توجيهات الرئيس واللعبة المنتهية

أثار التوجيه الاخير لرئيس الوزراء بشأن عمل دائر المتابعة والتفتيش لغطا. وتسبب في اصدار بيانات ، وكتابة مقالات متسائلة. أما توجيه الرئيس فهو غير معروف على وجه اليقين، وإن صمته وعدم التوضيح يثير البلبله ويعزز الشكوك، وفيه استهانة بالمواطن وحقه في المعرفة. وبناء عليه فإني أناقش الموضوع بناء على معطياته الحقيقية كما أعرفها وأخبرها . وأنطلق من توضيح قصة الأخضر والأصفر وتطور ارتباطها بقرار فك الارتباط والسياق الذي اتخذ فيه القرار وعلاقتة بخيارات طوي ملف القضية الفلسطينيه وصولا لانتفاء حاجة النظام اليه .
أقول لربط الموضوع بخلفيته ، بأن الخيار الأردني كان تاريخيا ودوما رغبة للنظام الأردني ،أما لإسرائيل فهو قاعدة استراتيجية تاريخية للحل النهائي .إلا أن اسرائيل كانت تقف أحيانا الى جانب الخيار الفلسطيني وتحفر للنظام الاردني عندما يكون الجانب الفلسطيني قويا على الأرض أو يكون الجانب الاردني ضعيفا .وإن اضطرار اسرائيل لتأييد الخيار الفلسطيني هو لاختراقه والانقلاب عليه وجعله “خيار الاردن كأرض” بدلا من الخيار الاردني المرتبط بالنظام ، ومن هنا فلا يتفق الخيار الفلسطيني مع بقاء النظام الاردني ( القياده الهاشميه ) ولا يكون مع وجوده . وهذا ما كان سيحدث في أيلول 1970 الا أن التخوف الامريكي من وجود السوفيت في الدولة الفلسطينية في الاردن المجاور لاسرائيل حال دون السماح للمنظمه بالسيطره على الاردن ورحيل النظام، وحال بالتالي دون تحقيق الخيار الفلسطيني كما تراه اسرائيل .
أما أرضية بطاقات الأخضر والأصفر فتستوجب التذكير بأنه لدى احتلال الضفة الغربيه عام 67 قامت اسرائيل بصرف بطاق تعريف لكل من كان موجودا فيها ومنحته بموجبها حق الاقامة بالضفة الغربيه، واصبحت تعطي تصريح سفر لمن يريد على ان يفقد حقه بالعودة للضفة اذا لم يعد خلال ثلات سنوات. والغايه هي حرمان أي فلسطيني لم يكن موجودا في الضفة حين الاحتلال من العودة اليها أو الاقامة فيها،
جاء صرف البطاقات على الجسور في عام 1983 اي قبل قرار فك الارتباط بخمس سنوات، حيث قامت دائر المتابعه والتفتيش بمنح كرت أصفر على الجسور لكل شخص يصرح بأن اقامته المعتادة هي في الاردن أو خارج الضفه رغم أنه يحمل تصريح الاحتلال الذي يعني بأن له الحق بالاقامة في الضفه ، وبمنح كرت أخضر لكل شخص اقامته المعتادة في الضفة الغربية ولا يصرح بإقامته خارجها . علما بأن جميعهم كانوا يعتبرون اردنيين .. وإذا قلنا بأن فكرة قرار فك الارتباط التي حصلت عام 88 والتي ترتب عليها سحب جنسيه وتثبيت أخرى لم تكن مدار بحث وتفكير في عام 1983 ، فما الهدف من اجراء صرف البطاقات أنذاك ؟
المعروف أن تلك البطاقات كانت تصرف على الجسور التي يعبرها من له حق الاقامة في الضفة الغربية حسب المنظور الاسرائيلي المستند للهوية أو التصريح أو لم الشمل . فلماذا خلقت فكرة الاصفر والأخضر للعابرين وهم فئة واحد وتسمح لهم اسرائيل بالاقامة بالضفة ؟ وما المبرر لأن يمنح من يريد منهم بطاقة تعطيه حق الاقامة في الاردن ( الصفراء ) وهو يحمل من اسرائيل حق الاقامة في فلسطين ؟ لا شك أن هذا الاجراء يسهم بقصد او بدون قصد في تفريغ الضفة من سكانها . لا أتهم ولا أدعي بأن هذا الاجراء القائم على الاصفر والأخضر جاء بالتنسيق مع اسرائيل في فترة ما ولكن العارف يعتبره اجراءا غير وطني ما لم يسمع ضحدا أو تفسيرا مقنعا له .
إلا أن المهم المرجح في تحليلنا أن صرف البطاقات لم يكن له ارتباط استباقي بقرار فك الارتباط لكنه أفرز على حامليها أثارا جانبية غير مقصودة تم استغلالها . فما هو سبب وهدف قرار فك الارتباط دون تقنينه ؟ وفي أي سياق اتخذ ؟
علينا أن نكون على يقين بأن الملك الراحل عندما اصدر قرار فك الارتباط لم يكن جادا اطلاقا ولا قاصدا له بل اتخذه كإجراء تحوطي ورسالة شخصية منه وتحذيرية لأمريكا واسرائيل والفلسطينيين اقتضاها الظرف السياسي كما سيلي في الفقرة التالية من هذا المقال .فلم يكن في الواقع راغبا بسحب الجنسية من سكان الضفة ولا بالتخلي عن أرضها ، ومن هنا لم يفعل القرار دستوريا او قانونيا ولم يصدر بشأنه حتى قرار من مجلس الوزراء بل أخذ شكل تعليمات وتوجيهات متغيره حسب الظروف . إلا أن مسألة البطاقات أخذت بعدا انسانيا للناس ومنحى سياسي للدوله نتيجة قرار فك الارتباط عام 1988 وخدمة لهدفه .
ندخل الآن في سبب اتخاذ قرار فك الارتباط التحوطي والتحذيري مع ضرورة استحضار الفقره الثانيه من هذا المقال. لقد جاء قرار فك الارتباط في خضم تداعيات الانتفاضه الفلسطينية الاولى التي بدأت في نهاية عام 87 وكانت بقياد جبهه وطنيه فلسطينية وبرعاية منظمة التحرير .وقد أظهر المنتفضون فيها رفضا للنظام الاردني ولارتباطهم به وبدا هذا من خلال الهتافات ، كما كانت الانتفاضة من القوة والتأثير على اسرائيل والغرب ما يكفي لإحياء منظمة التحرير ولتلتقط اسرائيل اللحظة وتتجه نحو المنظمة للتوكؤ عليها من اجل التخلص من تداعيات الانتفاضة وتأثيرها في بلورة حل لا يتفق مع الرغبة الاسرائيلية ، بمعنى أن اسرائيل توجهت نحو الخيار الفلسطيني حسب منظورها المبين بالفقرة الثانيه أعلاه ،وأن الملك الراحل شعر بذلك وربما علم باتصالات اسرائيلية فلسطينية آنذاك أو استشرفها . وهو يعلم بأن الخيار الفلسطيني حسب المنظور الاسرائيلي لا يقوم الا على حساب الاردن في غياب النظام الهاشمي . فجاء قرار فك الارتباط تحوطا من نجاح الخيار الفلسطيني في الأردن وتلويحا وضغطا لافشاله.
وعندما نجحت اسرائيل بالقضاء على المقاومه وعلى على الخيار الفلسطيني من خلال اتفاق اوسلو وانقلابها عليه تحت وطأة تهديد النظام الاردني بأردنية الاردن وفلسطينية فلسطين اثر قرار فك الارتباط ،عادت أي اسرائيل الى الخيار الاردني وعاد معها الاردن تحت وطأة أحداث المنطقه ولم تعد حاجة للأردن لاستخدام ورقة فك الارتباط وأردنة الأردن . ولذلك فإني أتوقع اجراءات لانهاء القيود على أخضري البطاقه وموتا سريريا لعمل المتابعة والتفتيش إلا أن هذا مرهون بانتظار شكل الخيار الاردني المقبل وفيما إذا كان يتطلب إلغاء العمل بقرار فك الارتباط غير المقنن أم تقنينه