بعد انكشاف التاريخ القديم وتكذيبه للتاريخ التوراتي، ثبت بأن اليهود لم يكونوا يوما أصحاب سيادة على القدس أو على اي بقعة في فلسطين باستثناء الفترة الحالية ( كمحتلين ). بل تمتعوا قديما في فترات معينة بحكم ذاتي في منطقتين فقط من الهضاب الشمالية والجنوبيه من فلسطين أسمتهما التوراة على سبيل الحصر (اسرائيل ويهوذا ) يشمل الشئون الاجتماعية والدينية وجمع الضرائب . حيث كانوا طوال فترات وجودهم في القدس او فلسطين سكانا وافدين خاضعين إما لأصحابها أو للمستعمرين من الامبراطوريات او الدول الاقليمية التي خضعت فلسطين لها كمصر. وكلمة مملكه كانت تطلق على المدن او المشيخات وكان في فلسطين عشرات الممالك مما يدعون .
ولذلك لم يتمكنوا يوما من تغير اسم القدس ولا إطلاق إسم جديد عليها , بل أن لغتهم العبرية تشكلت في القرن السادس ق م من لهجة آرامية أي بعد دخولهم فلسطين بسبعة قرون . وتوثق توراتهم بأنهم دعوا المدينة باسمها الذي وجدوه عليها . واتبعوا التسميات التي اطلقت عليها من قبل بناتها أو من ساد عليها من المستعمرين القدماء . وسنأتي إلى هذه التسميات من باب التنوير حتى لا يستمر اليهود في الايحاء بأنهم اصحاب اسم اورشليم لترسيخ مفهوم السياده على المدينه .وللعلم فإن حصن صهيون أيضا بناء يبوسي واسم يبوسي . سطوا عليه كما سطوا على مصطلح (عبرانيين ) فهم جماعه بلا تاريخ ولا وطن مشترك ولا ثقافه مشتركه ولا قوميه واحده وكل ماحوته التوراه من أفكار دون استثناء هو اختلاق او سرقه من ثقافات من سبقوهم .
فالمدينة موجودة قبل دخول اليهود لفلسطين بآلاف السنين . وقد عثرت عالمة الاثار البريطانية كاثلين كينون خلال حملة تنقيبات جرت في الفترة بين عامي 1960 – 1967 والتي شملت مسح كامل لمنطقة الحرم الشريف واسوار القدس القديمه ، على لقى وأوعيه فخاريه تعود لعام 3200 ق م . كما عثر في عشرينيات القرن الفائت على جدار يعود لنفس الفترة بعمق ستة أقدام ونصف يمتد على طول الانحدار الشرقي لتلة سلوان اليوم مع ما يشبه البوابه قرب نبع جيحون Gihon وكان التقدير بانه يمتد لنهاية التلة وهو الأمر الذي يعتبره البعض أقدم دليل مادي للآن على الزمن الذي بدأت تظهر فيه المدن في مناطق كنعان ومنها مجيدو Megiddo وعي Ai ولخش Lachish وبيت شان BethShan وهي الحقبه التي شهدت استقرار الأموريين والكنعانيين في المنطقه. ..فالمدينة قامت في فترة ما قبل عام 300 ق م على تلك التلة المشرفه على سلوان اليوم وهو موقع يؤمن للمدينة الأمن والماء من عين سلوان ومع مرور السنين انتقل مركز المدينة الى جبل بزيتا وهضبة موريا .
ولعل اقدم اسم تاريخي موثق للمدينة عثر عليه هو ما اطلقه المصريون قديما وهو Rushalimumحيث عثر عام 1925 على كسر اثرية مصدرها الأقصر وتعود الى زمن الفرعون ) Sesostris 1111842-1878 ق م ) وشكلت حين تجميعها ثمانين صحنا مكتوبا على احداها بالهيروغليفية اسم القدس بلفظه. Rushalimum. كما اكتشفت بعض من نصوص اللعن المصرية في تل أوفيل أو تلة الضهور حاليا تعود للفترة 1810 – 1770 ق م أشير فيها الى أور شالموموم وتعني بالمصرية مدينة الاله سالم وهو القسم الغربي من المدينة ولا شك بأن اسم . Rushalimum. يمثل أول ذكر لمدينة القدس تاريخيا جاء من الاسم الذي قد يكون الأول والأقدم للمدينة وهو Salem أو Shalem وهو اسم منسوب إما الى Salem الآلهه السوريه المرتبطه بغياب الشمس وإما الى اسم اله كنعاني معناه السلام كما ما جاء في كتاب طه باقر ( مقدمة في تاريخ الحضارات ) ونحن لا نعرف كيف كان يلفظه الكنعانيون , لكن الشعوب تلفظه وتكتبه حسب الطريقة التي يلكنون بها أو التي يلفظها المترجمون ومنهم كتبة التوراة والعهد القديم أو مترجموه في عصور مختلفة .
أما الإشارة الأولى للقدس في التوراه فقد جاءت بلهجة شاليم وتكتب بالترجمة الانجليزية القديمة ..Salem وهوالاسم الذي وجدوه عليه والمرادف الى سليم أو سالم أو شاليم أو أوشالم . فالباحثين والآثاريين يتفقون على أن هذه الأسماء هي في الأصل كنعانية عربية. كما وردت هكذا في النصوص الكنعانية التي وجدت في مصر قبل ظهور اليهود وقبل ان تتشكل اللهجة العبرية بنحو ثمانماية عام . واالعبرية أصلا لم تكن موجودة آنذاك ليطلقوا على القدس اسما من لغتهم . وكانوا يتكلمون بعد دخولهم لفلسطين الكنعانية بعد ان اقتبسوها قبل ان يتخذوا احدى اللهجات الآرامية ويدعونها بالعبرية .
ثم ورد اسم المدينة بإضافة أور الى أوله من واقع لغة دول بلاد الرافدين التي حكمت فلسطين وتعني لديهم مكان أو مدينة ليصبح الاسم يتراوح لفظه ما بين أورشاليم الى أور سالم أو أور ساليم . وورد في كتاب the biography of Jerusalem . الى المؤرخ الصحفي البريطاني سيمون سيباق في الصفحة 14 بأنه قد عثر على بعض الرقم قرب الأقصر تعود لفترة حمورابي وتجميع لقوانينه في بابل تذكر اسم …….Ursalem إله نجمة الغروب ولفظت بمسميات مختلفة مثل يروشالم و يروشليم .ولكن الاسم استقر على أورشليم لفترة ولم يكن اليهود هم من اطلقوا هذا الاسم على المدينة ودون ان يكون لهم أدنى علاقة به ولا حتى إدعاء بذلك
ثم ورد اسم يبوس في مصادر تاريخية وتوراتية نسبة لإسم ساكنيها في ذلك الحين. وتتفق كل الآراء المستندة للتاريخ بالإضافة لما يفهم من التوراة أيضا بأن اليبوسيين التي نسبت المدينة اليهم هم قبيلة كنعانيه محلية في ذلك الحين ومن الواضح استنادا للنصوص التوراتية ان اسم يبوس جاء لاحقا لإسم شالم وأورشليم لأن النص التوراتي المشار اليه في الفقرة العاشرة من الاصحاح 19 من سفر القضاه وهو (فلم يرد الرجل أن يبيت بل قام وذهب وجاء الى مقابل يبوس ويبوس هي أورشليم ).
أما بعد ذلك فقد اختفى اسم يبوس وأخذت الشعوب اللاحقة تسميها أو تلفظ تسميتها اشتقاقا من الاسم الأقدم . ولذلك فقد دعاها اليونانيون بإسم يروساليم في حين دعاها الرومان في عهدهم بإسم هيروسالما ثم قام الإمبراطور الروماني هدريان ( 117 م – 138 م )بتغيير اسم المدينة الى .Elia Capitolina.اشتقاقا من اسمه Publius Aelius Hadirianus.. ثم اختصر الاسم ليصبح ايليا …..Elia بعد ان سوى المدينة بالأرض وأقام مدينة اخرى على خرائبها معبدا يونانيا هو .Jupitor. فوق مكان المعبد المزعوم . وقد بقي اسم المدينة ايليا الى ان فتحها العرب عام 636 م حيث ابقوا عليه لفترة ثم بدلوه الى القدس اشتقاقا من بيت المقدس الذي اطلقه العرب والمسلمون على المدينة قبل الفتح .
وحديثا عاد العالم الغربي والناطقون بالإنجليزية للتسمية المشتقة عن الرومانية والمحرفة بدورها عن الكنعانية العربية وهي جيروسالم , وعاد اليهود الى الاسم الكنعاني العربي أورشليم . ويذكر هنا بأن الباحث في تسميات القدس يعثر على العشرات منها في مصادر مختلفة لكني توخيت التوثيق والإختصار لما يفي بالغرض .