بداية أتكلم الى جهة واعية وحكيمة في الأردن أفترضها ولا أعرفها. متى يدرك العقل السياسي الحالة الشعبية الرافضه للنهج ولسَوق الدولة للإنتحار، ويدرك بأن الإعتماد على الخطاب المفتقد لأسسه، والنهج لأمني لفرض ما يريد ستكون نتاجه كارثية على النظام والأمن المجتمعي، إن الوصول لحالة الإفلاس الوطني والسياسي، وفقدان المصداقية مرتبط بالنهج السياسي، ويجر النظام لاستخدام وسائل تُعمق الحالة، وإلى تحالفات داخلية غير محسوبه تؤدي لسلوك هدام تسارعي للدولة وأمنها، فسياسة الدولة وأجهزتها لن ترتقي مع هذا النهج الى مستوى وطني وقيمي يستجيب لمواجهة التحديات الخارجية والداخلية التي تعصف بالمجمل، تهميش الشعب وتجريده من اعتباراته القانونية والسياسية والإنسانية والمضي في تقنين كل أدوات قتله البطئ ينهي علاقة الحاكم بالمحكوم ويحيلها الى عداوة.
عدنا لا نعرف الى أية هاوية تسير الدولة ومن يُسيِّرها، حالة التعامي عن الواقع الحاضر، والمستقبل المنتظر وعن الاستهانة والتلاعب بالدستور وتسييسه هي حالة لها نتائج وخيمة ومن مصلحة الجميع أن تنتهي، وبالأمس انطوى حديث رئيس الحكومة عن الولاية العامة على أنها بيد الملك.
الحراك الأردني في الشارع أصبح ضرورة وطنية وقومية ودعم حقيقي للملك في وجه الضغوطات العربية والأجنبية، مفترضة كانت أو حقيقية، وبالتالي فهو الرافعة الشعبية لتصحيح مسار الدستور ولتغيير النهج السياسي المسئول عما وصلت اليه البلاد وشعبها، فهذا الحراك هو صوت الشعب في مواجهة الفساد العميق ومواجهة تحالف الهيمنة السياسية والإقتصادية .ويجب أن لا يؤخذ هذ الحراك الا في اطار الدفاع عن النفس وعن الدولة في لحظة استحقاق شعبي .
ليست هناك أية فرصة أمام النظام لإسقاط الشعب، والملك مطالب بوِقفة مراجعة والتعامل مع مستحقاتها، الثورة البيضاء كنا نطالبه بها على خلفية إنقاذية، واليوم نطالبه بها لتدارك ثورة حمراء، فهذا الحراك ليس مسيسا ولا تقف وراءه قرارات حزبية ولا نقابية، وعلى الدولة أن تفكر مرتين في هذا الأمر، فله معنى سياسي واجتماعي كبير عليها استيعابه، فجامعتها العربية في الأردن والمتمثلة بقيادات النقابات والأحزاب والجمعيات والمؤسسات المدنية استنفذت ولم تعد تسعفها في تدجين الشعب، إنها أطر لم تعد مسموعة من قبل هيئاتها العامة ولا موجودة في حسابات الشعب، وليس هناك من وسيلة لتدجين شعب.
إن الحراك قاعدته تتوسع بلا قيادة نتيجة اصرار الشعب على التغيير الحقيقي، وإن افتقاد القيادة الموحدة ليست في صالح الحراك ولا في صالح الأمن المجتمعي ولا الدولة، ولذلك فإننا في سباق مع الزمن بين التغيير الإرادي وبين صنع قيادة جماعية موحدة للحراك من صلبه كي يتعمق ويصبح أكثر تعبيرا ورشدا ووعيا وخطابه سياسيا، وفي هذا لعل النقص النوعي في شمولية الحراك لكل مكونات الشعب الأردني والذي ما زال موجودا يشكل أكبر خطأ استراتيجي وخلل لا بد من إزالته.
إن هذا النقص النوعي في المشاركة بالحراك الشعبي يتعلق بمكونات رئيسية من مكونات الشعب، وهناك تهامس بين الناس يشير الى وجود زعامات شعبية تقليدية وأخرى حزبية من هذا المكون تنصح بعدم مشاركة اخوتهم في الوطن، بل وهناك من يقول أن تدخلا أخر يعبر من رام الله للنصح بعدم الانضمام للحراك في الشارع. نحن لا نقول بخلو الحراك من هذا المكون الأردني الرئيسي بل هناك ناشطين منه وهناك من اعتقل كغيره، ولكنا نقول بأنه غير كاف بشموليته وينتابه التردد، فهذه سياسة عزل وتفتيت تستهدف الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية في أصعب الأوقات ومشروع فتنة، والفتنة المقابلة هي في السكوت والطبطبه وإنجاح تلك السياسة القذرة في عزل المكونين عن بعضهما وزرع ألغام عدم الإستقرار.
إن تمرد الشعب على تعليمات وقرارات الزعامات الشعبية التقليدية والسياسية المتورطة والأسيرة لمصالحها، وعلى قياداته المدنية ومؤسساتها المخترقة والمدجنة يجب أن يتفعل ويشمل كل مكونات الشعب الأردني وقطاعاته، لا سيما الهيئات العامة للنقابات والأحزاب، نحن يا سادة في دوله تركيبتها السكانية حساسة بفضل سياسات مستوردة تمت تغذيتها ولن ينجحوا فيها، إنها تركيبة متجانسة، مصالحها مترابطة وهمها واحد ومصيرها ومستقبلها واحد ومستهدفوها وجلادوها طبعة واحده، فلا مجال للحياد في مسألة هذا الحراك، وليس هناك أدنى أمل بمستقبل مستقر مع احتكار للحقيقة أو الوطن أو القرار، نحن في دولة يجب أن تبقى مصانة بشعبها، فالحياة الآمنة والفضلى للجميع لا يمكن تحقيقها بدون التآخي الشعبي الوطني.
ليكن معلوما بأن الغاية من ضرورة التئام المكونين الاردنيين الرئيسيين في الحراك ليس لتعظيم الحشد الجماهيري، إذ ليس هناك نقصا عدديا لخروج ألف أو مليون للشارع من مكون واحد، لكن الغاية هي ضرورة انعكاس الواقع والوحدة الوطنية ووحدة المشاعر على الأرض عندما يكون الوطن والدولة في خطر، وقطع الطريق على كل المتآمرين على وحدة الشعب وجبهته الداخلية، الواقفون ضد الحراك من مختلف مكونات الشعب ووحدة الشعب هم الرؤوس المنتفعة والفاسدة والمأجورة سواء من العشائر وغير العشائر، وهؤلاء هم ذخيرة الفساد وأدواته، وما ابناء العشائر وبقية الشعب إلا ضحاياهم.
فالفقر والعوز والظلم والتهميش سائد في المدن والقرى والمضارب الاردنية من الشمال الى الجنوب كما هو سائد في المخيمات وبؤر التهميش والنسيان، ولا بد لهذه العشائر وأية تجمعات أردنية أن تدين وتعزل فاسديها، ولا بد لهذا الشعب أن يتوقف عن مهادنة البرجوازية الكبيرة والمالية والسياسية مهما كانت درجة القربى، إنها في بلدنا تعيش حالة انفصال عن الوطن والشعب والقضية، فالمصالح متناقضة بين المفترس والفريسة، ولا يلتقيان إلا على شر.
نعود الى أحزاب المعارضة وموقفها من الحراك، وأقول إن تواضع حجم منتسبيها وشعبيتها لم يمنع قياداتها يوما عن المشاركة في الأحداث المحلية والدولية بمختلف الصور المقدور عليها، ولكنها جميعها ما زالت منضمة لبقية الأحزاب في عدم الالتحاق بالحراك الشعبي تحت عنوان الحزب رغم مشاركة العديد من منتسبيها بصفتهم الشخصية، نفهم الأسباب ولا نتعاطى معها، فنداء الوطن لا يعيقه معونات الدولة المالية وضعف ثقلها الشعبي ولا عدم ديمقراطيتها، إلا أن الخطورة هب عندما تصبح الفكرة أو الأيدولوجية أسمى من الوطن وأقدس من الإنسان، فالحراكات لا تجمعها الأيدولوجيات ولا القومية ولا اليمين ولا اليسار ولا عقيدة سياسية ولا دين معين بل يجمعها نداء الوطن وسحق قدسية الإنسان . وأخص الإخوان. الذين وحدهم يمتلكون في الأردن حجما شعبيا وتنوعا وانتشارا ويقودون بعض النقابات لا سيما المعلمين التي كافح كل الشعب من أجل انشائها، وأتساءل بخجل من بعض قياداتهم الوطنية والصديقة وفوق الشبهات، هل سلامة أنفسهم والحفاظ على حزبهم له الأولية على كل ما سواه؟ وهل حساب السلطة أكبر من حساب الله والواجب الوطني، إن الانحناء للعاصفة في مثل هذا الظرف العصيب مقتل.
كاتب وباحث عربي