عندما تباشر ادارة ترمب سياستها في تبني الرؤية الاسرائيلية المتطرفة في ملف القضية الفلسطينية، فلن تضع في حساباتها وجودا لزعماء عرب ولا تأثيرا لهم من نوع ما. وأنه لن يكون بمقدورهم أكثر من تصريحات وبيانات الاسف على اسطوانة “أن هذا الاجراء أو ذاك لا يصب في مصلحة السلام ” . كما أن الموقف العربي مما يجري في سوريا الى جانب مباشرة كل زعامه عربيه بتوظيب علاقاتها مع ادارة ترمب بشكل منفرد بمعزل عن أي قضية او هم عربي هو مؤشر واضح لتلك الادارة على انتفاء الانتماء والترابط القومي لدى الحكام العرب .
الا أن لدى ادارة ترمب ثلاثة محاذير أحدها على الصعيد الشعبي العربي والثاني على الصعيد الاوروبي، والأخير على صعيد النظام الدولي ممثلا بمنظمة الامم المتحدة .
أما على الصعيد الشعبي العربي فهناك تخوف وحذر يتمثل بمظاهرات احتجاجية في فلسطين والاردن قد تتحول لسلوك عنفي تحت وابل حالة اليأس السياسي والضغوطات المعيشية التي لم تستطع القيادات على فعل شيئ ملموس اتجاهها. والخوف هنا باتجاهين هما
الأول، هو زعزعة الامن والاستقرار في فلسطين والاردن وتأثير ذلك على اسرائيل وسياساتها، وعلى السلطتين في رام لله وعمان. وما سيعكسه هذا من ضغوطات اعلاميه وسياسية دولية على امريكا واسرائيل، وزيادة التعاطف السياسي الدولي مع الفلسطينيين وقضيتهم.
اما الاتجاه الثاني فهو الخوف من امتداد المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في فلسطين والاردن الى بلدان عربية أخرى. ولا يخفى على الادارة الامريكية حالة الاحتقان الشعبي في الاقطار العربية، ولا وجود دول داخل الاقليم ستسعى لتوسيع وتغذية هذا الاتجاه. وإذا ما تطور هذا الأمر على شكل ربيع عربي شامل فلن تنفع معه هذه المرة سياسة الاحتواء وبالتالي لن يكون سهلا ركوبه او الانقلاب عليه.
إن السياسة في رؤية ترمب إذا خرجت عن الاقتصاد والمال فلن يكون خروجها إلا باتجاه دعم اسرائيل وتبني سياستها في الانقلاب على حل الدولتين وضم الضفة باسلوب مغلف. وفي الضغط على دول العالم والعرب حتى لا يبقى الا الاردن وحيدا يتكلم مدافعا عن القضية كصاحب مصلحه مباشره. ومن يتابع تصريحات ترمب وباكورة ممارساته يدرك أنه يفتح حربا ضد العرب والمسلمين تمتد لخارج الولايات المتحدة.
أصبح المطلوب في قمة عمان هو بناء استراتيجية عربية موحده غير قابلة للمقايضة من أي دولة عربية، لمواجهة السياسات الاسرائيلية في فلسطين بعدما اصبحت متبناة من الوسيط الامريكي. وأن تكون هذه الاستراتيجية مبنية على حل الدولتين المتفق عليه دوليا دون تعديل. بعيدا عن استخدام أي دولة عربية للقضية الفلسطينية كورقه سياسيه. إنها في في خطر حقيقي والاردن يواجه المخاطر من كل صوب، وعلينا أن ننتبه الى تركيز الاعلام الاسرائيلي على ديمغرافية الاردن والهجوم على الحكم الهاشمي.
أما المحذور على الصعيد الأوروبي ، فإن سياسة ترمب الاقتصادية والتجارية والسياسية بمعزل عن مبادىء الديمقراطية الغربية وقيمها المعكوسة على سياساتها الاقتصادية وحقوق الانسان ،إذا طبقتها ادارة ترمب عمليا باتجاه كارتل يجعل من امريكا بحيرة اموال ضخمه ، فستكون انقلابا على أسس التحالف الغربي مع امريكا وتطيح بزعامتها لهذا الحلف . وستعمل عندها امريكا على محاولات اختراق للوحدة الأوروبيه مما سيضع اوروبا أمام خياري التماسك بمحور واحد أو الانشقاق .
من المرجح أن يسعى ترمب لتبني اصطفافات، تقوم على الاقتصاد والتجارة والمال بمواجهة اصطفافات يصنعها للنيل منها، وسيتخلى عن التحالف مع أية فريسه. وبما يشبه السياسة الامبريالية القديمة . والدلائل المبكره تشير الى اقناع روسيا بتعاون يكون فيه لامريكا اليد العليا بعيدا عن المواجهات ومنعا لبناء اصطفاف بزعامة روسيا . فالتفاهم معها أجدى لتحقيق سياسات ترمب .
التساؤل هو فيما إذا كانت خبرة وثقافة وارتباطات ترمب تسمح له أن يكون سياسيا ناجحا أو ذو مصداقية وثبات ، فدولة ديمقراطية كأمريكا يحكمها دستور يرسم الطريق لأولوية مصالح الدولة ومواطنيها بشكل متوازن ومحسوب ، لا يكون لها داع ولا معنى بريئا لرفع شعار “امريكا اولا ” فهذا الشعار لدول أخرى .
أما المحذور على صعيد النظام الدولي المتمثل بالأمم المتحدة، فإن سياسة ترمب الاقتصادية والمالية لا تتفق مع التزامات امريكا المالية الضخمه في موازنة الأمم المتحدة والتي تتجاوز أكثر من ربعها. وهذا الربع الذي ينسحب على كل عمليات ومؤسسات وصناديق الامم المتحده هو الأساس في تمكين هذه المنظمه من القيام بواجباتها، حيث أن معظم الدول تتلكأ في دفع حصصها التي التزمت بها. وعلينا هنا أيضا أن نربط بين سياسة اسرائيل المعاديه للامم المتحدة وبين التوجه المطلوب من ترمب. فإذا ما تخلت امريكا عن دعمها للأمم المتحدة فهذا يكون في سياق انهاء النظام الدولي القائم. وهذا حدث عالمي خطير يهدد امن واستقرار العالم ويجر الى حرب ثالثة.