تحالف استراتيجي بينهما، وأن نكون واعين على خطأ وعبثية اصطفافاتنا بين الدولتين على أسس عقائدية مقبورة بانتهاء مرحلتها بالفشل، يسارية كانت أم إخوانية . إن البديل السياسي عن أردوغان تسعى اليه أمريكا واسرائيل .إنه موجود وجاهز في واحد من ثلاثة، هم عسكر الدونمة والمعارضة التركية الداخلية، والمعارضة الخارجية بأزلامها في الداخل، والطرفان الأخيران كانا دائما في خدمة حكم عسكر الدونمة وتبعية تركيا للصهيونية، ولدى قراءة المشهد السياسي التركي لن نجد جهة تركية رابعة سوى قوى التخريب المأجورة . فهل نكون مشجعين لمواقف وسياسة أردوغان المتطورة أم نسعى مع الغرب الى البديل المحصور بواحد من الثلاثة ورابعها الفوضى التي تدمر تركيا.
تركيا أردوغان اليوم ليست تركيا أتاتورك الأب الروحي لعسكر الدونمة ولا يجب أن نتسرع ونسقط سلوكها في تلك الحقبة السياسية ونواياها بدءا من قيامها عام 1923 على سلوك ونوايا تركيا أردوغان، السوفييت وستالين بما قدماه خذلتهم تركيا عسكر الدونمة الصهاينة وليس الشعب التركي . والقيادة التركية اليوم هي قيادة وطنية، ولا شك أن روسيا بوتين تفهم ذلك ولها ولنا ما يؤكد الثقة بتركيا الجديدة إن حسنت النوايا الروسية ولا أعتقد ذلك.
وعلى صعيد أيران فأمريكا واسرائيل والغرب عامة يسعون الى افشال الثورة الايرانية وتغيير النظام ويجيشون الأنظمة العربية العميلة عليها، والبديل المطلوب مهما كان بعيدا عن مدرسة الشاه افتراضاً فسيكون ضربة قاضية للميزانين العسكري والسياسي في المنطقة تفقد فيه شعوبنا وقضيتها الواحدة الأمل المتبقي بحليف صلب ورادع، وستضعف حينها تركيا أردوغان إن تغيير الأولويات العربية سياسة هادمة لكل الأولويات، ولا يكون مبعثها إلا القضاء على الأولوية الأولى وهي في حالتنا مواجهة التناقض الأساسي كعدو وجودي يتمثل بإسرائيل وداعمتها أمريكا.
ليس منطقا ولا من مصلحتنا كشعب عربي ولا من حقنا أن نتخذ موقفا ضد ايران بذريعة تدخلها في بلاد عربية تستبيحها الصهيونية وتشن عليها حملات التخلف والاستعباد وتغيير طبيعة الثوابت والثقافة وحملات المؤامرات لتصفية القضية الفلسطينية بالتعاون مع حكامها، لا سيما وأن التدخل الإيراني في بعض الدول هو على مستوى دعم الشعوب الفاقدة لقيادات وطنية، وفي أخرى بموافقة حكامها الطامحين للتحرر وبالتنسيق معها، ولا ندعي بأنه ليس لها تدخلات سلبية في العراق توازي الأمريكية، وإن كان هذا التدخل بأنواعه مرفوضا أو عليه اعتراض من فئات شعبية ترى غير ذلك، ففي ذلك وجهة نظر، وعندها فليكن هذا التدخل الايراني من قبيل حقها في الدفاع عن النفس حين تتخذ امريكا بترحيب حكامنا من دولنا وجيوشها وقواعدها وأموالها مراكز تأمر وهجوم على ايران . كما ليس منطقيا أن نتهمها بالطائفية دون غيرها، ولا نغفل أن الطائفية هي من ركائز المخطط الصهيوني السياسي في المنطقة.
أما التهمة لتركيا فهي في تدخلها في الأراضي السورية واستخدامها ميليشيات عربية، وعدائها للقيادة السورية، وليس في عداء لها مع ايران ولا مع العرب وسوريا وأرضها بالذات، ونحن لا نتفهم ابتداء استخدام تركيا وغير تركيا لمنظمات تقف لجانب العدو الأمريكي، ولا نتفهم أخذ وطن بجريرة تصفية حسابات شخصية، ولا حنانا يقتل المحني عليه، ولكن على من تفهموا ما يزيد عن غرض التدخل الايراني المشروع في سوريا وتفهموا الدور الإيراني في العراق مثلا، أن ينظروا في الظرف التركي والأسباب التي تجعل تركيا تتدخل في الاراضي السورية عندما جُعلت مشاعا لحرب امبريالية عالمية بالوكالة والمأجورة شُنت عليها، وعلى الذين توافقوا على الصمت إزاء احتلال ايران للأحواز واحتلال تركيا للإسكندرون أن يتوافقوا على الإبقاء على سلوكهم هذا في هذا الظرف العربي الأصعب .
خلاف تركيا اليوم مع سورية ليس مستجدا ولا من فراغ . بل يعود لعقود كانت فيها تركيا في صراع مع الحركة الكردية المسلحة،. وكانت سوريا خلال تلك العقود تحتضن الطموح الكردي وتساند تلك الحركة المسلحة وتوفر لها الملاذ الآمن ومعسكرات التدريب . وعلينا في هذا أن نتفهم تركيا على أنها صاحبة قضية تعتبرها قومية وطنية تتمثل بالمشكلة الكردية ونحن هنا لا ندين الموقف السوري ولسنا في معرض ابداء الرأي في النزاع التركي الكردي، ولكنا أمام اصطفاف سوري كان في مسألة تخص من وجهة النظر التركية سلامة الاراضي التركية ووحدة سيادتها . وما أريد قوله هو أن العداء التركي للقيادة السورية لا يحمل معاني سياسية تزيد عن هذا العمق، وإن أي اتفاق سوري تركي حول المسألة الكردية التي أسسها موجودة سيجعل من البلدين تركيا وسوريا متآخيين وفي خانة الأفضل رعاية ودفعة قوية لتعزيز العلاقة الايرانية التركية .
نحن لسنا ايرانيين ولا أتراك ولا هم عرب، ولكنا جميعنا الجبهة الطبيعية ضد المشروع الصهيوني في المنطقة، يخطئ شعبنا المكلوم حين يحذو حذو عُقَد والتزامات حكامنا بمصالحهم ومستحقاتها السياسية والاعلامية على حساب الالتزام بمصالح الأمة والقضية، وعندما نراه في تجاذب صدامي سلبي بين دولتين شقيقتين مفترضا خطأ أو تزلفا أو اصطفافا عقائديا بأنهما في حالة عداء، بينما نحن في أمس الحالة لوحدتهما ولوقوفهما معا معنا، سيما ونحن نراهما تأخذان واجب زعامات عربية استحالت الى عمالات تاركة دولنا في الحضيض وقضايانا بأيدي الصهيونية .
الشك حق، وبه نصل للحقيقة بعد اخضاع المسألة للتحليل والمتابعة، أما التشكيك فهو بمثابة قرار، لا نفترضه قائما الا مع كل عسل يضعه عدونا الصهيوني وحلفاؤه الاستراتيجيون الحقيقيون أمامنا، وليس سليما أبدا أن نسارع للتشكيك بإيران وتركيا على الأقل، ولا أن نحرمهما خصوصية رؤيتهما لمعالجة الأمور ولا من مصالحهما الوطنية والقومية المشروعة وأضع تحت المشروعة خطين.
ويجدر بالقيادة السورية وكل من يشك بأهداف أخرى لتركيا في سورية أو قدرة لإيران على مواجهة الفعل الروسي في سوريا أن يتذكر بأن تركيا ليست مطلوقة الخطة واليد في سوريا بل تنسق مع روسيا وتلتزم بالتنسيق الذي تقتنع به أو تتفق عليه مع روسيا، دون القدرة على خرقه وبعيدا عن أمريكا، وذلك لأسباب تتعلق بتناقض أهداف واستراتيجية تركيا في سوريا مع أهداف واستراتيجية امريكا واسرائيل فيها، بينما ايران وأمريكا واسرائيل تنسق مع روسيا أيضا إلا أنها تمتلك القدرة على عدم التجاوب معها باستثناء أن ايران لا تمتلك ضبط سلوك روسيا في سورية، مما يؤكد الحاجة يؤكد الحاجة لتحالف تركي أيراني .
كاتب باحث عربي